صحة وغذاءصوت و صورةكتاب وآراء

عن فيروس كورونا بين السياسة والعلم

محمد صالح فتيح*

ما فائدة اعتزال التجمعات للتخفيف من خطر فيروس كورونا؟ القول بأن تخفيف التجمعات يخفف انتشار الفيروس هو أمر صحيح، ولكنه لا يقضي على الوباء ولا يمنع عودته.

من الناحية العلمية، خطورة فيروس كورونا هي سهولة انتشاره عبر الهواء، ولمسافة عدة أمتار، كما ظهر في بعض الحالات، وكذلك بقاؤه على الأسطح التي يقع عليها (24 ساعة للورق والكرتون و2 إلى 3 أيام بالنسبة للبلاستيك والستانلس ستيل). مما يجعله شبيهاً بوباء الإنفلونزا الإسبانية التي ظهرت منذ مئة عام تقريباً وقتلت ملايين البشر. انتهت الإنفلونزا الإسبانية بعدما بات هناك مناعة ضدها. كبير المستشارين العلميين في بريطانيا، السير باتريك فالانس، شدد على ضرورة الاستمرار بوتيرة الحياة الحالية والاكتفاء بمعايير الوقاية وذلك لتطوير مناعة جماعية herd immunity.

البروفيسور بيتر بايوت، الذي كان من اكتشف فيروس إيبولا ويعتبر من أهم الإخصائين في العالم في مجال الأوبئة الفيروسية يقول أنه من المتوقع أن يكون هناك موجة ثانية من فيروس كورونا خريف العام الحالي وذلك لأن الوقت لا يكفي لتطوير لقاح. ومع اتساع ممارسة العزل الذاتي لن تكون هناك فرصة لتطور المناعة الجماعية. وبمجرد العودة لممارسة الحياة الطبيعية سيعود الفيروس، وهذا ما يخشى حصوله في الصين. احتمال تكرار انتشار موجة الفيروس يشبه أيضاً ما حصل مع وباء الإنفلونزا الإسبانية التي كانت الموجة الثانية فيها هي الأقسى من حيث عدد الوفيات.

تطوير المناعة الجماعية يعني بطبيعة الحال حصول وفيات وستكون الوفيات في أعلى نسبها لدى الكبار في السن. آخر التقديرات لنسب الوفيات، وأدقها، جاءت من كوريا الجنوبية التي تنفذ واحدة من أوسع حملات الكشف عن الفيروس وخلصت إلى أن نسبة الوفيات هي إجمالاً 0.7%، سبعة بالألف، وتكاد تصل إلى الصفر لمن هم تحت العاشرة، وتبقى عند 0.2 لمن هم بين العاشرة وبين الأربعين من عمرهم، فيما تقفز لمن هم فوق الخامسة والستين إلى حوالي 14%. تحول أوروبا حالياً إلى مركز لانتشار الفيروس يعود لشيخوخة الشعوب الأوروبية. وكون إيطاليا صاحبة السجل الأسوأ في انتشار الفيروس يعود لكونها أيضاً صاحبة النسبة الأعلى من المسنين في أوروبا. فنسبة من هم فوق الخامسة والستين في إيطاليا هي 25%.

من الناحية السياسية لا توجد حكومة في العالم تستطيع تطبيق الحل العلمي، أي الانتظار حتى تتطور المناعة الجماعية، ولهذا هناك نزعة متسارعة لإغلاق المدارس والجامعات وإلغاء التجمعات العامة. في حالة الدول الغربية الشائخة، التبعات السياسية ولاقتصادية لمثل هذا القرار تبقى أقل بكثير من تبعات تعرض 15% مثلاً من الكبار في السن لخطر الوفاة. بعيداً عن الحكومات، وفيما يخصنا كأفراد، تبقى إجراءات الوقاية الفردية هي الحل الوحيد للأشهر المقبلة، وربما للعام أو العامين المقبلين، وممارسة نوع من الاعتزال للكبار في السن.

مقابلة البروفيسور بيتر بايوت
https://www.thetimes.co.uk/article/coronavirus-will-peak-at-easter-but-it-could-be-back-in-november-qjqjmn307

مقالة عن كبير المستشارين العلميين البريطانيين
https://www.theguardian.com/world/2020/mar/13/coronavirus-science-chief-defends-uk-measures-criticism-herd-immunity

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى