صوت و صورةمقابلات

الصباحية تحاور المفكر صابر مولاي أحمد: حول “الإسلام المعاصر” و”الموروث” وكيف يؤثر “إدراك دور السياسة” على التخفيف من غلواء التطرف

مفكر مغربي شاب يفرق بمنهجية ووضوح بين ما يسميه إسلاما معاصرا وما يعرف بالإسلام الموروث كما يفرق بين المحلي والكوني في ساحة الثقافة والفكر الإنساني، ولا يفوته معرفة الدور الذي تلعبه السياسة سلبا وأحيانا إيجابا في الواقع الديني والثقافي والاجتماعي وهو الامر الذي يساعد إدراكه وفهمه على تجنب الوقوع في فخ غلواء وتطرف المذاهب والأديان والذي يؤدي إلى خسائر جسيمة في طاقات الأمة والأوطان على صعيد الطاقات والمستقبل والكوادر البشرية والإنسانية. وهو يرى بحق أن “الدين والتدين عندما ينفصلان عن العقل والروح يموتان، ويكون ذلك أحيانا سببا في موت الإنسان كما هو حال الأصولية الدينية اليوم في العالم العربي بشكل خاص”. جريدة الصباحية كان لها معه هذا الحوار. 

حوار د. رياض محمد الأخرس

من هو الدكتور صابر مولاي أحمد؟

كاتب وباحث مغربي؛ مختص في قضايا الفكر الإسلامي المعاصر؛ عمل أستاذا باحثا في مؤسسات علمية داخل المغرب وخارجه؛ من بينها مؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة حتى عام 2011 بأبو ظبي؛ وشارك في العديد من الندوات العلمية والمنتديات الدولية؛ لديه عدد من الكتب المنشورة: “منهج التصديق والهيمنة في القرآن الكريم: سورة البقرة أنموذجا و كتاب”التداول اللغوي للمفردة بين الشعر والقرآن وكتابالوحي: قراءة تحليلية للمفردة القرآنية“. 

*********

صابر مولاي احمد

في كتاباتك وأحاديثك تتحدث عن ما تسميه حضرتك ب “الإسلام المعاصر” بدلا عن “الإسلام الموروث” فعلى أي شيء تستند في هذه التفرقة بين نوعين من الإسلام وما هو الحد الفاصل بينهما على مستوى كل من النظرية والتطبيق؟

 شكرا لك الدكتور رياض محمد الأخرس على فرصة الحوار؛ للإجابة على سؤالك؛  أذكر بكون الديانة الإسلامية ديانة واحدة من جهة النص المرجعي -أي القرآن- وديانة متعددة من جهة التاريخ الإسلامي؛ وذلك بالنظر إلى أنماط التدين التي تشكلت في استجابة لمقتضيات أزمنة وأمكنة متعددة وسياقات ثقافية متنوعة. وإذا نظرنا إلى مختلف الديانات من جهة تاريخها، فهي كلها تتصف بالتعدد؛ وميزة وحدة الديانة الإسلامية من حيث النص المرجعي تعد سمة تمتاز وتتميز بها عن غيرها من الديانات؛ فكل الطوائف والمذاهب في الحضارة الإسلامية تتفق حول نسخة واحدة من القرآن الكريم؛ وهذه مسألة بديهية ليست في حاجة إلى دليل. ومن ثم، تقتضي الضرورة المنهجية التمييز بين فهم الإسلام كما تشكل عبر التاريخ؛ وبين الإسلام تبعا للقيم الكلية الإنسانية التي جاء القرآن من أجلها، وعلى رأسها قيمة الرحمة والعدل والحرية والعلم والمعرفة…؛ فمن التعسف المنهجي أن يختزل الإسلام في جزء من تاريخه؛ أو في مساحات من التاريخ تتصف بخصوصيات محددة تبعا لظروف خاصة بأهلها؛ في هجر وإعراض عن فهم المغزى من القرآن كرسالة وكتوجيه وهداية نحو الخير الذي ينبغي أن يعم الناس جميعا بمعزل عن انتماءاتهم الدينية والثقافية والمذهبية؛ ومن عمد إلى ذلك بوعي أو من دون وعي فهو يجعل بينه وبين نور الرسالة المحمدية حاجزاً يحول بينه وبينها؛ ومع الأسف هذا هو الوضع الذي يحكم المجتمعات الإسلامية اليوم. كما أنه هو الوضع الذي يتخذه مَن غرضُهُ أن يسيء لنور الرسالة المحمدية (القرآن). فالأصولية الدينية في العالم الإسلامي اليوم جعلت من تاريخ الإسلام وما اتسم به من طائفية ونصرة لمذهب على حساب مذهب آخر، تاريخاً مقدساً لا يمكن الخروج عنه في نظرها؛ وبهذا يكمن الإسلام، الذي تنادي به وتقتل من أجله، في الماضي ولا يتصل بالحاضر والمستقبل؛ وهي دعوة مفصولة من الجذور عن روح الدين وعن القرآن؛ ولهذا فالتدين الذي تبسطه الأصوليات الدينية تديُّن يكمن في التاريخ ولا علاقة له بالواقع وبالزمن الذي نعيشه اليوم سواء من حيث المضمون أم من حيث الشكل؛ فهو تدين حجب عنه نور الرسالة المحمدية التي كانت دعوة للعلم والمعرفة والإعلاء من قيمة الحياة بدل الموت.

من التعسف المنهجي أن يختزل الإسلام في جزء من تاريخه؛ أو في مساحات من التاريخ تتصف بخصوصيات محددة تبعا لظروف خاصة بأهلها؛ في هجر وإعراض عن فهم المغزى من القرآن كرسالة وكتوجيه وهداية نحو الخير الذي ينبغي أن يعم الناس جميعا بمعزل عن انتماءاتهم الدينية والثقافية والمذهبية

فنحن اليوم في أمس الحاجة لبلورة أطر منهجية في فهم وتأويل القرآن الكريم  طمعا في بسط إسلام ينسجم مع روح العصر ويستجيب لمقتضيات الزمن الراهن. وأهم مطلب يجب للإسلام المعاصر أن يأخذ به هو الخروج من كل قوالب التمذهب والطائفية وما شابه ذلك؛ وذلك بإحداث قطائع معرفية تتصف بالوصل والفصل في الوقت ذاته؛ في التعاطي مع فهم مقتضيات الثقافة الإسلامية في جانبها الفقهي والكلامي والمذهبي… وفي الوقت ذاته  فنحن في حاجة إلى قراءة وتأويل المنظومة القيمية والأخلاقية للقرآن الكريم تبعا لمقتضيات الزمن المعرفي اليوم؛ وهذه مهمة الباحثين والمختصين في مختلف العلوم الإنسانية في علاقتهم ونظرتهم للثقافة الإسلامية من جهة وللثقافة المعاصرة من جهة أخرى. ببساطة نحن اليوم في حاجة لنحيا بالإسلام ونفهمه تبعا لروح العصر؛ بدلاً عن العصور التي ولت وانتهت وتحولت إلى تراث؛ فالتراث ينبغي أن نكون فاعلين فيه بدل أن نستسلم له ونقدسه ونفسح له المجال ليحدد لنا طبيعة وكيفية ما نقبل عليه.

تبعا لكلامك؛ كيف للمسلم اليوم أن يعبر عن انتمائه الاسلامي والاجتماعي بحكم الولادة والمحيط تبعا لما هو خصوصي ومحلي؛ وفي الوقت ذاته يعبر عن انتمائه الكوني؛ بعبارة ثانية، هل لك ان توضح لنا أكثر كيف للمسلم اليوم أن يوفق بين ما هو محلي وخصوصي وما هو كوني؟

 حقيقة الأمر لا يمكن الحديث عن ما هو كوني إلا من خلال ما هو خصوصي ومحلي؛ فالمحلي المتنوع والمتعدد بطبعه يكون من وراء ما هو كوني؛ ويمكن لأنماط متنوعة ومتعددة من ما هو محلي تبعا لسياقات ثقافية أو جغرافية أو دينية أن تشكل قطاعا محليا موحدا؛ كما هو الأمر بالنسبة للثقافة الإسلامية فهي متعددة ومتنوعة من حيث الانتماءات الثقافية والمذهبية والعرقية… إلا أنها تعود لقالب دين الإسلام  الذي لعب دورا محوريا في صياغتها؛ وكذلك هو الأمر بالنسبة للديانة المسيحية في صلتها بالثقافات والشعوب الأوربيةفما يتصف بالمحلية والخصوصية لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن يكون قالبا ونموذجا كونيا؛ حتى ولو كان ذلك المحلي يتصف بنوع من الحضور الرمزي… فمثلا لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن نجعل من الخصوصيات الثقافية للجزيرة العربية من حيث التدين وغيره زمن النزول نموذجا كونيا؛ كما أنه لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن نجعل اليوم من الفقه المتصل بالفتوى وغير ذلك نموذجا كونيا؛ وهذه هي مشكلة الأصولية الدينية التي توظف اليوم مختلف أنواع العنف من أجل تطبيق خصوصيات محلية ضيقة باسم الدين على واقع متغير… وهي عملية تسير ضد سنن وقوانين التاريخ والاجتماع. والقرآن يذكر بهذا الأمر قال تعالى:” تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ  لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)” (البقرة)

لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن نجعل من الخصوصيات الثقافية للجزيرة العربية من حيث التدين وغيره زمن النزول نموذجا كونيا؛ كما أنه لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن نجعل اليوم من الفقه المتصل بالفتوى وغير ذلك نموذجا كونيا

فالوعي بأهمية الإقبال على المعطى الكوني؛ تبدأ بالوعي بأن الخصوصيات والمحليات لا يمكن لها بأي وجه من الوجوه أن تكون نماذج وأطر كونية؛ وهذا لا يعني القول بتخلي الناس عن خصوصياتهم وهوياتهم وانتماءاتهم؛ فلا يمكن بحال من الأحوال الحديث عن الإنسان بمعزل عن انتمائه الثقافي والحضاري؛ فالخصوصيات والهويات المتعددة؛ أمام تحدي فتح مسارات للتواصل والتعارف بينها وبين مختلف الخصوصيات الأخرى وبهذا الشكل يحضر الكوني؛ المسلمون اليوم تبعا لانتماءاتهم المذهبية وغيرها مطالبون بفتح قنوات للتواصل فيما بينهم من جهة وبين سياقات الثقافة المعاصرة اليوم.

المسلمون اليوم تبعا لانتماءاتهم المذهبية وغيرها مطالبون بفتح قنوات للتواصل فيما بينهم من جهة وبين سياقات الثقافة المعاصرة اليوم

في القرن السابع الميلادي كان العرب حينها متمركزين حول خصوصياتهم الضيقة؛ ولا يتوصلون مع العالم إلا من خلال خصوصيتهم العربية المفرطة في التمركز حول ذاتها؛ إلى درجة أن الخروج عنها صار مستحيلا؛ القرآن الكريم كان له دور محوري في إخراج العرب ومن دار في فلكهم من ذلك التمركز الثقافي والدوران حول الذات؛ وذلك بفتح مسالك للتواصل مع مختلف الثقافات من خلال بسط قيمة التعارف إذ جعل منه قيمة تدور في فلك قيمة التقوى؛ والتقوى لا تفارق مسار المصلحة العامة وجلب الخير لكل الناس جميعا بمعزل عن خصوصياتهم الثقافية أو الدينية أو العرقية؛ قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)” (الحجرات) ففي تقديرنا أن هذه الآية تدور في مدار السنن الكامنة في الاجتماع الإنساني من حيث القيمة الإنسانية التي تعني الناس جميعا. ولكن مع الأسف اليوم؛ السياق الثقافي والديني والسياسي.. في العالم الإسلامي؛ بشكل عام وفي العالم العربي بشكل خاص؛ متمركز عموماً حول خصوصيات وأنماط ثقافية تتصل بالماضي بدل الحاضر. صحيح أن هناك العديد من محاولات تغليب الكوني على المحلي، ولكنها لم يكتب لها أن تكون رائدة على مستوى واسع وعام حتى الوقت الحاضر.

العالم الإسلامي؛ بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص؛ متمركز حول خصوصيات وأنماط ثقافية تتصل بالماضي بدل الحاضر. هناك العديد من محاولات تغليب الكوني على المحلي ولكن لم يكتب لها أن تكون رائدة على مستوى واسع وعام حتى الوقت الحاضر

وأشير هنا أيضاً أن إشكالية الكوني والمحلي اليوم تتصل بعلاقة الحضارة الغربية في صلتها بمختلف الحضارات؛ فالغرب ينطلق من خصوصيات تتصل بالمركزية الغربية على حساب الخصوصيات الثقافية للشعوب الأخرى؛ وقد سوق لنموذجه في الثقافة وفي كل شيء على أنه نموذج عالمي؛ والأمر ليس كذلك؛ فالقول بالعولمة لا يعني الكونية؛ فالعولمة في بعض من تجلياتها تعني تعميم نموذج واحد للتفكير وللحضارة وللثقافة… فالعولمة بمثابة عولبة للعالم.  

صابر مولاي احمد

كيف أثرت السياسة على الدين وتلاعبت به لتحقيق مصالح فردية او جماعية وكيف يمكن ان يساعد هذا الوعي، أقصد تلاعب السياسة بالدين، على تخفيف غلواء المذهبية الدينية؟

 من البديهي جدا أن نجد آثار ما هو سياسي وثقافي واجتماعي…  حاضر من وراء تشكل الكثير من القضايا التي تتصل بالثقافة العربية الإسلامية فالفعل الثقافي والديني لا يتشكل في فراغ؛ فالتحدي هو كيف يمكن فهم ذلك والإحاطة به علميا؛ فمثلا يصعب أن نعزل فهم ظهور الفرق الإسلامية في الثقافة الإسلامية عن طبيعة ما هو سياسي وكذلك تطور المذاهب الدينية ما هو سياسي بطبعه هو أمر واقعي في أغلب الأحيان؛ وبإمكاننا التمييز بين دور السياسة عندما يكون لها دور تعسفي ومستبد تبعا لخلفيات معينة؛ في فرض وتغليب نظرة أو مذهب أو طائفة على أخرى وغير ذلك؛ وبين السياسة المتصلة بواقع الناس من حيث تراضيهم وتواضعهم على أمر ما يدور في دائرة التدبير المصلحي لأمور الناس؛ فمشكلة الكثير من الناس اليوم ترتبط بنظرتهم للكثير من الأمور الفقهية والمذهبية بمعزل عن الخلفيات السياسية و الثقافية التي صاحبتها أو التي تكمن من ورائها؛ وبهذا تبدو في عينهم ما تقول به مذاهبهم ومدارسهم الفقهية … بأنها أمور مكتملة ومنزهة بل أنها مقدسة ولا تحتمل الخطأ أو النقص بالنظر للمذهبيات والمدارس الأخرى … بهذه النظرة يكون للسياسة التي تتصل بما هو مذهبي وطائفي… ولا تحتكم للعلمية والموضوعية… ولا تتصف بالمشروعية… الدور الأساسي والفاعل في توظيف ما هو طائفي لصالح هذا الطرف أو ذاك… فالسياسة كتدبير لأمور الناس الخاصة والعامة ذات أهداف نبيلة و ليست دائما تدور في فلك التلاعب بأمر الدين لمصلحة فرد أو جماعة معينة؛ بل أن السياسة أحيانا يكون لها دور فعال في إقامة أمر الدين  تبعا لمنهج ورؤية تسمح بالتعددية الدينية والمذهبية بإقامة حرية المعتقد التي يقول بها الدين نفسه؛ فالدين ينبغي أن لا يستبد بأمر السياسة وفي الوقت ذاته السياسة ينبغي أن لا تستبد بأمر الدين؛ وهذا لا يتأتى لمجتمع ما إلا بعد أن تتسع فيه روح وثقافة الحوار المتصلة بالنقد والتحليل والنظر والفلسفة والعلم والإيمان بأن التنوع والاختلاف قيمة تتصل بالوجود؛ فنحن اليوم في حاجة لبسط هذه القيم في العالم الإسلامي من جديد؛ وذلك بالعمل على الخروج من الأنساق المغلقة واستبدالها بأنساق مفتوحة في الفهم والتحليل والنظر حينها سيصلح أمر الساسة وأمر المجتمع؛ فالمدخل الثقافي مدخل مهم وضروري جدا في عملية الإصلاح.

ما أهمية الدراسات القرآنية والدينية التي تهدف لقراءة القرآن الكريم تبعا لمقتضيات الزمن الحاضر طمعا منها في المساهمة في حل معضلة التشدد والجمود الفكري؟

العناية بالدرس القرآني من حيث القراءة والنظر والتحليل والتأويل والفهم؛ بتوظيف مختلف المناهج المعرفية المعاصرة اليوم والتي تتصل بعلم اللغة كما هو اليوم، وبتوظيف مختلف المناهج المتصلة بالعلوم الإنسانية؛ أمر مهم جدا وفي غاية الأهمية القصوى؛ بهدف بسط رؤى ومقاربات تتصل  بزماننا وتتصل بالفلسفة والفكر الذي يظللنا اليوم على اعتبار أن الدين في جوهره وفي مداراته الكبرى لا يتعارض على الإطلاق مع الفلسفة كقيمة عقلانية؛ فالدين والتدين عندما ينفصل عن العقل والروح يموت ويكون ذلك أحيانا سببا في موت الإنسان كما هو حال الأصولية الدينية اليوم في العالم العربي بشكل خاص؛ كذلك الفلسفة عندما تنقطع عن العقل فهي تموت ولم تعد فلسفة بأي وجه من الوجوه.

ونذكر هنا بأن القرآن الكريم في العديد من المواضع يدفع في اتجاه العقل والعقلانية بالأخذ بالقراءة العلمية في فهم الوقائع والأحداث والظواهر… وقد دعا إلى القطيعة مع الفهم الأبوي الموروث الذي يرفع شعار “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”. القرآن في مقابل ذلك رفع شعار “اقرأ”، والقراءة هنا فعل متجدد ومتحول من حسن إلى أحسن في تتبع الظواهر المتصلة بحياة الإنسان والظواهر والأشياء… فموضوع القراءة هنا محدد؛سلفا؛ إنها قراءة في مجال وعالم الخلق اللامتناهي الأطراف؛ فمفردة “الخلق” مفردة تشمل كل الكائنات والموجودات قال تعالى: “ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)“(العلق)؛ فبفعل السير في الأرض المصحوب بالنظر والقراءة، سنقترب من القوانين والسنن التي ينبني عليها الوجود، قال تعالى: “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ(20)“(العنكبوت)؛ فالمسألة هنا بدرجة أولى هي مسألة علم ومعرفة؛ فالإنسان هو الذي يحدد العائد المعرفي بعد القراءة والنظر؛ تبعا للأرضية المعرفية التي تظلل كلّ زمن. أخيرا أقول بأن القراءة العلمية بديلا عن القراءة الايدلوجية والطائفية أحيانا في التعاطي مع القرآن الكريم سيكون لها دور فعال ومهم جدا في الخروج من ما هو ضيق وطائفي ومذهبي إلى ما هو مفتوح وإنساني وكوني.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى