بريطانيا

تسريب يهز “العمال البريطاني”.. هذه تفاصيل تآمر قيادات في الحزب للإطاحة بكوربن

اهتز حزب العمال البريطاني على وقع تسريب تقرير سري مثير للجدل يظهر أن سقوط زعيم الحزب السابق جيرمي كوربن في الانتخابات، وتنحيته من القيادة لم يكونا بسبب هزيمته الانتخابية الأخيرة فقط، وإنما بسبب المؤامرات الداخلية التي حيكت ضد الرجل منذ تسلمه دفة قيادة العمال، والتي كانت تهدف كلها للإطاحة به وبأي ثمن.

التقرير الذي تم تسريبه للصحافة من جهة مجهولة لا يحمل أي توقيع من أي جهة مسؤولة في الحزب، وتم الانتهاء من صياغة صفحاته الـ800 قبل أشهر قليلة فقط من تنحي كوربن عن رئاسة الحزب، وهو صادر كملحق للتحقيق الذي قامت به لجنة حقوق الإنسان والمساواة بشأن جهود الحزب وقيادته في محاربة معاداة السامية.

ويحمل التقرير صك براءة لجيرمي كوربن من تهمة معاداة السامية، حيث تؤكد اللجنة أنها لم تجد أي دليل على أن زعيم الحزب كان معاديا للسامية أو يشجع على سلوك مشابه، مشيرة إلى أن الشكاوى المقدمة في هذا الموضوع كان يتم التعامل معها مثلما يتم التعامل مع باقي الشكاوى التي تتطلب التحقيق.

وبمجرد تسريب هذا التقرير كثرت الأسئلة عن السبب الذي يجعل وثيقة مهمة تبقى حبيسة الرفوف ولا يتم الإعلان عنها لدفع التهم عن جيرمي كوربن، خصوصا في الانتخابات الأخيرة التي شهدت حملة غير مسبوقة ضده بشأن معاداة السامية.

وربما توجد الأجوبة عن هذه الأسئلة بين دفتي التقرير نفسه الذي أكد أن قيادات في الحزب كانت تفضل خسارة الانتخابات على أن ترى كوربن زعيما للحزب، بل وسعت بكل ما أوتيت من قوة لإفشال الحملة الانتخابية للعمال، وينقل التقرير محادثات بين قادة في الحزب تؤكد أن أي شيء سيئ يحصل للحزب هو أمر مفرح لهم، لأنه يعجل برحيل كوربن.

مؤامرة ممنهجة
ويتضمن التقرير المسرب العديد من رسائل عبر تطبيق واتساب بين عدد من القادة الكبار في الحزب المعروفين بعدائهم لجيرمي كوربن، وتظهر هذه الرسائل أنهم قاموا بعمل ممنهج من أجل أن يخسر الحزب في انتخابات 2017، وكانوا يراهنون على تحقيق الحزب لنتائج سلبية للانقلاب عليه، وعندما بدأت نتائج تلك الانتخابات تظهر -والتي كانت في صالح كوربن- عبر الكثير منهم عن غضبهم، لأن كل جهودهم ذهبت أدراج الرياح.

وتظهر الرسائل عبر البريد الإلكتروني أن محاولات إفشال الحملة الانتخابية للعمال سنة 2017 كانت حتى داخل المقر الرئيسي للحزب، حيث تعمد عدد من العاملين في الحملة عدم القيام بأي مجهود يذكر للمساعدة في حملة الحزب “حيث يصلون للمقر المركزي ولا يؤدون أي مهمة وذلك لأشهر”، وفقا لما ورد في التقرير.

ويؤكد التقرير كذلك أن الأموال المعدة للحملة كانت تخصص للشخصيات المعادية لجيرمي كوربن والمحسوبة على الجناح اليميني داخل العمال، إضافة إلى “تعمد عدم إيصال المعلومات الصحيحة لقيادة الحزب”.

ووصلت درجة التواطؤ أن بعض العاملين في المقر الرئيسي المكلفين بمهمة التنسيق في الحملة الانتخابية أنشؤوا “غرفة للدردشة بينهم لإظهار أنهم يشتغلون بينما كان كل ما يقومون به هو المحادثات العامة فيما بينهم”.

ويكشف التقرير أن مسؤولا رفيعا في الحزب بعث رسالة إلى عدد من المقربين منه يقول إن النتائج التي منحت العمال القدرة على كسر أغلبية المحافظين سنة 2017 “لم تكن هي ما يسعى له منذ سنتين”، مما يشي بأن العمل على إفشال الحزب انتخابيا وعبره إسقاط كوربن كان يتم العمل عليه منذ سنوات.

وتجزم الوثيقة أن الموارد المالية للحزب والقادمة من الأعضاء كانت تخصص في جزء كبير منها لجهود الإطاحة بكوربن والصراع ضده، بل وفي بعض الأحيان كان يتم إنفاقها ضد مصالح الحزب، وكان المهم فقط هو ضرب جيرمي كوربن ومعسكره.

ويقدم التقرير تفسيرا للجدل الذي أثير بشأن معاداة السامية واتهام كوربن بأنه يتستر عليها ولا يتحرك للقضاء عليها، فالتحقيقات التي يتم فتحها كانت تتم عرقلتها من طرف جهات مسؤولة في الحزب وذلك بشكل متعمد حتى تصل لنهايتها، وكان يتم إخفاء العديد من المعلومات بشأن هذه التحقيقات عن مكتب زعيم الحزب.

والغرض من هذه الممارسات هو أن يظهر في الأخير أن الحزب لا يقوم باللازم لمواجهة هذه الظاهرة، وأيضا حتى يبدو كوربن وكأنه يحمي من يعادي السامية، وصولا للانتخابات الأخيرة التي تم فيها اللعب كثيرا على هذا الموضوع، والتي كانت سببا في استنزاف كوربن ومعسكره في معركة الدفاع عن أنفسهم عوض التركيز على الحملة الانتخابية.

وتؤكد منى إسحاق مرشحة حزب العمال في منطقة كينزينتون بوسط العاصمة لندن أن التقرير الذي تم تسريبه يظهر حالة الاستقطاب الحادة التي عاشها الحزب منذ وصول جيرمي كوربن، والصراع مع ما يسمى معسكر توني بلير، خصوصا أن كوربن كان قد توعد بطرد المئات منهم.

وترى منى إسحاق في حديثها مع الجزيرة نت أن كوربن دفع ثمن وضوح مواقفه من الأقليات “فمثلا بالنسبة للأقلية المسلمة كانت مسألة الوصول إلى مناصب تمثيلية من قبيل الحلم، ففي عهد توني بلير كان أقصى ما يقدمه لنا هو التطوع فقط”.

لكن يبقى الملف الذي جعل كوربن في قلب معركة لا هوادة فيها هو الملف الفلسطيني وموقفه المساند للقضية “فرفع كوربن للعلم الفلسطيني في المؤتمر العام للحزب أدخله في معركة مع “لوبي” قوي داخل الحزب وخارجه وهو لم يكن مستعدا لهذه المعركة، الأمر الذي أدى لخسارته في النهاية”.

وتعتبر ممثلة الحزب في المجلس المحلي لواحدة من أكبر مناطق لندن أن تسريب التقرير هو استمرار لحالة الاستقطاب داخل العمال “وهي الحالة التي يحاول الزعيم الجديد تجاوزها، لأننا في حاجة للهدوء داخل الحزب وإلا سنضيع أكثر في متاهة صراعات لا تنتهي”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى