كتاب وآراء

تسطيح الفلسفة: سقراط على يد منصور الرحباني وابن رشد على يد يوسف شاهين, أو كيف حوَّل يوسف شاهين إبن رشد إلى أبو ملحم آخر

‏اسعد ابو خليل*

تسطيح الفلسفة: سقراط على يد منصور الرحباني وابن رشد على يد يوسف شاهين, أو كيف حوَّل يوسف شاهين إبن رشد إلى أبو ملحم آخر. شاهدتُ امس فيلم “المصير” ليوسف شاهين على شبكة نتفلكس, وكنتُ قد قرأتُ عن الفيلم مدائح طوال في “ملحق النهار” وفي القسم الثقافي في “السفير” وفي الصحافة العربيّة ‏بصورة عامّة. ليس هناك أردأ وأسوأ وأشنع وأفظع من هذا الفيلم, وليس لأنه مملّ بصورة قاتلة بل لأن مضامينه خطيرة. توجّست شراً عندما استهلّ شاهين الفيلم بشكر وزيريْ الاعلام والثقافة في سوريا ثم وزير الثقافة في مصر ثم وليد (بك, حسب الفيلم) جنبلاط وزوجته ومنى الهراوي ووزارة الشؤون ‏الخارجيّة في الدولة الفرنسيّة بالإضافة إلى مؤسّسات رسمية وغير رسميّة في فرنسا. المشروع واضح المعالم. طبعاً, نحن أهل اليسار في خندق معارض كل الحركات الدينيّة من دون استثناء لكن السؤال: هل ندخل أو نتجنّد نحن اليسار في معارك الغرب ودول الاستبداد العسكري العربي (مثل مصر السادات ‏ومبارك أو سوريا آل الأسد) ضدّ الاسلاميّين؟ هذا تماماً ما فعله شاهين ولهذا فإن الفيلم حاز على تأييد النظاميْن السوري والمصري والغرب لأنهم كانوا يخضوضون معارك تعنيهم ضد الاسلام السياسي بكافة اشكاله, العنيف منه وغير العنيف. الفيلم هو إسقاط مبتذل لا بل سوقي من التاريخ إلى الحاضر ‏, اي ان شاهين كادَ ان يُقحم ابن رشد في الحرب الأميركية على العراق إلى جانب الجيشين المصري والسوري. هذا فيلم مهين للعقل والتاريخ وهو بروباغندا رثّة لأنظمة عربيّة في معاركها. مرّة في مؤتمر اكاديمي اميركي اقترح الأستاذ المُضيف علينا في أمسية مشاهدة فيلم عادل إمام “الإرهاب والكباب” ‏وكان الفيلم غبياً ومبتذلاً ودعائيّاً إلى درجة انني اقترحتُ على الزملاء مغادرة القاعة لأن الفيلم بدا كأنه يحمل صبغة نظام حسني مبارك واجهزة مخابراته, وهكذا كان وغادرنا القاعة احتجاجاً. نفس الشيء على هذا الفيلم الردئ. الفيلم هو استشراقي بمعنى أنه يريد رسم صورة للعرب كما يريدها ‏الغرب لنا, مع ان العرب والأنظمة العربيّة الاستبداديّة منافقة لأنها ترضى بالاسلام السياسي عندما يتلاءم مع مصالحها (تونس) وترفضه عندما لا يتلاءم. ونتذكّر ان نظام السادات هو الذي أطلق الاسلام السياسي ضد اليسار ثم عندما انقلب عليها حاربه. وكيف يرضى شاهين بدخول هذه المعارك. وكما ان ‏الاستشراق يبجل المعتزلة ويصوّر فكرهم على انه انتصار للعقل, لكنه يتجاهل قمع معارضي المعتزلة ومحنة ابن حنبل مثلاً. لا صلة لهذه الفيلم بشخصيّة ابن رشد أو اسلوبه أو حكَمه, ولو أنكَ قرات له فقط “فصل المقال” وهو الكتاب الأوسع انتشاراً. ونور الشريف ممثل كسول لا يغيّر أداءه بين الأفلام ‏فتراه الحاج متولّي مثل ابن رشد. كنت احبّه في أفلامه في أوائل السبعينيّات وكان مُبتكرا ومجدداً. الممثل الذي أبهرني في الفيلم هو محمود حميدة وكان افضل مَن في الفيلم. ابن رشد في الفيلم هو ليبرالي غربي يلتزم بالصوابية السياسيّة ويحوز على رضى ليبراليّة الرجل الأبيض. إبن رشد اقرب ‏الهيبي حيث الاحتفال الغُنى والرقص والحب (وهذا جميل لكن هل كان هذا إبن رشد التاريخي؟) مع كل نقدي أريد ان اقول أنني التقيتُ وجالستُ يوسف شاهين اثناء زيارته في أميركا وأحببتُه وأُعجبتُ بجرأته في مواجهة الرجل الأبيض وكان يخاطب الغرب بمعاداة حادة للصهيونية واسرائيل من دون مواربة ‏خلافاً للكثير من المتحدّثين العرب هنا. لكن يوسف شاهين هذا كان غائباً عن الفيلم. الشيء الوحيد الذي اعجبني في الفيلم هو المناظر الطبيعية الخلابة والملابس. وهذه أوّل مرة أرى فيها ليلى العلوي وكانت ظريفة في التمثيل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى