كتاب وآراء

بين واشنطن وطهران … ديبلوماسية «طيبة» أم حرب؟


محمد سيد رصاص*

إعلان الرئيس الأميركي في 8 أيار (مايو) 2018 انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع الإيرانيين، هو أهم حدث شرق أوسطي منذ 9 نيسان (أبريل) 2003، عندما سقطت بغداد بيد المحتل الأميركي. فتح الحدث البغدادي الذي جاء تحت مظلة تحالف أميركي- إيراني مرحلة جديدة في الإقليم حيث أتت كل التحولات الشرق أوسطية الرئيسية على وقعه ووفقاً لإيقاعه.

يمكن القول هنا إن 8 أيار هو محاولة انقلاب أميركية على نتائج 9 نيسان 2003، ذلك أن هناك وجهة نظر عند اليمين الأميركي، وبالذات عند جنرالات البنتاغون مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس، بأن «اليوم التالي لـ9 نيسان2003»عراقياً وشرق أوسطياً كان لصالح طهران وأن واشنطن قد خرجت خاسرة. عند هؤلاء هناك رأي بأن السياسة الإرضائية عند باراك أوباما في الاتفاق المذكور مع الإيرانيين قد زادت شهية طهران، كما فعلت اتفاقية ميونيخ للبريطانيين والفرنسيين عام 1938 مع هتلر عندما أعطوه تشيكوسلوفاكيا، ما جعله يظن الغرب ضعيفاً ويفكر العام التالي في بولندا، كما أن هؤلاء يرون أن الانسحاب العسكري الأميركي من العراق لم يساهم سوى في نمو قوة الإيرانيين ثم في ظهور «داعش».

لم يكن دونالد ترامب في موضوع العلاقة مع الروس على وفاق مع تشدد جنرالات البنتاغون الذين أفشلوا اتفاق كيري- لافروف للتعاون العسكري والأمني في سورية، والذي مات بسرعة من خلال «الغارة الأميركية الخطأ «في دير الزور بعد قليل من توقيعه في جنيف في 9 أيلول (سبتمبر) 2016، فيما كان ترامب على وفاق مع البنتاغون في الموضوع الإيراني. وساهمت التحقيقات في تدخل الروس في الانتخابات الأميركية في حشر الوافد الجديد للبيت الأبيض في الزاوية الضيقة، وجعلته مضطراً للتشدد روسياً، فيما كانت مسيرته في المكتب البيضوي تجاه إيران منسجمة مع ما كان معتمداً قبله.

خلال 16 شهراً مضت من عهد ترامب هناك اتجاه أميركي بلغ ذروته في 8 أيار، يرى أن المصعد الذي أوصل طهران إلى الطابق الأعلى إقليمياً هو نفسه الذي يمكن أن ينزلها إلى الطابق الأرضي: وما جرى في 8 أيار هو البداية المجابهة الأميركي مع الإيرانيين.

تفاعلات شرق أوسطية

على الأرجح أن إقليم الشرق الأوسط سيتحرك على إيقاع 8 أيار 2018 ومفاعيله، وربما العالم بأسره، لأنه أعلن بدء المجابهة بين الدولة الأعظم في العالم والدولة الأقوى في الإقليم. ليس صدفة أن يتحرك ترامب نحو التصعيد إيرانياً تجاه ملف طهران النووي، فيما يتجه إلى احتواء كوريا الشمالية بمساعدة صينية على أن يتم إطفاء الخطر الكوري النووي مقابل اعتراف سياسي بنظام بيونغ يانغ، ومكافآت اقتصادية أميركية للصين وللزعيم الكوري الشمالي. على الأرجح أن هذا سيجعل الصين أكثر نأياً بالنفس عن المجابهة الأميركية- الإيرانية. ليس بعيداً عن هذا، القول إن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو لموسكو في اليوم الثاني لخطوة ترامب تهدف إلى تحييد فلاديمير بوتين. في هذا الإطار إن أكثر المحرجين من خطوة ترامب هما بوتين ورجب طيب أردوغان، حليفا طهران في سوتشي. فكلاهما سيجد نفسه في وضع صعب إذا وقف مع أحد طرفي المجابهة أو على الحياد.

هنا من الضروري فحص ماذا تريد واشنطن من طهران: هل المطالب التي حددتها كتكميلات للاتفاق النووي هي فعلاً المطلوبة، أم أنها رأس جبل الجليد؟ وهذه المطالب التي تبلغها الأوروبيون هي: 1- ضمانات بعدم استئناف الإيرانيين للتخصيب النووي إلى الدرجة العسكرية بعد انتهاء مدة الاتفاق عام2025، 2- اتفاق مع إيران لتحجيم قدراتها الصاروخية، 3- اتفاق أميركي مع الإيرانيين حول السياسة الإقليمية– يوحي بما يراد أميركياً من طهران.

ديبلوماسية أم حرب … ؟

كان أوباما في اتفاق 14 تموز (يوليو) 2015 قد قايض تخلي طهران عن النووي بترك الحرية لطهران إقليمياً مع غض طرف أميركي عن قدراتها الصاروخية. ويعيد ترامب الآن الإثنين ليربطهما بالنووي مع ضمانات أكثر تجاه الأخير بعد انتهاء مدة الاتفاق. عملياً هذا سيقود إلى اتفاق جديد غير اتفاق 5+1. ولا يمكن لهذا أن يتحقق من خلال «الديبلوماسية الطيبة» للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يشبه كثيراً نيفيل تشمبرلين رئيس الوزراء البريطاني عام1938، بل عبر حرب أوحروب في المنطقة، مع احتمال آخر هو حصار اقتصادي أميركي لإيران، أو اقتران كل هذه الاحتمالات بعضها ببعض.

يمكن للمطالب الأميركية الثلاثة أن تحوي مطلباً رابعاً خفياً أوناتجاً عنها، وهو إسقاط النظام الإيراني وليس فقط تحجيمه، إذ كان التحجيم الإقليمي لدول قوية خارجياً ولكن مأزومة داخلياً يؤدي لاحقاً إلى التفكك والانهيار الداخلي، وهو ما رأيناه في تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991 بعد سنتين من تفكك حلف وارسو.

* كاتب سوري

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى