تقدير موقف

وكالة ستخبارات أجنبية حذرت بالتفصيل والأسماء السلطات السيريلانكية من جماعة تخطط لاستهداف الكنائس “خلال أيام”

عبدالله كمال*

 

 

سريلانكا وجهت أصابع الاتهام نحو جماعة إسلامية متطرفة في تنفيذ الهجمات الدامية التي ضربت البلاد يوم الأحد وأودت بحياة 290 شخص و أوقعت 450 مصاب. وزير الصحة قال إن جماعة التوحيد الوطنية أو National Thowheed Jamath هي التي تقف وراء الهجمات.
الهجمات استهدفت 3 كنائس و3 فنادق فاخرة يقصدها الأجانب عادة. الحكومة ألقت القبض على 24 شخص حتى الآن، وقامت بحجب مواقع التواصل الاجتماعي لمنع الشائعات بخصوص الجهة المنفذة خشية انفجار عنف أهلي في البلاد. الجزيرة الصغيرة التي يسكنها 22 مليون شخص لديها تاريخ طويل ودموي من الاقتتال الأهلي بين الجماعات الدينية والعرقية المختلفة.
الوزير هارين فرناندو نشر عبر موقع تويتر مذكرة تعود لتاريخ 11 أبريل أرسلتها أحدى وكالات الاستخبارات الأجنبية إلى السلطات الأمنية في سريلانكا، تحذر من قيام هذه الجماعة المتطرفة باستهداف كنائس “خلال أيام”. المذكرة كانت مفصلة لدرجة أن الأشخاص الوارد أسماءهم فيها كانوا ضمن من فجروا أنفسهم خلال الهجمات.
التراخي في التعامل مع هذا التحذير يعود للخلافات السياسية الحادة في البلاد، والتي نتج عنها وجود رئيسين للوزراء خلال النصف الأخير من العام الماضي في أزمة استمرت ستة أشهر وهددت بجر البلاد إلى اقتتال أهلي. المحكمة العليا حسمت النزاع لصالح رئيس الوزراء الحالي وإن ظل على خلاف مع الرئيس.
ويبدو أن تلك المذكرة لم تُعرض على رئيس الوزراء والوزراء الموالين له وظلت ضمن أروقة الأجهزة الأمنية الموالية للرئيس، والتي لم تتعامل معها بجدية كبيرة. جزء من هذا الإهمال أن الجماعة التي تم التحذير منها صغيرة ومغمورة ولا يوجد تاريخ للعنف الذي تمارسه الجماعات الإسلامية في سريلانكا. جماعة التوحيد الوطنية تلك لم تكن معروفة على الإطلاق حتى قامت بتشويه تماثيل بوذية العام الماضي بعد مواجهات دامية بين المسلمين والبوذيين.
السريلانكيون انضموا إلى تنظيم داعش منذ عام 2014 وإن كان بأعداد صغيرة. وبدأت اسماء تظهر ضمن مقاتلي داعش القتلى مثل أبو ثريا السيلاني وأبن أخيه أبو دجانة السيلاني منذ أوائل عام 2015. المسلمون يشكلون 9.7% من سكان سريلانكا وينتمون في أغلبهم إلى التاميل. ومؤخرا أصبح المسلمين هدفا للجماعات البوذية المتشددة وعلى رأسها Bodu Bala Sena أو القوات البوذية القوية. البوذيون يشكلون أكثر من 70% من سكان سريلانكا وينتمون لعرقية السيناهليز ويبدو أن التقسيم على أساس ديني استبدل الخطوط العرقية للتقسيم في الجزيرة منذ انتصار الحكومة على نمور التاميل المتمردين قبل عشر سنوات.
استهدفت تلك المجموعات البوذية المسيحيين الذين يشكلون 7.4% من السكان، والمسلمين أيضا. وخلال أربعة أعوام فقط وقعت مرتين أحداث شغب كبيرة بين المسلمين والبوذيين واحدة في 2014 والأخرى في 2018.
الإعلان عن أنشطة مسلحين إسلاميين من قبل الحكومة أو محاولة شن حملات أمنية ضدهم أمر شديد الحساسية حيث تعتبره المنظمات الإسلامية في البلاد خطاب يكرس العنصرية ويعطي غطاءا لاستهداف المسلمين على أساس طائفي، خاصة مع عدم وجود سابقة لأعمال عنيفة تقوم بها جماعات إسلامية.
في المقابل، ومع صعود الجهاد العالمي، تزايدت عمليات الشحن الطائفي ضد المسلمين، خاصة مع تبني عادات يُنظر إليها على أنها أجنبية مثل ارتداء العباية والنقاب في بلد خاض صراع أهلي دام أودى بحياة مئات الآلاف على أساس عرقي، وتوجد فيه تيارات قومية متشددة تعتبر هوية البلاد بوذية/سناهيلزية.
المسيحيون من الفئات الأقل قوة ونفوذا في البلاد، ولا يبدو أن هناك سبب “محلي” لاستهدافهم من قبل مجموعة إسلامية مسلحة. لكن السلطات السريلانكية تقول إن تلك المجموعة الصغيرة غير قادرة على تنفيذ هجمات بهذا الحجم إلا بالحصول على دعم من شبكة دولية من التنظيمات الجهادية المحيطة بها. هذا التقييم يدعمه رصد الهجوم من قبل وكالة استخبارات أجنبية، ربما الهند، ووجود تنظيمات قوية في دول مجاورة مثل الفلبين وأندونيسيا والهند نفسها.
سريلانكا كانت محطة لعبور المقاتلين من الدول المحيطة ما يجعل وجود نفوذ للتنظيمات غير المحلية على المشهد الجهادي في البلاد أمر مرجح. وبالتالي استهداف المسيحيين رغم أنه لا معنى له في المشهد المحلي السريلانكي إلا أنه يمكن فهمه في إطار استيراد تلك الجماعة لأجندة تنظيمات إسلامية خارجية تنتمي إلى الحركة الجهادية العالمية والتي تضع استهداف المسيحيين على قمة أولوياتها.
الحكومة ما زالت تحاول إدارة المشهد بحساسية شديدة لتجنب اندلاع موجات من العنف الأهلي تقضي على السلم الأهلي الهش في الجزيرة.
لا توجد قوة منفردة في العالم أضرت بحياة المسلمين في كافة أنحاء العالم مثل فصائل الإسلام السياسي وإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى