أول رئيس عربي لمحكمة أميركية: فلسطين هي عنصر وحدة العالم العربي وتجاهلها سبب دماره
هناك مِن اللبنانيّين والعرب في أميركا, مَن يجب ان تزهو بهم أوطانهم لكن عادة لم يسمع بهم أحد. هذا رئيس محكمة (أصله من برعشيت). هو يتحّدث هنا في مقابلة مع جريدة "الحياة":
"كلمتي الأخيرة ستكون عن فلسطين، كلما ابتعد العالم العربي وحاكموه ومثقفوه عن فلسطين كقضية رئيسية كلما أصبحوا مجزئين ومتنازعين ومفتوحين على الصراعات الداخلية والخارجية. وكلما اجتمع اللبنانيون والعرب حول فلسطين واحتضنوها واعترفوا بأن إنشاء دولة إسرائيل كحامٍ للمصالح الإمبريالية أدى إلى انزلاق المنطقة إلى الفوضى والحروب والدمار سرنا على الطريق الصحيح للتغيير. إذا لم نعترف بذلك سنراوح في أماكننا."
المقابلة كاملة هنا:
مبنى المحكمة ضخم، مقارنة بمباني المحاكم المحلية في البلدات المجاورة ويذكّر قليلاً بالبيت الأبيض، لكنني لست في واشنطن بل في ديربورن التي تضم أكبر جالية لبنانية وعربية في أميركا.
لا أتأخر في اجتياز الحاجز الأمني والاحتفاظ بهاتفي المحمول على رغم منعه داخل المبنى: يحقّ للصحافي ما لا يحقّ لغيره أحياناً. تأتي السكرتيرة بوجهها البشوش، تفتح باب المكتب ببطاقتها الإلكترونية ثم ندخل إلى مكتب القاضي سام سلامة، رئيس المحكمة التاسعة عشرة وأول عربي أميركي يُنتخب لهذا المنصب. الحديث معه شيّق، من أحوال العرب الأميركيين إلى السياسة في العالم العربي إلى الأدب والفلسفة. رجل ذو ثقافة واسعة وبديهة، ما زال محتفظاً بطلاقته باللغة العربية كما في الإنكليزية، لكن الأهم هو مبدئيته وتشديده على القضية الفلسطينية كقضية مركزية على رغم منصبه الحسّاس.
يقول القاضي سلامة: «أتيت صغيراً من لبنان إلى ميتشيغن، عملت لدى عمي الذي كان يملك دكاناً في منطقة دِكس وكنتُ أذهب إلى المدرسة. وبعدما أنهيت سنتين في كلية هنري فورد انتقلت إلى جامعة وين ستايت للالتحاق بكلية الحقوق. إثر حصولي على إجازة بدأت العمل في إحدى أشهر شركات المحاماة في المنطقة في تلك المرحلة تحت إدارة المحامي المرحوم مايك برّي الذي لم يكن فقط أحد ألمع المحامين العرب الأميركيين بل أيضاً رئيس مجلس إدارة مقاطعة وين التي كانت رابع أكثر مقاطعة كثافةً سكانية في الولايات المتحدة، وكان على صلة بأعلى الديموقراطيين مركزاً مثل جون كينيدي وهيوبرت همفري وغيرهما. عملت هناك من 1986 حتى تقاعد برّي عام 1999 حين بدأت شركة المحاماة الخاصة بي. بعدها ترشّحت للمنصب القضائي عام 2012 وفزت وسمّيت مباشرةً رئيساً لمحكمة ديربورن وما زلت في هذا المنصب منذ ذلك الحين».
* خلال حملتك الانتخابيّة حرّضت العرب الأميركيين على التصويت، صحيح؟
-هذا صحيح، نحن مجتمع إتني صاعد في أميركا وكما تعرفين الانتخابات تحدد المصير والمستقبل وحجم التأثير والقوة السياسيين لكي تكون جزءاً من عملية صنع القرار. طبعاً السياسيون على المستويين الفيديرالي والمحلّي يدرسون جيداً الأرقام بعد كل انتخابات وثمة إحصاء كل عشر سنوات لتحديد الهوية العرقية للأشخاص وأهوائهم السياسية. وكل فئة من المجتمع لكي تكون فاعلة وموجودة يجب أن يُترجم حضورها عددياً من خلال التصويت والدعم الاقتصادي للمرشحين ومشاركتها في العملية السياسية. للأسف عدد المقترعين العرب الأميركيين الذين صوتوا في الانتخابات الأخيرة لا يعكس الحجم الفعلي للمجتمع العربي الأميركي. فالمقترعون كانوا أقل من 40 في المئة ممن يمكنهم الاقتراع مقابل 55 إلى 58 لدى فئات أخرى. الغريب في الأمر أن العرب الأميركيين يكونون عادةً متحمّسين للانتخابات الرئاسية أكثر ولكن برأيي، على رغم أن التصويت الرئاسي مهم، فإنه ليس بأهمية التصويت المحلي على صعيد المقاطعة والولاية. هؤلاء السياسيون المحليون لهم تأثير مباشر في حياة المواطنين أكثر من الرئيس نفسه الذي، على رغم صلاحياته الواسعة، عليه أن يوازن بين القوى المختلفة وبين 50 ولاية وهذا يعني أنه لن يكون هناك تأثير للصوت العربي بخاصة في سياسة أميركا الخارجية على الأقل في المدى المنظور.
مشكلة أجيال
> لماذا لا يصوّت العرب الأميركيون بالكثافة المطلوبة؟ هل يعود السبب إلى مشكلة الأجيال وكون الجيل الأول من المهاجرين ما زال متعلّقاً بقضايا العالم العربي في حين أن الأجيال اللاحقة تحاول أن تجد مكانها في المجتمع الأميركي؟
-وضعت يدك على القضية الرئيسة: الجيل الأول ما زال يعيش هناك على رغم وجوده الفيزيائي هنا، الأجيال اللاحقة أفضل في أدائها لكن ليس بالشكل المطلوب ولعل ذلك يعود إلى الكسل أو قلة الاهتمام أو الانشغال بأمور أخرى. لكن الأمر في تحسّن لأننا نرى أكثر فأكثر شباباً عرباً أميركيين، لا يشاركون فحسب في التصويت وجمع التبرعات، لكن أيضاً يترشحون لمناصب ويفوزون مثل سوزان دباجة ومايك سرعيني والممثل الرائع في مجلس الولاية عبدالله حمود، وبيل بزي الذي انتخب في ديربورن هايتس أيضاً. ثمة اليوم أيضاً قضاة عرب أميركيون آخرون وهذا أمر مبشّر.
> تحدّثت عن دور الدول العربية في التأثير في السياسة الخارجية الأميركية، هل يمكن هذه الدول أن تفيد من تجربة العرب الأميركيين؟ وهل يستطيع هؤلاء أن يخدموا القضايا العربية بالتوافق مع خدمتهم للمصالح الأميركية؟ تبدو المعادلة مستحيلة أحياناً!
-لا ليست مستحيلة. الدول العربية تتحدّث دائماً عن اللوبي الصهيوني وتأثيره، الصوت اليهودي الأميركي يمثّل أقل من 2 في المئة من المقترعين، لكنهم يساهمون بكثافة في تمويل السياسيين. الدول العربية، خصوصاً الدول النفطية الغنيّة منها، يمكنها أن تستعين بمستشاريها وأن توظّف شركات علاقات عامّة و «لوبيين» (عمل معروف في مراكز القرار) للدفاع عن مصالحها لدى السياسيين والميديا التي تساهم إلى حد كبير في رسم السياسات والتأثير في الرأي العام. ما فعلته الإمارات على هذا الصعيد مثلاً كان جيداً من حيث تسويق مدنها. يمكن العالم العربي أن يروي قصته من وجهة نظره، وتمرير الرسالة وشرح ما يحدث فعلاً في الشرق الأوسط وتغيير صورة العربي لدى الرأى العام الأميركي. يجب أن نثقّف الأميركيين حول المنطقة. الأميركييون شعب رائع ومنفتح وعادةً السكان الذين يعيشون مع العرب يكونون من أشدّ المدافعين عنهم والواقفين ضد الإسلاموفوبيا والتنميط. أفضل مثال على ذلك هم سكان مناطق ديربورن وجنوب شرق ميتشيغن الذين تجدينهم يصححون صورة الأميركيين الآخرين عن العرب متحدثين عن جيرانهم المتحضّرين الذين يشكلون جزءاً من النسيج الأميركي. للأسف معظم السياسيين العرب يركزّون جهدهم على البقاء في مناصبهم ولا يهتمون للمتغيّرات العالمية حولهم. يجب أن نأخذ بزمام الراوية ونحكي نحن حكايتنا.
> بالحديث عن الدول العربية، إذا عُرض منصب رسميّ ما على سام سلامة في لبنان مثلاً هل يقبل به؟ هل عندك طموحات سياسية في العالم العربي؟
– ليس لديّ طموح سيّاسي في الخارج، لكن إذا استطعت المساعدة حتى ولو من دون صفة رسمية، سأكون أكثر من سعيد للتطوّع واضعاً علاقاتي، خبرتي، وعلمي في خدمة بلدي الأم. أنا أقوم الآن بذلك بصفة غير رسمية لكن إذا عُرض عليّ ذلك بصفة رسمية لمَ لا؟ يسعدني جداً أن أخدم وطني.
– بالعودة إلى مسيرتكَ، دخلت إلى القاعة نفسها التي عملت فيها كمحامٍ من قبل لكن كقاضٍ في العام 2012، كيف كان شعورك بخاصة أنك كنت أول عربي أميركي يتبوأ هذا المنصب؟
– طموح كل محام أن يصبح قاضياً يوماً ما، تدرّبتُ في هذه المحكمة كمحام لفترة وخدمت مدينة ديربورن ككاتب في المحكمة أيضاً قبل أن أصبح رئيسها. ثمة فرق بين المنصبين، كمحام عليك أن تبذل جهدك في شرح القضية وانتظار قرار القاضي، لكن كقاض يمكنني أن أتواصل جيداً مع المحامين وفهم وجهة نظرهم لأني كنت مكانهم. خدمت في المكانيين وهذا يسمح لي بفهم الأمور بطريقة أفضل. ثمة قضايا يجب فهمها ضمن إطارها وعدم إخراجها من سياقها العام وقراءة ما بين السطور لكن كمحكمة نأخذ دائماً بالأدلّة المقدّمة أمامنا، إنما مع وجود الخبرة اللازمة نستطيع أن نقرن العدل بالعدالة.
الدياسبورا اللبنانية
> هل الحكومة اللبنانية مقصّرة بحق المغتربين؟ ماذا تطلب من السياسيين في لبنان؟
-أظن أن الدياسبورا اللبنانية ذخرٌ كبير للبنان. المغتربون اللبنانيون في أصقاع الأرض كلها يحبون بلادهم ويريدون أن يخدموه. للأسف لا توجد إرادة سياسية للتواصل معهم وتجميعهم. طبعاً أولوية السياسيين هي البقاء في كراسيهم، ليس فقط على حساب المغتربين، بل على حساب وجود الوطن نفسه. هم يخدمون مصالحهم أولاً وأخيراً. هذه مشكلة كبيرة، هؤلاء المغتربون أكثر من مستعدين ومتحمسين وهم يدعمون الاقتصاد في شكل كبير ولكنهم لا يجدون إطاراً لترشيد جهودهم. ماذا أطلب من السياسيين في لبنان؟ أطلب منهم الاهتمام بالمقيمين قبل المغتربين، البنى التحتية، البيئة، الصحة، الماء والهواء النظيفان، مراقبة الطعام، معالجة ملفات النفايات إلخ… بعد الانتهاء من كل ذلك فليهتموا بنا، لكن حتى ذلك الوقت سنكون ما زلنا نساعد البلد.
> أعود إلى سؤال عام قليلاً، ما رأيك بما سُمي الربيع العربي وهل من أمل بالتغيير في المنطقة؟
– كلمتي الأخيرة ستكون عن فلسطين، كلما ابتعد العالم العربي وحاكموه ومثقفوه عن فلسطين كقضية رئيسية كلما أصبحوا مجزئين ومتنازعين ومفتوحين على الصراعات الداخلية والخارجية. وكلما اجتمع اللبنانيون والعرب حول فلسطين واحتضنوها واعترفوا بأن إنشاء دولة إسرائيل كحامٍ للمصالح الإمبريالية أدى إلى انزلاق المنطقة إلى الفوضى والحروب والدمار سرنا على الطريق الصحيح للتغيير. إذا لم نعترف بذلك سنراوح في أماكننا. طبعاً هذا الكلام ليس موجهاً ضد اليهود الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من المنطقة والإسلام اعترف بوجودهم ومكانتهم ولم يميّز ضدهم أو ضد المسيحيين لأن المسيحية واليهودية شكلتا جزءين للوصول إلى الفصل الأخير وهو الإسلام. لن تحلّ المشاكل حتى تعود هذه الديانات الثلاث إلى التعايش كما في السابق وتندحر الصهيونية وما سببته من انقسامات ومآسٍ في المنطقة.
http://www.alhayat.com/…/أول-عربي-ينتخب-رئيسا-لمحكمة-أميركية