السودان

تحد أمني وحرج سياسي.. تمدد الاعتصامات في مدن السودان يربك حكومة حمدوك

حفّز اعتصام نيرتتي في ولاية جنوب دارفور نحو 10 مناطق أخرى في أنحاء السودان المختلفة لتنظيم اعتصامات مماثلة تفرض على الحكومة الانتقالية التزامات تبدأ بتأمينها وتنتهي بإنفاذ قائمة متخمة بمطالب التنمية والخدمات.

وحاليا يعتصم السودانيون في شرق البلاد في كل من سنكات بولاية البحر الأحمر ومدينة كسلا وبلدة الحواتة في ولاية القضارف.

وفي مدينة الدويم، نحو 190 كيلومترا جنوبي العاصمة الخرطوم، يعتصم المئات من أبناء المنطقة مطالبين بتحسين خدمات الصحة والتعليم والمياه والطرق.

وشمالا يلتئم اعتصام للمهجرين من سد مروي في أمري الجديدة، على بعد حوالي 310 كيلومترات شمالي الخرطوم، على رأس مطالبهم فتح تحقيق حول مقتل 3 شباب في 22 أبريل/نيسان 2006، إبان مناهضة إجراءات التهجير.

وحتى في ضاحية سوبا جنوبي الخرطوم يعتصم مواطنون منذ أيام للمطالبة بخدمتي المياه والتيار الكهربائي.

اعتصام نيرتتي في ولاية جنوب دارفور حفّز مناطق أخرى لتنظيم اعتصامات ومنها اعتصام سنكات بولاية البحر الأحمر شرقي البلاد (الجزيرة)

تحديات أمنية
وتفرض هذه الاعتصامات تحديا أمنيا على حكومة الخرطوم بعد أن تسببت انفلاتات أمنية ذات طابع عرقي في فض اعتصامين في كل من كتم وفتابرنو بولاية شمال دارفور، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وعمليات نهب وحرق واسعة النطاق.

ولا يزال اعتصام ثالث في كبكابية بشمال دارفور يناضل بعد أن انفض اعتصام نيرتتي في جنوب دارفور بشكل سلمي، إثر استجابة الحكومة المركزية في الخرطوم لمطالب المعتصمين بعد زيارة وفد حكومي رفيع ترأسه عضو بمجلس السيادة.

وتمحورت مطالب الاعتصامات بدارفور في حماية المجتمعات الزراعية من تعديات الرعاة المسلحين وبسط هيبة الدولة بحظر الدراجات النارية وارتداء الكدمول “غطاء للتلثم”.

وتستلهم هذه الاعتصامات روح اعتصام السودانيين أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم الذي نجح في الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير، قبل أن تفضه قوات المجلس العسكري في 3 يونيو/حزيران 2019.

يطالب اعتصام المهجرين من سد مروي في أمري الجديدة بفتح تحقيق حول مقتل 3 شباب قبل 14 عاما إبان مناهضة إجراءات التهجير (الجزيرة)

ضحايا السدود
واضطرت قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية لحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، للتعامل مع هذه الاعتصامات المطلبية، برغم تحفظها على توقيت بعض الاعتصامات، كما حدث في الحواتة بولاية القضارف.

اعلان

لكن في اعتصام أمري بشمال السودان تبدو الصورة مختلفة بحسب الناشط السياسي عز الدين جعفر الذي يقول للجزيرة نت إن الاعتصام داعم للحكومة الانتقالية.

ويشير جعفر إلى أن اعتصام أمري يسلط الضوء على الفساد المالي والإداري الذي صاحب بناء سد مروي، فضلا عن التحقيق العاجل والعادل في مقتل 3 من شباب المنطقة كانوا ضمن مناهضين للتهجير القسري.

ويؤكد أن وحدة تنفيذ السدود التي أنشأها البشير بصلاحيات مطلقة تسببت في معاناة لمهجري سد مروي الذي شرد آلاف الأسر في الحامداب وأمري والمناصير.

ويدعو جعفر للتحقيق في فساد مشروع سد مروي ومحاكمة مسؤولي وحدة تنفيذ السدود وحلحلة مشكلات المشروع الزراعي ومياه الشرب والصحة والتعليم.

تتكفل أحياء الحواتة وضواحي المفازة بإعاشة مئات المعتصمين الذين يهددون باقتحام مباني المحلية إذا لم تتجاوب السلطات مع مطالبهم (الجزيرة)

عزلة “الحواتة”
وفي منطقة الحواتة الواقعة في الأجزاء الغربية لولاية القضارف (شرق)، أيدت قوى الحرية والتغيير اعتصاما مطلبيا على مضض بعد أن تعللت بأن توقيته غير مناسب مع تحضيرات الموسم الزراعي الصيفي.

وطبقا للإعلامي ياسر مساعد -من أبناء المنطقة-، فإن كيانات شبابية هي التي تنظم الاعتصام الذي دخل يومه الثامن في ساحة رئيسية بالمنطقة التي يطالب قاطنوها بطريق أسفلت ينهي معاناتهم في موسم الأمطار.

ويضيف مساعد للجزيرة نت أن مناطق الحواتة والمفازة ظلت تطالب منذ العام 1973 بربطها بطريق لا يتجاوز طوله 75 كلم حتى لا تعاني العزلة عن بقية القطر خلال فصل الخريف.

وتتكفل أحياء الحواتة وضواحي المفازة بإعاشة مئات المعتصمين عن طريق قوافل لميدان الاعتصام، ويهدد المعتصمون باقتحام مباني المحلية إذا لم تتجاوب السلطات مع مطالبهم.

اقتتال قبلي
وفي الشرق أيضا دخل اعتصام بمدينة كسلا -نحو 480 كيلومترا شرقي الخرطوم- يومه السابع، واتسع الاعتصام في ساحة تتوسط مقار جهاز المخابرات العامة والقضائية وقسم للشرطة، بعد اطمئنان لجان المقاومة لأهداف المعتصمين.

ويقول عضو لجنة تنظيم اعتصام كسلا عبد الله عبد الرحمن للجزيرة نت إن أهم قضايا الاعتصام إنهاء الاقتتال القبلي المستمر منذ 13 شهرا دون أن تتحرك الدولة قانونيا لحسم مجموعات متفلتة تنشط في منصات التواصل.

ويؤكد أن اكتفاء الحكومة بالمصالحات الأهلية المعروفة محليا بـ “القلد” لاحتواء الصراع بين قبائل البني عامر والهدندوة والنوبة يشوبه تقصير.

وفي الدويم بولاية النيل الأبيض يعتصم المئات أمام مبنى المحلية للمطالبة بالإصلاح الإداري والسياسي وإقالة المسؤولين الفاسدين، طبقا لإبراهيم عبد العظيم ممثل قوى الحرية والتغيير.

ويطالب معتصمو الدويم بطريق أسفلت مواز للضفة الغربية للنيل وتأهيل المدارس والمؤسسات الصحية وتنظيم الأسواق وتوفير مياه الشرب.

احتجاجات مبتكرة
وإزاء ذلك لا يبدو أمام حكومة حمدوك من سبيل سوى التعامل مع هذه الاعتصامات وحتى مع أشكال جديدة للاحتجاج وإيصال المطالب.

واستقبل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الخميس شابين من لجان المقاومة بمدينة ود مدني بعد أن سارا راجلين لمسافة 188 كيلومترا وصولا للخرطوم في 5 أيام، لتسليم مذكرة تطالب بإعادة تأهيل مشروع الجزيرة الزراعي الذي تعرض للإهمال وسوء الإدارة.

ووفقا لفائز السليك المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، فإن الحكومة ملتزمة بتأمين كافة الاعتصامات السلمية وحمايتها ومحاورة المواطنين والمكونات المحلية والاستماع إلى قضاياها.

ويعتبر السليك -في حديثه للجزيرة نت- أن ضغوط المواطنين على الحكومة أمر مستساغ، خاصة أنها تتعامل مع مطالبهم بجدية كما حدث في اعتصام نيرتتي.

وينصح الناشط السياسي بمحلية هيا في ولاية البحر الأحمر محمد آدم طاهر هييس بالتحرك سريعا لوضع معالجات عامة لمشاكل الناس في الولايات، خاصة أن أغلب المطالب تتعلق بالخدمات والتنمية.

ويقول طاهر للجزيرة نت إن اعتصام سنكات القريب منهم يمكن أن يتكرر في هيا وسواكن وأي منطقة بولاية البحر الأحمر إذا لم تتحرك الحكومة المركزية لسد الفجوة بينها وبين المواطنين في كل أنحاء السودان.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى