كتاب وآراء

في لحظة مفصلية… العراق منشغل بالحكومة الجديدة وتركيا تحاصره بتشغيل سد اليسو على نهر دجلة

محمد صالح الفتيح*

في صيف العام 2018، انطلقت مظاهرات واسعة في الجنوب العراقي احتجاجاً على تردي الأوضاع الخدمية، خصوصاً الكهرباء والماء، مع تسجيل ما وصل إلى 17000 إصابة بالكوليرا نتيجة تلوث المياه. تردي الخدمات كان أيضاً من أسباب عودة المظاهرات مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019. والآن، لمرة ثالثة، تعود الشكاوى من تردي مستوى خدمات الماء والكهرباء في بلاد الرافدين. ولكن المختلف هذه المرة هو أن تركيا قد بدأت اليوم تشغيل أولى عنفات توليد الكهرباء على سد اليسو Ilısu على نهر دجلة، وذلك مع تقدم عملية ملء البحيرة الصناعية خلف السد. وسد اليسو هو أحد المشاريع الاستراتيجية التركية التي طرحت تركيا فكرته في تسعينات القرن الماضي لتنمية منطقة جنوب شرق الأناضول. وتقدر سعة البحيرة الصناعية خلفه بـ 10.4 مليار متر مكعب.

فكيف يقارب العراق مشكلته المائية مع تركيا؟ التحرك الوحيد حتى الآن من جانب العراق هو لقاء وزير الكهرباء العراقي، ماجد مهدي، أمس، مع السفير التركي، فاتح يلدز، لمناقشة الربط الكهربائي بين العراق وتركيا. اتجاه العراق للاعتماد على تركيا في مجال الكهرباء ينطلق من حاجة الحكومة العراقية الجديدة لاستباق أزمة الكهرباء هذا الصيف في العراق، واحتمال أن تقود إلى تفجر واسع للمظاهرات. ولكن بعيداً عن هذا التفصيل الآني، فإن اعتماد العراق على تركيا في مجال الكهرباء سيمنح تركيا ورقة ضغط مهمة في وجه الحكومة العراقية، بما يضعف من قدرة الأخيرة على المطالبة بحقوق العراق المائية. موقف تركيا هو قوي أساساً نتيجة اعتماد العراق على الواردات التركية المتنوعة واستمرار العراق بالاعتماد على تركيا في نقل النفط بدل بحث بدائل أخرى لأنبوب كركوك-جيهان، وكذلك بسبب ضعف الحكومة العراقية وعدم مطالبتها إيران بوقف الاعتداءات على حصة العراق المائية (70% من موارد العراق المائية تأتي من تركيا وإيران).

الخلاصة التي لا يستطيع المرء الهروب منها هي أن الإيرانيين والأتراك والإسرائيليين والإثيوبيين هم أحرص أهل الشرق الأوسط على مصالحهم، والعرب أكثرهم تفريطاً بمصالحهم نتيجة مزيج الفساد ولانفعال والنكاية وقصر النظر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى