هل حقا يحتاج الشرق إلى “ثورة جنسية”؟

أسعد أبو خليل*

مِن الهبلنات (الجنون) النظريّة التي أصادفها في التجوال على مواقع التواصل الاجتماعي العربيّة–واللبنانيّة خصوصاً–الكلام عن الحاجة إلى "ثورة جنسيّة" في العالم العربي، وأننا لن نمشي في ركب الغرب المتقدّم والتحضّر ما لَم نُشعل ثورة جنسيّة ونقضي على الكبت الجنسي في بلادنا.
وأذكر اننا في سنوات الجامعة كنا نقع–بعد هجر الماركسيّة-اللينينيّة نحو الفوضويّة–أسرى دعوات العفيف الأخضر في منطقة رأس بيروت عن ضرورة إشعال ثورة جنسيّة. وكنتُ, أنا والرفيق رامي, نُحرّر جريدة حائط استفزازيّة عن "الثورة الجنسيّة" في الجامعة الأميركيّة في بيروت, وكانت تجذب إسلاميّين من شتّى الأصناف يعترضون على مضمونها ويحاولون تمزيقها يوميّاً–وكان استفزازهم غرضناً آنذاك.
لكن عندما اتذكّر ذلك الآن, أتذكّر ان ثورة العفيف الأخضر الجنسيّة قادته إلى شمعون بيريز. وأتذكّر أيضاً ان العفيف الأخضر قادنا لقراءة فيلهام رايخ, وكنّا نعتبره مُرشدنا في الثورة الجنسيّة, إلى ان أتيتُ إلى اميركا وتحريّتُ عن تاريخه هنا, وسكنتُ في بيركلي قرب مركز ”رايخ“ للدراسات واكشفتُ ان الغرب الأميركي لم يتحمّل دعوات رايخ في الخمسينيّات واتهموه بالجنون وإفساد الشباب, وزجّوا به في السجون بعد ان ادين ب"الشذوذ".
(بالمناسبة, نحن استعرنا مفهوم "الشذوذ الجنسي" من الغرب, كما ان تصنيفات الجرائم الجنسيّة عندنا مستوردة من المستعمر الغربي, أي أبو "الثورة الجنسيّة" المفترضة). هذا عن رايخ في بلد الثورة الجنسيّة المُفترضة.
والكلام عن "الثورة الجنسيّة" يبني على الفصل الأنثروبولوجي التقليدي عن مجتمعات "حديثة" ومجتمعات "تقليديّة", وعليه نحن العرب لا نزال في مرحلة "ما قبل الثورة الجنسيّة".
ويحاول دعاة "الثورة الجنسيّة" في بلادنا الترويج لفكرة أن الثورة الجنسيّة عندما تحدث–يا لطيف–تُنهي كل أشكال الذكوريّة وتطيح بالمجتمع البطريركي من جذوره. لكن اين حدثت هذه الثورة الجنسيّة المنشودة؟ في الغرب؟ هذه مثل نظريّة ان المُغتصب في بلادنا والمتحرّش سيزولون عن الوجود عندما تشتعل هذه الثورة الجنسيّة—يا لطيف, مرّة أخرة.
لكن في أميركا مِن المُغتصبين أكثر من معظم دولنا, وهناك قتلة هنا يتخصّصون في اغتصاب وقتل النساء, وتقطيعهنّ أحياناً. وهذا في بلد كانت الثورة الجنسيّة المُفترضة قد حدثت فيه. والذين يربطون بين الجنس والجريمة والتحرّش في أميركا هم من المحافظون المتديّنون المسيحيّون, الذين يقولون لولا "البورنوغرافيا" فإن المجتمع سيسوده وئام لا مثيل له.
وأغلب الذين يكتبون عن الكبت الجنسي في العالم العربي وضرورة الثورة الجنسيّة لا يعيشون في دول الغرب حيث الجنس لا يزال محاطاً بمحرّمات وقيود دينيّة واجتماعيّة شتّى وحيث لا ثورة جنسيّة ولا من يحزنون.
في كتابات فوكو, ليس هناك مِن شك في ذهن الكاتب ان التخلّف في العلاقات الجنسيّة يسود في الغرب مثلما في غيره على حدّ سواء.
والطريف عندي ان دعاة "الثورة الجنسيّة" وأن "الكبت الجنسي" هو أساس البلاء العربي يكونون دوماً من فريق يمتدّ من الرياض إلى قطر مروراً بالنظام الأردني, مما يتركك في يقين أن الملكيّة العربيّة هي أعلى مراحل الثورة الجنسيّة في العالم العربي.
المقالات تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن موقف الجريدة الصباحية