مصر

تمويل التلفزيون المصري من راديو السيارة

لم يكن ينقص المصريين سوى ضريبة على راديو السيارة، وهم المثقلون حتى الاختناق بضرائب شتى ورسوم مختلفة، تستنزف ميزانيات الأسر ولا يدري أحد أين تذهب حصيلتها.

وبلغت السخرية من تعدد وكثرة الضرائب المفروضة حد قيام رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمطالبة الحكومة بفرض ضرائب على الهواء، حيث “لم يبق إلا التنفس الذي لم تفرض عليه ضريبة”، بعد فرض ضرائب ورسوم على كل شيء حتى الزواج والطلاق.

ووافقت لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب قبل أيام على مشروع قانون بشأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية، يتضمن رفع الرسوم بشكل خرافي، حيث ارتفعت من 1.4 جنيها إلى 100 جنيه (الدولار نحو 16.8 جنيها).

واشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بالسخرية من الضريبة الجديدة، ورأى أصحاب السيارات أن الحكومة تريد تمويل عجز ميزانية ماسبيرو (مبنى الإذاعة والتلفزيون الحكومي) من جيوبهم، وذلك بعد تصريحات لأعضاء لجنة الخطة في البرلمان بأن الضريبة الجديدة ستغطي شهرين من رواتب موظفي ماسبيرو.

ويبلغ عدد موظفي ماسبيرو -وفق آخر إحصاء- نحو 35 ألفا، وتسعى الحكومة لتقليل العدد عبر وقف التعيينات والتشجيع على التقاعد المبكر، بحسب تصريحات سابقة لوزير الإعلام أسامة هيكل، قال فيها إن العدد سيبلغ 29 ألفا هذا العام.

مويل العجز

ويبلغ عدد السيارات الخاصة في مصر نحو 5 ملايين سيارة، بحسب بيان لمركز بصيرة للإحصاء في يناير/كانون الثاني الماضي، اعتمادا على بيانات رسمية.

لكن قرار الضريبة يمتد ليشمل أيضا سيارات الأجرة والنقل، وسط تقديرات بأن تصل الحصيلة إلى نحو 500 مليون جنيه سنويا، يذهب نحو نصف عوائدها للهيئة الوطنية للإعلام، المشرفة على ماسبيرو.

وتبلغ ديون ماسبيرو نحو 36 مليار جنيه، بحسب وكيل الهيئة الوطنية للإعلام جمال الشاعر.

غضب وسخرية

ومع الغضب من هذه الرسوم، تباينت تقديرات ملاك السيارات لأهمية مذياع السيارة نفسه، فيقول المحاسب حسام عطية إن مذياع السيارة لا يعد رفاهية بل أساسيا، مضيفا في حديثه للجزيرة نت أن “الأولى إجبار ملاك السيارات الفارهة على دفع رسوم على الكماليات الفريدة فيها، لا أن يدفع صاحب سيارة صغيرة ورخيصة نفس رسوم استخدام الراديو التي سيدفعها صاحب سيارة بمئات الآلاف من الجنيهات”.

أما المعلمة زينب مصطفى، فتبدي -في حديثها للجزيرة نت- رفضا لدفع ضريبة على جهاز لا تستخدمه، إذ إنها تستخدم مذياع السيارة للاستماع إلى الأغاني عبر شريحة ذاكرة (فلاش ميموري)، بدلا من الاستماع إلى “رغي مذيعي الإذاعات الحكومية الموجهة، الرامية لملء ساعات البث بأي شيء، وغالبا بتصريحات حكومية وردية مخالفة للواقع”، بحسب تعبيرها.

وتشير أخبار منشورة قبل 4 سنوات إلى أن الحكومة كانت تعتزم تطبيق هذه الضريبة منتصف عام 2016، لكنها أرجأتها لأسباب غير معلنة.

وأوضح رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين أن المحتوى الذي يتم تقديمه على الراديو تغير وتطوَّر عما مضى، مما يكلف الإذاعة أموالا طائلة تطلبت مضاعفة الضريبة، لتقديم إعلام قوي يواجه التحديات الخارجية، مضيفا في تصريحات صحفية أن “تطبيق ضريبة على سماع الراديو موجود في كل العالم”.

 

خطة فاشلة

في هذا السياق، يرى أمين المجلس الأعلى للصحافة الأسبق قطب العربي أن الحكومة بهذه الضريبة -التي كانت مفروضة منذ الستينيات وتضاعفت قيمتها الآن عشرات المرات- تستهدف تمويل العجز المالي بماسبيرو من جيوب المصريين.

وأكد العربي أن فلسفة دفع الضريبة في العالم كله تنبني على أن الدفع يجب أن تقابله خدمة، وهو أمر غير موجود عمليا في مثل هذه الضريبة، لأن “المصريين لا يستفيدون شيئا من الإعلام الرسمي للدولة”.

وتابع العربي في حديثه للجزيرة نت “ماسبيرو صمم لنظام غير النظام الحالي، وإن كان امتدادا له، وهو يسعى لتوظيفه لنفس الهدف وهو تلميع السلطة لا التعبير عن هموم الشعب”.

وأوضح أن محاولات إحياء ماسبيرو بضخ دعم مالي فيه من جيوب المصريين لاستنساخ الستينيات، “ستفشل بالتأكيد في ظل عصر السماوات المفتوحة”، لافتا إلى أن الإعلام العالمي حاليا يحاول “التخفف من القيود ويقدم المعلومات بحرية ويهتم بهموم الناس، مما يجعل ماسبيرو بخطابه الحالي في منافسة صعبة”.

وشدد العربي على أن تطوير ماسبيرو يجب أن يبدأ بقرار جريء بإعادة هيكلته وتخفيض عدد قنواته وإذاعاته الكثيرة، لتقديم محتوى متطور يمكنه منافسة القنوات الخاصة والإعلام العربي والدولي.

ويستدرك بالقول إن “ماسبيرو لن ينصلح حاليا، لأنه جزء من رمزيات الدولة العسكرية، فالنظام يعتبره من ضرورات تسويق سياساته، فبالتالي سيتم الإبقاء عليه وهو يترنح ويحتضر بخروج الآلاف للمعاشات (التقاعد) مع وقف التوظيف، إلى أن يشيخ ويسقط من تلقاء نفسه، إلا لو جاء نظام ديمقراطي، وعندها سيمكنه أن يحسن توظيفه وهيكلته”.

لسان السلطة

وانطلقت خدمة التلفزيون المصري مطلع ستينيات القرن الماضي في ظل نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بينما تسبق الإذاعة التلفزيون بنحو ربع قرن، ويُعتبر ماسبيرو بإذاعاته وقنواته التلفزيونية لسان السلطة منذ الستينيات وحتى اليوم، بحسب مراقبين للإعلام المصري يؤكدون أن ذلك سبب إفساد دوره المفترض كمعبر عن الشعب الممول لميزانيته.

وقال رئيس المجلس الأعلى للإعلام السابق مكرم محمد أحمد -في تصريحات تلفزيونية سابقة- إن الإعلام المصري يخاطب متلقيا واحدا هو الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وقبل يومين انتقد الكاتب الصحفي المقرب من النظام عبد الحليم قنديل سيطرة الدولة على الإعلام، وقال في تصريحات صحفية “لا يمكن أن نتحدث عن دور الإعلام إلا إذا تم تحريره وضمان استقلاليته، أما ما يحدث فهو مجرد مجموعة صحف تخرج بعناوين واحدة وكأنها نشرات أخبار رسمية”.

وأضاف “دعنا نعترف أننا في عالم جديد ومختلف لا تصلح فيه المصادرة ولا المنع، وعلينا أن نشيع الحقيقة بدلا من إشاعة التدليس، حتى نتمكن من مناقشة الأمور بصراحة ووضوح وطرح الحلول، يجب أن نسمح للإعلام بمناقشة كل الأمور وطرح الموضوعات الشائكة”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى