منوعات

بين الزينة والعلاج.. قصص مثيرة حول استخدامات الخرز بالأردن وفلسطين

لم يقتصر استعمال الخرز قديما على الزينة والادخار، بل كانت لديه وظيفة أخرى تتصل بالعلاج والطبابة التي يعتقد مستعملوها أن الخرز ينطوي على أسرار وطاقة للشفاء.
وكان الإنسان يعتقد أن سبب الأمراض قوى شريرة تريد له الشر، فيتم العلاج بالتمائم والتعاويذ والحجب والعظام والخرز التي عرفت بوادي الرافدين ووادي النيل وعند اليونان ودول حوض البحر المتوسط وعند الهنود الحمر.
ويقول سيرل الدريد في كتابه مجوهرات الفراعنة إن الحلي التي استعملت في مصر القديمة للزينة كانت تستعمل رقية وتعويذة للوقاية من القوى الخفية والأمراض ثم تحولت للزينة.

دور وقائي وعلاجي
عرف مجتمع الطب الشعبي نوعين من العلاج بواسطة خرز: وقائي -اعتمدها اليونسكو كجزء من التراث العالمي-ويقوم على الحماية والرقية وجلب الحظ وطرد الفأل السيئ مثل خرز الكهرمان للأمان، وعين النمر للشجاعة والإقدام، والسملك لإفشاء الود والمحبة بين الزوجين، والخرزة الزرقاء لرد الحسد.

ويستخدم النوع الثاني من الخرز للعلاج البيولوجي مثل السعال وأمراض العيون وأمراض الأطفال والنساء. وهناك قسم الطب الشعبي الأمراض إلى بيولوجية تتصل بالجسد وأخرى سيكولوجية تتصل بالنفس، ويردونها إلى الجن والقوى الخفية التي تريد بالإنسان الشر.

 هناك معتقدات بقدرة الخرز على علاج الأمراض المستعصية والنادرة (الجزيرة)
هناك معتقدات بقدرة الخرز على علاج الأمراض المستعصية والنادرة (الجزيرة)

وما يزال الناس في المجتمعات الريفية والبدوية العربية ومنها الأردن وفلسطين، يعتمدون على العلاج بالخرز وخصوصا للأمراض المستعصية وغير معروفة الأسباب.

ويعد هذا النوع من الخرز النادر نفيسا ولا يقدر بثمن بالنسبة لمستعمليه وكنزا ثمينا لمن يقتنيه ويورث من السلف للخلف، كما الذهب والحجارة الكريمة. وبعضه وجد في المقابر القديمة أو المغائر الأثرية، وتنتشر حوله الأساطير والخرافات لأنه كما يقال “مسكن الأرواح في الحضارة النبطية” بحسب الروائي هاشم غرايبة.

تأثير اللون بحسب الثقافة
يوجد العديد من أنواع الخرز الذي يختلف بمادته التي تعود للحجر أو العظام، ويتراوح لونه بين الأحمر والأخضر والأبيض والأزرق، وحجمه بين الصغير والكبير والمربع والكروي والأنبوبي، ولكل واحدة من تلك الخرزات طريقة للاستعمال الطبي ووصفة للعلاج تعرفها النساء المسنات.

ويقول د. عمر الغول المتخصص باللغات الشرقية القديمة مدرس الإنثروبولوجيا (علم الإنسان) بجامعة اليرموك في الأردن: إن الإنسان القديم كان يعتقد أن للحجارة المختلفة في شكلها وألوانها قدرات خاصة مرتبطة بالسح، وإن علاقتها بالشفاء غير صحيحة لأن الألوان ناتجة عن تركيب كيميائي ليس له علاقة بالشفاء.

وتوجد الكثير من أنواع الخرز الذي يستعمل للزينة وجلب الحظ، ومنها الأحجار الكريمة، وأنواع من الخرز الذي يستعمل للعلاج الشعبي التي منها خرزة “الكباسة” وهي متعددة الألوان ومنها الأحمر المائل للبني أو الأزرق أو الأخضر المسود وحجمها نحو سنتيمتر مربع، وتستعمل عند تأخر الإنجاب وآلام الظهر والبطن عند المرأة.

ويفسر الألم بتعرض النساء خلال النفاس لزيارة امرأة ترتدي الذهب الذي يقال إنه أسهل المعادن لدخول الجن، وتتم المعالجة بجمع سبع خرزات وخاتم فضة، والاغتسال ثلاث مرات والقول (يا كباس فك الحباس) وتخرج دون الالتفات وراءها.

وتقول يسرى عبد الله (ربة بيت) “مكثت نحو سبع سنين لم يطعمني الله الخلفة واغتسلت بخرز الكباسة والحمد لله ربنا أعطاني الخلفة” غير أنها ترفض التعليق على دور الخرز وتكتفي بالقول “الله الشافي والعاطي”.

كما تستعمل خرزة الكباسة لحديث الولادة الذي تظهر عليه علامات الهزال فيقال “طفل مكبوس” وتقول الحاجة الفلسطينية لبيبة (80 عاما) إن الخرزة تنقع مساء مع قطعة من الذهب ويتم غسل الطفل صباحا من قبل مسنة.

خرزة “اليشب” أو العين أو الرمد لونها أحمر بحجم حبة الحمص، وتستعمل للرمد الربيعي واحمرار العين، وتقول أم راكان (79 سنة) إنها تلصق في شعر الطفل وتتدلى فوق الحاجب لثلاثة أيام ويشفى بعدها.

ومن الخرز الذي يستعمل للعلاج خرزة “الرعاف” أو نزف الأنف، ذات لون أحمر وشكل كروي، وتعلق برقبة المصاب، ومثلها خرزة النزف التي تصيب النساء (لونها أبيض موشى بعروق حمراء) وتعلق في حزام على خصر المرأة، وخرز الميسر بوضع المسبحة على بطن الموجوع بمرافقة الأدعية بالشفاء.

وخرزة “أم الحلوق” أو بنات الأذن، لونها أصفر موشى بالأبيض، ويقول غرايبة “كانت والدتي حينما تلتهب لوزتي تعلق في رقبتي خرزة بيضاوية الشكل لعلاج ألم الحلق”. وتقول الباحثة ربيعة العظامات إن من العادة أن المرأة التي تستعير “أم الحلوق” عليها حين إرجاعها لصاحبتها أن “تنقطها” تهديها خرزة ثانية حتى لو لم تكن للعلاج تكريما لها.

 خرزة أم حلوق (الجزيرة)
خرزة أم حلوق (الجزيرة)

وتستعمل خرزة “أم الحنشان” -وهي كروية مرسوم عليها أربع أفاعٍ وموز مختلفة- لعلاج لدغة العقرب أو الأفعى، بنقع الخرزة في الحليب ثم يسقى للمصاب.

أساطير وحكايات
ومن الأساطير المتداولة عند النساء في الصفاوي بالبادية الأردنية الشمالية “عند رؤية اثنين من ذكور الأفاعي يتصارعان فإن ذلك يعني أن الخرزة في فم أحدهما، وما على الشخص سوى خلع ملابسه وإلقائها عليهما مقلوبة فيتركان الخرزة ويهربان”.

ومن أنواع الخرز أيضا ما يستعمل لتمتين المحبة، ومنه خرزة العسل التي تشبه لون العسل، وأخرى تسمى “السملك” ويقال “اللي معها سملك غيرها ما يملك” ولونها يميل للبيج موشى بالبني، وتعقد في رقبة المرأة.

هذه المعتقدات ينفيها الطب ويعدها من الخرافات التي عششت في عقول الناس منذ القدم ضمن ثقافة المثل الشعبي الذي يقول “آمن بالحجر يشفيك”. ويرى محمد قعقور طبيب القلب: هذه أساطير موجودة عند القبائل البدائية، وهي ظاهرة ثقافية أكثر منها علمية “وليس لدي دراسات تؤكد أن الخرز يعالج أمراضا معينة، ولا أعتقد من الناحية العلمية والطبية صحة ذلك”.

ويقول الروائي هشام غرايبة إن الشفاء يتم بقناعة الناس في الوسيلة، وربما لا يخالف العلم لأن الأمر يتعلق بالجانب النفسي وهو جزء كبير من الشفاء، وربما هي المدة الزمنية التي يستغرقها العلاج فيشفى المريض، ويعتقد الناس أن الخرز سبب ذلك.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى