إعلام

مقال في إندبندنت: مصر في مأزق وقد لا يكون لديها فرصة سوى خوض حرب بشأن سد النهضة

عندما حذرت في مارس/آذار الماضي من احتمال نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة إذا لم تتوصلا إلى اتفاق، اتهمني الحساب الرسمي لوزارة الخارجية الإثيوبية على تويتر بأني “مرجف وخاطئ”. واليوم وصلت المفاوضات بين مصر والسودان وبين إثيوبيا إلى نهاية اللعبة الدبلوماسية، وبالفعل تبدو الحرب وكأنها السيناريو الوحيد المحتمل، حتى في الوقت الذي لا يزال فيه العالم يقلل من قرع طبولها.

بتلك المقدمة استهل مستشار التحرير في صحيفة إندبندنت (The Independent) والصحفي المختص في شؤون الشرق الأوسط أحمد أبو الدوح مقاله بالصحيفة المذكورة والذي يعلق فيه على آخر تطورات موضوع سد النهضة.

ويرى الكاتب أن المحادثات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي بين مصر والسودان وبين إثيوبيا حول السد، تتجه إلى طريق مسدود آخر حيث ترى إثيوبيا أن ملء السد وتشغيله حق سيادي، ولهذا تقاوم الدعوات إلى اتفاقية لا تضمن ترتيبات جديدة بشأن حصتها “العادلة” أيضا. وتقول أيضا إنها ستبدأ وحدها في ملء السد في الأسابيع القليلة القادمة بغض النظر عن نتيجة هذه النقاشات.

وأشار الكاتب إلى أن صور الأقمار الاصطناعية أظهرت أن خزان السد بدأ يمتلئ بالفعل، ربما بسبب الأمطار الموسمية. وأردف بأنه إذا نجحت أديس أبابا في تهديدها فمن المرجح أن تتخذ الأزمة منعطفا جديدا.

فالمسؤولون في مصر يتهمون الحكومة الإثيوبية باتباع سلسلة من الحيل الدبلوماسية النمطية المخادعة منذ التوقيع على إعلان المبادئ لعام 2015، الذي يشير إلى أنه يجب على جميع الأطراف التوصل إلى اتفاق أولا قبل ملء الخزان.

براعة دبلوماسية
وبحسب الكاتب، يبدو أن المفاوضين الإثيوبيين استفادوا من البراعة الدبلوماسية التي أظهرتها كوريا الشمالية في مفاوضاتها المتشنجة مع الولايات المتحدة بشأن نزع السلاح النووي، واتبعوا الأسلوب نفسه، وتجمدت المفاوضات الآن وأصبح الاتفاق بعيدا عن الاكتمال. وبأسلوب التباطؤ المتعمد ذاته يبدو أن إثيوبيا قادت المصريين إلى طريق مسدود.

وهذا الجمود، كما يقول الكاتب، يعني أن مصر بدأت تستنفد خياراتها، وهو ما جعل وزير الخارجية المصري سامح شكري، أثناء اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير، يصف السد بأنه “تهديد ذو أبعاد وجودية محتملة”، وفي لحظة انفعال هدد بأن “مصر ستدعم وتحمي المصالح الحيوية لشعبها. والبقاء ليس مسألة اختيار بل سمة حتمية”. ورد سفير إثيوبيا لدى الأمم المتحدة تاي أتسكي سيلاسي قائلا إن الحصول على موارد المياه لشعبه “ضرورة وجودية”.

ولفت الكاتب إلى أن المياه ليست المصلحة الحيوية الوحيدة لمصر التي على المحك، وأن الرئيس والجنرال السابق عبد الفتاح السيسي يقاتل من أجل شرعيته أيضا، وأنه منذ توليه السلطة في عام 2014 قدم رواية شعبوية قومية تستند إلى الكثير من الفخر بالقوة العسكرية ورفع توقعات الناس بشأن قدرته على حماية “أمن مصر القومي ومصالحها”. ويعي أنه بخسارة المعركة الدبلوماسية حول ملء السد والاستسلام لضغوط إثيوبيا، فإنه سيخاطر بإشعال الاضطرابات الشعبية، وربما وقوع انقلاب عسكري.

وأشار الكاتب إلى ما قاله له مصدر في القاهرة هذا الأسبوع بأن مصر شهدت أخيرا “تحولا في التركيز” في إستراتيجيتها للتعامل مع صراع سد النهضة، وأن “السيسي شخصيا يشعر بخيبة أمل كبيرة من تمسك إثيوبيا بإستراتيجيتها”.

جمود دبلوماسي
وأضاف أن إثيوبيا شريك أساسي للولايات المتحدة أيضا، وأنه على الرغم من اعتماد السيسي على علاقته الشخصية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإنه لا يستطيع تجاهل الأهمية الإستراتيجية لإثيوبيا للولايات المتحدة كحصن ضد الإرهاب في شرق أفريقيا، وكشريك في المسعى الأميركي لموازنة استثمارات الصين والنفوذ المتزايد في إثيوبيا والقرن الأفريقي.

وهذا، كما يرى الكاتب، لا يترك مجالا لمصر للمناورة، ومثل عثراته في التفاوض على نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، فإن فشل ترامب في التوسط في الصراع في المنطقة وضغوط الانتخابات الرئاسية الوشيكة هي أسباب كافية لعدم اهتمامه بالموضوع.

وخلص أبو الدوح في مقاله إلى أن هذا الأمر يمكن أن يدفع مصر إلى القيام بعمل عسكري لإثبات وجهة نظرها ولفت انتباه المجتمع الدولي إلى الصراع وفرضه على برنامج الرئيس الأميركي المقبل في وقت لاحق هذا العام.

وهي الاستراتيجية نفسها التي استخدمها الرئيس المصري السابق أنور السادات لكسر الجمود الدبلوماسي حول وضع “اللاسلم واللاحرب” مع إسرائيل عام 1973، والذي انتهى بالتوقيع على معاهدة سلام دائمة بين البلدين في عام 1979.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى