كتاب وآراء

التيار الاسلامي (في العراق) واختبار جديد


* عبد الجليل الزبيدي 

قضي الامر الذي فيه تستفتيان  ..التيار الصدري قائد المرحلة المقبلة ..وامامه امتحان صعب وحزمة من المشكلات الاقتصادية والسياسية والامنية ..  فهل ينجح ؟ 
 وهل سيتحول هذا الفوز وتجربة الحكم للتيار الصدري الى فخ حينما يفشل باعتباره تيار اسلامي شعبوي حوزوي ؟ 
 قبله وطيلة خمس عشرة عاما اخفقت حكومات الحركة الاسلامية في اغلب المستويات الاساسية والمهام الستراتيجية الاقتصادية والسياسية والامنية وان هذا الاخفاق قد تسبب في تصدع صورة عريقة تعود الى ستة عقود من تاريخ العمل الحركي والدعوي  (حسبما خرجت به استطلاعات رأي عشوائية) وايضا طبقا لما تكتنزه مخيلة الفرد العراقي من صور اسطورية للمخلص الآتي بعد رحيل نظام صدام حسين . 
 اما الطبقة المتوسطة والمتعلمة العراقية فليس لديها ما تقيسه في محاسبة  الاسلاميين ( الحكام الجدد) سوى المقارنة مع التجارب الاسلامية الناجحة بدرجات في كل من ايران وماليزيا وتركيا.
ويقول خبراء علم الاجتماع ان الجمهور العام والنخبة في العراق يعتمد اسلوب الاسقاط والانعكاس العشوائي في اطلاق الاحكام على الاشياء وبصورة  عاطفية وانفعالية  وذلك مع غياب المعايير المنطقية والعلمية التي تتنافر مع (رهاب) الخوف من المستقبل المجهول. 
فهل يدرك الزعيم مقتدى الصدر جسامة وعظمة وخطورة المسؤولية؟؟ لان في هذه المرة سينسحب الفشل ليس فقط على النخبة كما في التجربة الحركية بل سينعكس احباطا على جمهور الشارع الاوسع وهو ما يهدد الحركة الاجتماعية المذهبية  الايمانية التقليدية  بما في ذلك اهتزاز العلاقة مع مؤسسة المرجعية .
وليس غريبا هذا الامر على المجتمع العراقي، فهذه الحالة مر بها المجتمع في اربعينيات القرن العشرين حينما اعتكفت الحوزة النجفية على نفسها بعد عودتها من المهجر ، فحصل انحسار في المعتقدات الايمانية  بحيث استغل الفراغ الحزب الشيوعي الذي تحول الى حزب الشارع بسرعة لافتة . .. 
احد  الدعاة الحركيين ممن خاضوا محنة الداخل والصراع مع النظام الاستبدادي السابق ، سالته وقبل خمسة عشر عاما : لم رفضت المناصب ولماذا اعتكفت مقابل الآتين من رفاقك من الخارج؟! 
اجاب قائلا :  ارى في الامر خدعه  وما يحدث هو هرولة للسلطة حيث قفز الدعاة من منبر الوعظ والارشاد الى كرسي الحكم من دون النزول من خلال جمهور المتفرجين!! 
صديقي ذهب اكثر من ذلك وقال : ان ما يحصل جنون لان العراق ما بعد 2003 ليس مؤهلا لادارة مباشرة من قبل الاسلاميين ولاسباب كثيرة ..
قلت : وماهي هذه الاسباب؟  اليست الشعارات اللتي رفعت في اغلب الانتفاضات والحركات الثورية في العراق كانت اسلامية ؟ 
 قال: ان امة خرجت للتو من سجن الكبت الى الحرية والانعتاق من الصعب قيادتها عبر اطر تنظيمية وادارية بما في ذلك اطر الحكومة والدولة ، وان الطامة الكبرى هي في ( فخ ) الديمقراطية الذي جرى تصميمه لاضعاف مركز السلطة وتفكيك منظومة القوة السياسية والقانونية في العراق .. 
ثانيا : وهو الاهم هو ان نظام البعث وطيلة 35 عاما نجح في قطع رؤوس القيادات الارشادية والتوعوية الميدانية والتي تظهر طبيعيا وتلقائيا في اي مجتمع مسلم .  وبذلك نجح النظام في خلق تدين لدى  الامة  عاطفي وشعاراتي وعشوائي وغير منظم وغارق في الطوباويات الى حد الخرافات التي تزدهر في المجتمعات المنغلقة والتي حرمت من التسديد والتشذيب في السلوك والمعتقد.
ولذلك تجد العلاقة الحالية بين الجمهور والقيادات الاسلامية بما فيها المرجعيات تقوم على اساس الزعاموية التي تشتغل على صدمات العقل الجمعي وليس التدين المؤطر والمؤدلج الذي اشتغل عليه الزعيم نجم الدين اربكان طيلة ثلاثة عقود واسس قاعدة شعبية متدينة ومؤدلجة في المجتمع التركي ومهدت للفتى رجب طيب اردوغان وعلى اساسها قفز الى السلطة بسلاسة وظلت تلك القاعدة متماسكة ورصينة وتسنده الى اليوم .
 صديقي اختتم اجابته قائلا: ان اللعبة في العراق تقضي على مايبدو ، باسقاط المشروع الاسلامي بمفرداته واحدة تلو الاخرى وفي غضون عشرين عاما ، لان ما يخطط لمستقبل العراق غير الذي هو عليه الان. (الى هنا انتهى الاقتباس من كلام صديقا الداعية الزاهد) .
وبغض النظر عن صحة او عدم صوابية صديقنا الداعية .  يبدو مما سبق ان التيار الاسلامي بل وحتى المؤسسة الدينية ولاسيما الشيعية منها انها واقعة في دائرة الاستهداف، وعليه ؛  هل سيتمكن السيد الصدر ورفاقه في المشتركة الاسلامي انهاء لعبة الاستهداف؟
وماهي امكانية المراجعة باتجاه اعادة انتاج وعي حركي اسلامي معتدل ويوازن مابين الثوابت ومابين المستحدث من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع العراقي واللتي افرزتها تجربة السنوات الخمس عشرة الاخيرة ؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى