إعلام

فورين بوليسي: تراجع التحويلات المالية للعاملين المهاجرين في الشرق الأوسط بشكل مفاجئ وكارثي

أكدت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في تقرير نشرته الكاتبة أنشال فوهرا، توقف تدفق التحويلات المالية من العاملين المهاجرين في لبنان والخليج إلى عائلاتهم في أفريقيا وآسيا بشكل مفاجئ وكارثي، وذلك بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد.

وقالت الكاتبة إن اللبنانيين اعتادوا على الاعتماد على الإثيوبيين للقيام بمهام مثل أخذ كلابهم في نزهة أو تنظيف منازلهم. واعتادت دول الخليج الغنية بالنفط على توظيف سكان آسيا الجنوبية من أجل قيادة سياراتهم وبناء عماراتهم والتنقيب عن مواردهم الطبيعية، وغالبا ما تقوم هذه الفئة من المهاجرين بأعمال مجهدة مقابل أجور زهيدة.

وتسببت جائحة فيروس كورونا في انهيار هذا النموذج الاقتصادي، فقد أدت عمليات الإغلاق الطويلة والركود الاقتصادي في البلدان المضيفة إلى ترك عشرات الملايين من المهاجرين في الشرق الأوسط عاطلين عن العمل أو في إجازة غير مدفوعة الأجر، بينما أجبرت الكثيرين منهم على العودة إلى أوطانهم التي تعاني بالفعل من الفقر وارتفاع معدلات البطالة.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، يخشى الخبراء أن يكون لهذه الهجرة العكسية عواقب وخيمة على العمال وبلدانهم الأصلية، وكذلك الدول المضيفة لهم.

وأوضحت الكاتبة فوهرا أن المرتبات التي كان يحصل عليها هؤلاء العمال المهاجرون الآسيويون والأفارقة في الشرق الأوسط تتدفق إلى أوطانهم في شكل قروض لأشقائهم لفتح الأعمال التجارية الصغيرة، ولبناء منازل لآبائهم المسنين، ودفع الرسوم المدرسية لأطفالهم. وفي الوقت الراهن، لا شك أن بطالتهم سيكون لها تأثير مضاعف أيضا، حيث سيؤدي انخفاض التحويلات المالية إلى تراجع الاستهلاك ووقوع المشاريع المحلية في المصاعب.

وفي تقرير صادر في أبريل/ نيسان الماضي، قدّر البنك الدولي أن التحويلات المالية الموجهة نحو الدول منخفضة ومتوسطة الدخل ستتراجع بنسبة 20% هذا العام، وهو معدل أكثر حدة من النسبة البالغة 5% التي شهدها العالم بعد الركود العالمي لعام 2009.

تعد حالة عاملات المنازل الأفارقة في لبنان قاسية بشكل خاص، ففي الشهر الماضي، صرحت باكالو (التي اشترطت عدم الكشف عن هويتها)، وهي عاملة منزلية تبلغ من العمر 25 عاما تعمل في بيروت، بأن أرباب عملها تركوها خارج بوابات سفارة إثيوبيا دون أي تفسير، دون أن يدفعوا لها راتبها أو حتى يسلموها جواز سفرها، وقد تلقى العديد من أبناء وطنها معاملة مماثلة خلال الأشهر القليلة الماضية، ونتيجة لهذه الظروف، توفي عدد غير معروف من المعينات المنزليات عن طريق الانتحار.

ورغم ما مرت به باكالو، فقد رفضت الكشف عن أسماء من تعمل لديهم على أمل أن تستعيد في يوم ما بعد انتهاء الأزمة وظيفتها ومستحقاتها، وقد أفادت بأن راتبها الشهري الذي لا يتجاوز 300 دولار مثل جزءا كبيرا من الأموال التي عاشت بها عائلتها بأكملها في إثيوبيا.

ويعاني الاقتصاد اللبناني حالة فوضى حتى قبل أن يظهر فيروس كورونا الذي يسرع في انهياره، مع تراجع قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 80% مقارنة بالدولار الأمريكي، وجد اللبنانيون أنه من المستحيل الحفاظ على أنماط حياتهم وبدؤوا في طرد موظفيهم بشكل جماعي.

من المتوقع أن يتسبب المشهد التجاري سريع التغير بسبب القيود المتعلقة بفيروس كورونا جنبا إلى جنب مع انخفاض أسعار النفط، في ارتفاع البطالة في الخليج بنسبة 13%، مع إمكانية أن يقع العبء الأكبر على الأجانب، ذلك أن المواطنين الخليجيين يعملون بشكل رئيسي في القطاع العام.

ونقلت الكاتبة عن مديرة منظمة “مايغرنت رايتس” ريما كلوش، أن هذا الوضع لا يؤثر على العمال ذوي الياقات الزرقاء فقط، حيث “تأثر العمال المهاجرون من جميع الفئات بشدة بالوباء واستُبعدوا إلى حد كبير من برامج الحكومة”.

وجعلت شركة طيران الإمارات دولة الإمارات مركزا عالميا للسفر الجوي، ولكن مع تعليق الرحلات الجوية واقتصارها على التنقلات الأساسية في المستقبل المنظور على الأقل، قررت الشركة تسريح آلاف الموظفين لتوفير المال.

صرح مضيف طيران هندي مقيم في دبي، والذي كان من بين الموظفين الذين تم تسريحهم، بأنه يكافح لدفع إيجاره بينما ينتظر والداه المتقاعدان وأخته المريضة في وطنه الهند الراتب الشهري الذي يرسله إليهم.

وحيال هذا الشأن، قال إن “طيران الإمارات شركة عالمية تحقق الأرباح، ونحن من جعلناها مربحة، ولكنهم طردونا، لقد كان أمر قاسيا”.

ذكرت الكاتبة أن الهند نشرت الطيران الوطني والسفن البحرية لنقل المواطنين العالقين، ومن بين جميع مصدري رأس المال البشري، لدى الهند سبب خاص للقلق بشأن عودة المهاجرين، حيث يعمل في الخليج 8.5 ملايين هندي، ومن المتوقع أن يعود 500 ألف هندي إلى ولاية أو مقاطعة واحدة فقط، وهي كيرلا.

ما بين 2014 و2018، شكلت التحويلات النقدية التي أرسلها المهاجرون العاملون في دول الخليج العربي 35% من الناتج المحلي الإجمالي للولاية و39% من الإيداعات المصرفية.

وتعد ولاية كيرلا، من نواحٍ عديدة، مثالا رئيسيا على الفوائد التي تجنيها البلدان عندما يجد عدد كبير من مواطنيها فرص عمل في الخارج، من جهة، وعلى التحديات التي قد يواجهها البلد عندما تحدث الهجرة العكسية، من جهة أخرى.

ووفقا لإيرودايا راجان، وهو أستاذ في مركز دراسات التنمية في ولاية كيرلا، “تقلل الحكومة من شأن عدد المهاجرين العائدين، وأعتقد أن 1.5 مليون هندي على الأقل سيعودون”، وأشار راجان إلى أن الهند ستواجه كارثة بطالة كبيرة، لكن صناع السياسة الحقيقيين لا يأخذون ذلك على محمل الجد.

وقال كبير الاقتصاديين في مؤسسة البحوث “أكسفورد إيكونوميكس” سكوت ليفرمور، صناع السياسة في الخليج أن طرد العمالة الأجنبية من شأنه أن يحل مشكلة معدلات البطالة المرتفعة على المستوى المحلي، لكن هجرة المواطنين الأجانب ستتسبب في انخفاض حاد لأسعار العقارات والإيجارات في منطقة الخليج وستقلل الطلب على قطاعي التجزئة والضيافة اللذين يعانيان بالفعل.

ومن جانبها، نصحت منظمة العمل الدولية بلدان المهاجرين بالاستعداد للاستفادة من مهارات العائدين في تطوير التنمية والنمو الوطنيين، وقد يكون الانتقال أصعب بالنسبة للمهاجرين أنفسهم، وبالنسبة للملايين الذين تمكنوا من العمل في الخليج وتحسين وضعهم الاجتماعي هناك، فقد أعلن فيروس كورونا عن نهاية هذا العصر بالنسبة لهم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى