كتاب وآراء

بمناسبة رحيل محمود رضا: عودة إلى الحديث عن أصحاب البشرة البيضاء والسمراء على الشاشة بين الناصريين والساداتيين

حافظ المرازي*

تحدثت هنا منذ ثلاثة أيام بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لاستشهاد البطل منسي، عن استغرابي لمنطق اختيار ممثلين لدور ضباط جيش، مفضّلين ذوي البشرة الفاتحة والعيون الملونة لهذا الدور، حتى لو كانت قصة واقعية لضابط ملامحه سمراء مثل عامة الشعب المصري، وهو مالاحظناه منذ عهد السادات (حسين فهمي في الرصاصة لاتزال في جيبي: ١٩٧٤) وحتى الآن (أمير كرارة في مسلسل الاختيار: ٢٠٢٠).

لكن للإنصاف، فإن هذا التوجه وما يمكن تسميته بعقدة الخواجة، شكلا أو مضمونا، لم يكن توجه مصر عبد الناصر. فلننتقد الرجل كما نشاء، وكثيرا ما أفعل من حيث تركة حكم الفرد والإستبداد، لكن ناصر كان يعتز بهوية هذا البلد وبأولاد الفلاحين، ولديه قطيعة مع المستعمر الأوروبي قلبا وقالبا.

من هذا المنطلق، ثقافيا كان دعم الدولة من خلال الوزير فتحي رضوان لفرقة رضا ومؤسسها محمود رضا (الذي توفي اليوم عن قرابة تسعين عاما- ورغم ملامحه البيضاء والأوروبية) والذي قدم للعالم الفلكلور الشعبي المصري، بدل المجري والاوروبي الذي كان راقصا في فرقه، وبدعم دولة عبد الناصر أُنشئت الفرقة عام ١٩٥٥ وقدمت تراث وغناء الفلاحين والصعايدة والتراث الفرعوني الذي كنا نعتز به في عمارتنا، بينما بنينا نحن “الريف الاوروبي” في عهد مبارك ونبني حاليا في العاصمة الجديدة منتجعات تحاكي عمارتها قصر بكنغهام والقصور الأوروبية، في فيديوهات إعلانية!

ذكرني أيضا، بوست كتبته الأستاذة فاطمه المعدول في رثاء الفنانة رجاء الجداوي، أن النقلة النوعية في مسيرة رجاء كانت بفضل عبد الناصر حين أصر على أن تكون هذه “الفتاة السمراء،” من بين كل عارضات الأزياء الشقراوات، هي التي ترتدي علم مصر في مسابقة عالمية!

ما أردت أن أعود إليه للإنصاف، أن مسألة البشرة البيضاء والسوداء لا تعني فرزا عنصريا ولا وطنيا في تصنيف الناس، وكما ذكرني صديقي عبدالله بانخر بأن جد الممثل أمير كرارة، هو فنان الفلكلور الشعبي محمود شكوكو، مثلما أن الفتى الراقص الأشقر محمود رضا كان ابن حي السيدة زينب.

لكن الملاحظة تتعلق بأن الذين اختاروا في عهد ناصر الفتاة السمراء: رجاء لتمثل مصر، ودعموا فولكلور الفلاحين والصعايدة من خلال فرقة رضا، كان زعيمهم فاتح البشرة مقارنة بالسادات، صاحب التوجه الانفتاحي الغربي! أي ان انتقادنا هو للتوجه “الأبيض” والغربي الذي يَظهر في منطق اختيار الممثلين والعمارة. وهو منطق يفسر توجه محافظ بورسعيد لمحاولة وضع تمثال فرديناند ديلسيبس في مدخل قناة السويس!

الأمر الذي يذكرني بملاحظة قالها امامي متحدث امريكي في الثمانينيات، لكنني لا أذكر للأسف اسمه الآن، في التمييز بين اللون والعنصرية، إذ كان ينتقد توجهات السادات مع الغرب ولصالح الأغنياء عكس ناصر بانحيازه للفلاحين والفقراء. إذ قال:
“إن ناصر كان رجلا أبيض الوجه لكن قلبه مع السود، أما السادات فكان اسود الوجه، لكن قلبه مع البيض”!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى