بريطانيا

يخافون الجوع قبل كورونا.. لاجئون على أبواب بريطانيا ضحايا صامتون للوباء

في الوقت الذي يحبس فيه العالم أنفاسه خوفا من وباء كورونا، هناك أشخاص أكثر ما يخيفهم الجوع وعدم العثور على الغذاء، وهذه حال اللاجئين العالقين بين فرنسا وبريطانيا في مخيم كاليه، حيث فاقم الوباء أوضاعهم المعيشية، المفتقرة أصلا لأدنى شروط العيش الكريم.

ومباشرة بعد انتشار الوباء في عدد من الدول الأوروبية، اضطر عدد من الجمعيات الخيرية لإيقاف مساعداتها للاجئين هناك، أو تقليصها في أفضل الأحوال، وتشتكي هذه الجمعيات من تراجع التبرعات التي كانت تصلها، ولم يعد المتطوعون قادرين على التوجه للمخيم بسبب إجراءات الحجر الصحي.

وهنا وقف اللاجئون في المخيم وحدهم يواجهون الجوع والحرمان وتهديد الفيروس الذي قد يفتك بهم في أي لحظة، بالنظر إلى تردي الوضع الصحي في المخيم وغياب أي متابعة طبية.

وفي الوضع العادي، كان يتواجد دائما نحو مئة متطوع بين منطقتي كاليه ودانكورك (بين فرنسا وبريطانيا) لمساعدة النازحين، وتوفير الحاجات الأساسية لهم، لكن الوضع تغير تماما بعد كورونا، بوجود عدد قليل من المتطوعين في الصف الأمامي لإغاثة سكان المخيم، الذين يبذلون أقصى جهودهم لدعم 1500 شخص عالقين بين مناطق مختلفة في كاليه.

 مخيم كاليه ظل وجهة للكثير من المهاجرين الحالمين بالعبور إلى بريطانيا (رويترز)
مخيم كاليه ظل وجهة للكثير من المهاجرين الحالمين بالعبور إلى بريطانيا (رويترز)

الجوع ثم كورونا
يخيم شبح الخوف من الجوع على سكان مخيم كاليه، الذي لم يبق منه سوى الأطلال بعد تفكيكه من قبل السلطات الفرنسية، وتعنت السلطات البريطانية في استقبال اللاجئين من هناك، وأظهر استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة “كير فور كاليه” أن أكبر خوف لدى اللاجئين هناك هو الموت جوعا وليس الموت بسبب كورونا.

وأظهر الاستطلاع أن 12% فقط من اللاجئين يخشون من وباء كورونا، في حين عبر ما يقارب النصف عن الخوف من عدم الحصول على الحاجات الرئيسية، من أكل وماء صالح للشرب، ويزداد الضغط على بعض اللاجئين الذين يعيشون في المخيم مع أطفالهم، ويخافون عليهم من نقص الطعام أكثر من خوفهم من الإصابة بفيروس كورونا.

وهذه مخاوف مشروعة بالنظر إلى الوضع غير المسبوق الذي يعيشه اللاجئون، والذي لم يَخبروه سابقا حتى في عز اشتداد الحملة الأمنية لتفكيك المخيم، وهو ما يفاقم لديهم شعور الخوف من الأيام القادمة.

ولا يخفي الاستطلاع انعدام ثقة اللاجئين في السلطات والشرطة الفرنسية، حيث يخشى كثير منهم أن يتم نقله لمراكز العزل التي أنشأتها الدولة، والتي تم اقتياد بعض المهاجرين إليها.

وحسب المعطيات التي توصلت إليها الجزيرة نت، فإن السلطات الفرنسية قامت بتقليص المساعدات الغذائية للاجئين في المخيم بنحو النصف، كما وُضع حد معين لتزويد المخيم بالمياه الصالحة للشرب، إلا من دفعات محدودة من شحنات لا تكفي لأكثر من ألف شخص.

 سكان مخيم كاليه يعيشون أوضاعا بائسة قبل كورونا (وكالة الأنباء)
سكان مخيم كاليه يعيشون أوضاعا بائسة قبل كورونا (وكالة الأنباء)

وضع مأساوي
يصف أحمد (لاجئ من سوريا) بحرقة الوضع الذي يعيشه داخل المخيم، مؤكدا أنه خطير ويبعث الخوف، “فليس لدينا ما نسد به رمقنا، وما يصلنا في أيام متفرقة لا يكفي أبدا، حتى الماء لا يوجد لدينا ما نشربه أو نغتسل به”.

ويشرح أحمد في حديثه مع الجزيرة نت وضعهم بأنه استثنائي رغم أن الوباء فرض حالة طوارئ عالمية، “لكن وضعنا نحن في المخيم أكثر سوءا، ويزداد قتامة يوما عن يوم”.

عنصرية
أما حميد الذي قضى أكثر من سنة في المخيم، فيتحدث عن مشكلة أخرى، وهي العنصرية التي يقابلون بها من قبل السلطات، معتبرا نفسه والموجودين “منسيين”، لأن العالم منشغل بمواجهة الوباء، “ونحن ندفع الثمن مرتين: الأولى بسبب اضطرارنا للهروب من بلداننا، والثانية لأن العالم لا يلتفت لمعاناتنا.”

من جهته، أكد مؤسس منظمة “كير فور كاليه” الخيرية كلار موسلي أنه خلال كل سنوات عمله في المخيم لم يكن أكثر خوفا على أهالي المخيم من هذه الفترة الصعبة، موضحا أنه في الأيام العادية كان الأكل والماء والكثير من الخدمات التعليمية تصل للاجئين، “أما الآن فكل يوم هو معركة حقيقية حتى نتمكن من إيصال المواد الأساسية فقط”.

ويؤكد المسؤول البريطاني في حديثه مع الجزيرة نت أن فيروس كورونا لم يعد شبحا يخيم على المخيم، بل أصبح واقعا يعيشه اللاجئون ويرون نتائجه في حياتهم اليومية التي أصبحت أكثر مأساوية، معتبرا أنه في حال استمر الوضع على ما هو عليه “فحتى أولئك الذين لن يموتوا بسبب فيروس كورونا سيموتون بسبب الجوع وقلة الغذاء”.

وبأسف يتحدث مؤسس منظمة “كير فور كاليه” عن أهالي المخيم بقوله إن هؤلاء الناس “هم أمهات وآباء، وأبناء وبنات، جميعهم فروا من حروب مروعة، والاضطهاد الأسود، وكل ما نريده هو أن نوفر لهم ما يحتاجونه من أساسيات للعيش بكرامة، ولكن من دون أن تصلهم المساعدة فمن المستحيل تحقيق هذا الهدف”.

وإلى حدود كتابة هذه الأسطر تم تأكيد وجود إصابتين بفيروس كورونا داخل المخيم، إضافة إلى تسع حالات ظهرت عليها أعراض الفيروس، والمشكلة تكمن في انعدام أماكن يمكن أن يُعزل فيها المشتبه في إصابتهم؛ مما يعني احتمال نقل العدوى بين اللاجئين في المخيم، خاصة أن وسائل الحماية شبه منعدمة.

وفي ظل الظروف الحالية، فقد دقت عدد من الجمعيات العاملة في إغاثة اللاجئين ناقوس الخطر، حول تدهور الدعم الإنساني المقدم للاجئين، واعتبرت منظمة “كير فور كاليه” أن الأمر يعد مسألة وقت، قبل أن يبدأ الموت حصد أرواح هؤلاء اللاجئين بسبب فيروس كورونا.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى