فرنسا

الرئيس الفرنسي.. طموح للزعامة الاوروبية الامبريالية وتحديات كبيرة تهز عرش الاليزيه

من مريم الزنكي (تحليل)

باريس – 3 – 12 (كونا) — يطمح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لإعادة النفوذ والقوة الفرنسية على الساحة الدولية واستعادة الدور المحوري في الشرق الاوسط وشمال افريقيا الا ان سعيه للزعامة يصطدم بتحديات كبيرة.
فمنذ وصول ماكرون إلى الإليزيه في مايو 2017 وضع نصب عينيه هدف القيادة الاوروبية منافسا للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تولت دور القيادة في أوروبا لسنوات ولا أحد كان ينازعها في ذلك.
وسطع نجم ماكرون في الافق كونه الشاب الطموح الذي يتمتع بالشخصية الكاريزمية حاملا مبدأ أن كل القضايا في العالم تهم فرنسا.
ولكن هذا الطموح قوبل بصدامات شديدة اللهجة وتراشق بالتصريحات مما وتر الاجواء في سماء باريس فبعد ان وصفته تركيا ب”الديك الصياح” عاد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بتصريحات جديدة وصف خلالها سيد الاليزيه ب”الميت دماغيا”.
وجاء هذا الهجوم التركي على خلفية انتقاد ماكرون للتدخل العسكري التركي في سوريا مستعيرا العبارة التي استخدمها الرئيس الفرنسي اخيرا لوصف حلف شمال الأطلسي (ناتو) بالميت دماغيا.
واسفرت تلك التصريحات التي وصفت ب”المهينة” عن بوادر ازمة دبلوماسية بين البلدين بعد استدعاء السفير التركي لدى باريس للحصول على تفسيرات.
وفيما يتعلق بالشأن الامريكي فقد اثارت تصريحات ماكرون وانتقاده للقيادة الأمريكية صدمة في حلف (ناتو) لتخيم عليه الخلافات والتوتر قبيل انطلاق القمة في لندن غدا الاربعاء.
وفي اطار محاولات الرئيس الفرنسي بأن يجعل تأثيره الدولي كبيرا وحاسما راهن منذ توليه عرش الاليزيه على الملف النووي الايراني.
وسعت فرنسا بكل قواها لإنقاذ الاتفاق النووي الايراني في تحد صريح للإدارة الامريكية الا انها أخفقت في الوفاء بالعائدات التجارية والاستثمارية التي وعدت بها إيران ولم تستطع حماية طهران من تجديد العقوبات الأمريكية.
ورغم كل الجهود التي بذلها الفرنسيون والتي اصطدمت بمواقف أمريكية الا ان العلاقات ليست جيدة كما يبدو لاسيما بعد اعتقال السلطات الإيرانية أحد الباحثين الفرنسيين وهو رولان مارشال وزوجته الباحثة الإيرانية فاريبا عادل خان.
وتتعامل السلطات الايرانية بحذر مع الموقف الفرنسي الذي تراه “متذبذبا” في محاولاته التوفيق بين مواقف متضاربة.
وفيما يتعلق باستراتيجية ماكرون تجاه الجزائر يسعى الرئيس الفرنسي لإيجاد توازن بين المطالب الجزائرية التي تتعلق بضرورة تصفية ملف (الذاكرة) حيث تطالب الجزائر باعتذار فرنسي رسمي عن “الجرائم” التي ارتبكت أثناء الاحتلال الفرنسي وهو ما ترفضه باريس وبين ضرورة تكثيف التعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي والعلمي بينهما.
فبعد ثمانية أشهر على توليه رئاسة فرنسا زار ماكرون الجزائر ليؤكد انه لا يريد أن يبقى حبيس الماضي وإنما يريد بناء علاقات صلبة مع بلد في غاية الأهمية وشريكا أساسيا سواء تعلق الأمر بمحاربة الاٍرهاب أو الهجرة غير الشرعية. واشار ماكرون مرارا في حملته الانتخابية الى “ما حدث خلال فترة الاستعمار والذي يمكن أن يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية”.
واثارت تلك التصريحات حينها زوبعة في فرنسا وتفاؤلا في الجزائر ليكون الرئيس الشاب “صديقا لهم”.
الا ان مسألة (الذاكرة) تخضع لتوازنات داخل السلطة سواء في الجزائر أو في فرنسا وهي مسألة شائكة لا يمكن لماكرون أن يبت فيها لوحده.
واربك الحراك الشعبي الجزائري حسابات فرنسا التي باتت تصارع لإنقاذ نفوذها التقليدي في البلاد بعد أن اصبح الحراك الشعبي يهدد مصالحها الحيوية القديمة.
ورفع الحراك الشعبي منذ بداياته الأولى شعارات ترفض تدخل فرنسا في الشأن الجزائري كما تأخذ العلاقات التاريخية حيزا مركزيا في الخطاب الانتخابي للمرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في 12 ديسمبر الجاري.
وعلى صعيد متصل وفيما يتعلق بالشأن اللبناني فإنه مع التحرك الشعبي الكبير المستمر منذ اكثر من شهر ظهر الموقف الفرنسي الرسمي خجولا ومغايرا عن المواقف السابقة.
وتتعاطى الرئاسة الفرنسية مع الأوضاع اللبنانية بشكل مختلف يضرب على وتر تأليف الحكومة وليس على إيقاع التظاهرات.
وترى فرنسا ان الأوضاع اللبنانية لم تعد تحتمل ويجب تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بتشكيل الحكومة “وإلا فستكون الحكومة العسكرية الخيار الوحيد الممكن”.
هكذا يعيش الواقع السياسي الفرنسي الراهن اذ تبدو فرنسا وكأنها في خضم تدافع دولي للانخراط أكثر نحو بسط نفوذها في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. (النهاية) م ج ز / ط م ا

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى