إقتصادالكويت

كورونا “يخنق” قطاع الصرافة بالكويت.. تحويلات الوافدين تهبط 90

منذ سنوات طويلة اعتادت لاكشمي أن تحول إلى ذويها مبلغا تتراوح قيمته بين عشرين وثلاثين دينارا (64-96 دولارا) شهريا، لكن جائحة كورونا غيرت العادة القديمة للعاملة الهندية.

قبل بدء انتشار الفيروس في الكويت، كانت لاكشمي تعمل يوميا في منزل أو اثنين لتحصل نهاية الشهر نحو 150 دينارا (481 دولارا) تدفع منها أجرة الغرفة التي تتشاركها مع عاملة منزلية أخرى من بني جلدتها، وتشتري ما تحتاجه من لوازم المأكل والمشرب وبطاقة مسبقة الدفع لشحن هاتفها وغيرها من حاجيات ضرورية.

تحاول لاكشمي جاهدة كفكفة دموعها متحدثة للجزيرة نت عن تقطع السبل بها بعد صدور قرار حكومي بمنع العاملات المنزليات -ليس الخادمات الدائمات المقيمات في منازل كفلائهن- اللواتي يتقاضين أجرا باليوم أو الساعة من العمل تحت طائلة الملاحقة القانونية في إطار الإجراءات والتدابير الهادفة إلى مكافحة انتشار كورونا في البلاد.

وبلكنة عربية مكسرة تقول المرأة الهندية التي تدفع أكثر من ثلاثمئة دينار (حوالي 963 دولارا) سنويا لأحد تجار الإقامة لتجديد إقامتها بالكويت عاما تلو الآخر “بابا أنا اليوم ما في شغل (ليس هناك عمل) يبي يعيش (أريد أن أعيش) يبي ياكل ويشرب، بس ما في فلوس، شنو سوي الحين (ماذا أعمل الآن)”.

لم تعد هذه العاملة المنهكة من شظف العيش ومرّه ومثلها الآلاف تأبه لتأمين بضعة دنانير كما كانت تفعل دوما من أجل تحويلها إلى أسرتها في بلدها الأم، وإنما بات جل اهتمامها ينصب على كيفية تحصيل قوت يومها.

 موظفو قطاع الصرافة يخشون تقليص رواتبهم أو إنهاء خدماتهم (الجزيرة نت)
موظفو قطاع الصرافة يخشون تقليص رواتبهم أو إنهاء خدماتهم

التغيرات الحياتية والاقتصادية الهائلة التي فرضها كورونا لم تقتصر على لاكشمي والعاملات المنزليات فحسب، بل يكاد يكون أثرها السلبي قد شمل غالبية الوافدين العاملين بالكويت ودول الخليج، وإن بمستويات مختلفة، فبعض الشركات لم تعطِ موظفيها بنهاية مارس/آذار الماضي سوى نصف الراتب، والبعض الآخر أجبر موظفيه على أخذ إجازة قسرية لثلاثة أشهر من دون راتب، ليجد هؤلاء أنفسهم أمام أزمة حقيقية انعكست عليهم وعلى ذويهم في بلدانهم الأصلية في وقت واحد.

قطاع الصرافة
رغم عدم شموله بقرار تعطيل الأعمال الذي تم تطبيقه قبل أكثر من شهر على غالبية المؤسسات والشركات العامة والخاصة في الكويت، فإن قطاع الصرافة يئن تحت وطأة الهبوط الحاد في تحويلات الوافدين نتيجة الظروف المستجدة.

وفي هذ السياق، يؤكد محمد أبا زيد رئيس مجلس إدارة شركة وول ستريت للصرافة أن عمليات تحويل الأموال تراجعت بنسبة تصل إلى أكثر من 90%، وعزا السبب الرئيسي إلى تعطيل الأعمال بسبب فيروس كورونا وما نتج عنه من أضرار اقتصادية شملت الشركات والأفراد على حد سواء.

ويقول في تصريح خاص للجزيرة نت “الوضع أصبح صعبا جدا، وشركات الصرافة بدأت تأكل من لحمها الحي، صمودنا قد لا يستمر أكثر من شهر وربما شهرين، فقد أثر تعليق الأعمال سلبا على الأوضاع الاقتصادية للوافدين الذين يقومون بتحويل الأموال إلى أهلهم، وهذه التحويلات مصدر إيراداتنا الأساسي والوحيد تقريبا”.

واعتبر أبا زيد أن “الحمل بات ثقيلا جدا علينا، فشركتنا لديها 11 مكتبا ونحو خمسين موظفا، وعلينا التزامات شهرية تجاه هؤلاء الموظفين، إلى جانب الإيجارات المتوجبة عليها، ناهيك عن النفقات والأعباء المادية الأخرى، فكيف سنفعل كل ذلك في وقت انخفضت فيه مداخيلنا بشكل غير مسبوق؟”.

 

ويضيف أنه في اليوم الواحد قبل الأزمة الراهنة “كنا نقوم بعمليات تحويل تقترب قيمتها الإجمالية في كافة مكاتبنا من مئتي ألف دينار (نحو 650 ألف دولار) وهامش الربح من هذه التحويلات كان جيدا جدا، أما اليوم فلا تتجاوز قيمة هذه التحويلات عتبة عشرة آلاف دينار (32 ألف دولار) في أحسن الأحوال، وبالتالي فإن خسائرنا فادحة”.

إنهاء خدمات
من ناحيته، يقول أحد موظفي الشركة الكويتية البحرينية للصيرفة -لم يرد الإفصاح عن اسمه، في تصريح خاص للجزيرة نت- إن قطاع الصرافة يمر بواحدة من أسوأ أزماته، وهو يكابد ويعاني من أجل البقاء، ولكن الأمور تبدو مستحيلة في حال طالت الأزمة أكثر من ذلك.

ويضيف “في الواقع نخشى ألا تستطيع الشركات الصمود أو أن (يتم) تخفيض أجورنا وربما إنهاء خدماتنا من أجل تقليص المصاريف لا سيما وأن إيرادات الشركة لهذا الشهر كانت مخيبة للآمال”.

واعتمدت الحكومة مطلع أبريل/نيسان الجاري عدة توصيات لمعالجة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الإجراءات الخاصة بمكافحة انتشار فيروس كورونا في الكويت.

وبحسب بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية (كونا) فقد شملت التوصيات تقديم البنوك المحلية قروضا ميسرة وطويلة الأجل للشركات والعملاء المتضررين من الأزمة الحالية.

كما شملت تقديم قروض ميسرة وطويلة الأجل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر تمويل مشترك من البنوك المحلية والصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تقديم إعفاءات حكومية للمؤسسات الاقتصادية المتضررة من بعض الرسوم الحكومية.

وبحسب جولة قامت بها الجزيرة نت على عدد من شركات الصرافة فإن الجالية الهندية -التي تعد الأكبر في البلاد- تأتي على رأس قائمة الأكثر تحويلا للأموال، تليها المصرية، ثم الفلبينية والسورية.

وتشير تقارير صحفية إلى أن حجم تحويلات العاملين الوافدين بالكويت بلغت أكثر من 13 مليار دولار بنهاية عام 2019، وهو ما دفع عددا من النواب إلى المطالبة أكثر من مرة بفرض رسوم على هذه التحويلات، غير أن هذا المقترح لم يبصر النور حتى الآن.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى