كتاب وآراء

على هامش نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية.. حتمية التوافق بين الفائزين

علي المؤمن*

بصرف النظر عن الجدل الموضوعي بشأن نسبة المصوتين، والخروقات، والاتهامات بالتزوير؛ فإن النتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات تؤكد عدم وجود كتلة متفردة بالفوز، وحتمية التوافق بين الكتل الفائزة لتشكيل الكتلة الحكومة الجديدة.
     الكتلة الفائزة بالمعني القانوني هي الحاصلة على أغلبية الثلثين؛ أي ثلثي عدد مقاعد مجلس النواب العراقي (219 مقعداً)؛ لتتمكن بمفردها من اختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة؛ وفق توصيف الدستور العراقي (المادة 70)، أو أنها الفائزة بالأغلبية المطلقة؛ أي النصف زائد واحد من عدد مقاعد البرلمان، وقوامها (165) مقعداً؛ محققة بذلك أغلبية برلمانية تؤهلها لتشكيل الحكومة بمفردها (المادة 74). هذا هو المفهوم القانوني للكتلة الفائزة. أما الكتل التي تفوز بأقل من هذا العدد فهي فائزة فوزاً نسبياً؛ أي أن الكتلة التي تفوز بمقعد واحد أو تفوز بـ (164) مقعداً؛ تعد فائزة نسبياً. أما الكتلة التي تحصد عدداً من المقاعد أكثر من الكتل الأخرى منفردة فتكون قد حققت أغلبية بسيطة، وهذه الأغلبية لا أثر قانوني لها؛ وإن حصلت على (164) مقعداً.
      أما الكتلة الخاسرة فهي التي لم تحصل على أي مقعد في البرلمان. وإذا عممنا هذا المفهوم على سياقات تشكيل السلطات أنظمة الديمقراطيات التقليدية؛ والتي ترتبط بقواعد الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة؛ فستكون كل كتلة لم تحصل على النصف زائد واحد من مقاعد البرلمان هي كتلة خاسرة. وهذا ماينطبق على أصوات المرشحين أيضاً. فالذي يفوز بمليون صوت يحصل على مقعد واحد فقط، ويمنح باقي أصواته تلقائياً لمن معه في القائمة. وكذا الذي يحصل على (1000) صوت ويفوز بمقعد في البرلمان؛ فإنه يعد فائزاً أيضاً، ولاتختلف حقوق الإثنين وواجباتهما وحظوظهما داخل البرلمان.
     و في ما يختص بنتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الحالية؛ فإن الكتل الفائزة في الانتخابات بلغت حوالي (15) كتلة، وهي التي حصلت من مقعد واحد وأكثر. ولكن إذا دخلنا في تفاصيل الأعداد؛ فإن هناك سبع كتل فائزة كبيرة؛ هي التي حصلت على (20) مقعداً وأكثر؛ الأمر الذي يجعلها أكثر قدرة من الكتل الأخرى على المناورة في مجال عقد التحالفات، وتكوين الكتلة الأكبر، وصياغة مسار تشكيل الحكومة الجديدة. و كلما زاد عدد مقاعد الكتلة بفارق كبير مع الكتل الأخرى؛ فإن حظوظها ستكون أكبر في طرح مرشحها لرئاسة الحكومة والإمساك بزمام العملية السياسية وحركة الدولة. وهو ما لم تحظ به أي من الكتل السبع الكبيرة. وبالتالي لاتوجد كتلة واحدة كبيرة فائزة في هذه الانتخابات؛ بل توجد أكثر من كتلة كبيرة فائزة. والفرق بين كتلة فائزة وأخرى هو الفارق في عدد المقاعد، وهو وفق النتائج الأولية فارق ضئيل؛ لاسيما بين الكتل الثلاث الأولى (سائرون، الفتح والنصر).
      و إذا نظرنا في نتائج الدورتين الانتخابيتين البرلمانيتين العراقيتين الأخيرتين (2010 و2014)؛ سنجد الحقائق المذكورة ماثلة بقوة؛ ففي العام 2010 حصل ائتلاف الوطنية برئاسة إياد علاوي على (91) مقعداً، مقابل (89) مقعداً لائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، وأعلن علاوي أن كتلته فازت في الانتخابات، وطرح حينها مفهوماً خاطئاً من الناحيتين السياسية والقانونية؛ لأن ائتلافه لم يفز بالانتخابات؛ بل تفوّق بمقعدين فقط على ائتلاف دولة القانون، وهو تفوق ليس له أثر قانوني مطلقاً؛ لأن الأثر القانوني يترتب على تشكيل الكتلة الأكبر قبل دخول الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، وليس الكتلة التي تحصد أكثر عدد من المقاعد في الانتخابات (تفسير المحكمة الإتحادية). ولذلك تحالف حينها ائتلاف دولة القانون مع الائتلاف الوطني الموحد وشكلا الكتلة الأكبر. وحتى هذه الكتلة الأكبر التي بلغت مقاعدها (154) مقعداً؛ لم تكن الكتلة الفائزة بالمعنى القانوني؛ إذ احتاجت الى (11) مقعداً اضافياً لتشكل أغلبية مطلقة (النصف زائد واحد). وفي النتيجة لم تستطع الكتلة التي فازت بـ (91) من طرح مرشحها لرئاسة الوزراء؛ بل كانت رئاسة الوزراء من نصيب الكتلة التي حصلت على مقاعد أقل؛ لأنها استبقت تاريخ الجلسة الأولى وتحالفت مع كتلة أخرى لتشكيل الكتلة الأكبر.
      وفي العام 2014؛ فاز ائتلاف دولة القانون بـ (92) مقعداً، وكان يمثل الكتلة الأكثر  عدداً؛ إلّا أنه لم ينجح حتى في الحصول على فرصة تكليف مرشحه لرئاسة الوزراء. وكان مسار تكليف المرشح البديل وتشكيله الحكومة حينها مبنياً على مركّب عجيب من التوافقات. وسواء رضينا أم لم نرض عن هذا الحجم المعقد من التوافقات؛ فإن سياقات تشكيل الحكومة العراقية القادمة لا تستطيع تجاوزها الآن.  
       وبالتالي؛ فإن الذي يحدد مسار ترشيح رئيس الحكومة العراقية وتشكيلها ليس عدد الأصوات التي يحصل عليها المرشح أو الكتل الفائزة فوزاً نسبياً، أو عدد مقاعدها؛ بل التوافقات والموافقات، وهي لاتقتصر على عدد مقاعد الكتل الفائزة وحسب؛ بل تشتمل على الرؤى التي تطرحها مرجعيتي النجف وطهران ودولة أمريكا؛ قبلنا بذلك أو لم نقبل.
      وستكون مسارات تشكيل الحكومة العراقية هذه المرة أكثر تعقيداً؛ لأن أعداد مقاعد الكتل الفائزة الكبيرة متقاربة نسبياً؛ على العكس من نتائج انتخابات العامين 2010 و2014، والتي كانت أقل تعقيداً من نتائج الانتخابات الحالية. ففي العام 2010 كانت هناك ثلاث كتل كبيرة فقط (ائتلاف دولة القانون وائتلاف الوطنية والائتلاف الوطني الموحد)، وفي العام 2014 كان الفرق بين الكتلة الأكبر (دولة القانون) والكتل الفائزة الأخرى كبيراً؛ إذ حصلت الكتلة الثانية في عدد المقاعد (كتلة التيار الصدري) على (34) مقعداً؛ أي أن الفارق بين الكتلة الأولى والثانية كان (58) مقعداً.
      ونقف هنا على تفاصيل الفروقات في أعداد المقاعد بين الكتل السبع الكبيرة الفائزة في الانتخابات الحالية؛ لتوضيح حجم التعقيدات في تشكيل الكتلة الأكبر؛ ثم كتلة الأغلبية المطلقة؛ ثم التوافق على تشكيل أغلبية الثلثين:        
1- تحالف سائرون برعاية السيد مقتدى الصدر؛ حصل على (54) مقعداً، ولايتجاوز الفارق بينه وبين الكتلة التي تليه (الفتح) السبعة مقاعد.
2- تحالف الفتح برئاسة هادي العامري حصد (47) مقعداً، والفارق بينه وبين الكتلة التي تسبقه (سائرون) سبعة مقاعد، والكتلة التي تليه (النصر) خمسة مقاعد فقط.
3- ائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي الذي بلغت مقاعده (42) مقعداً، ولايتجاوز الفارق بينه وبين الكتلة التي تسبقه خمسة مقاعد فقط، والكتلة التي تليه (دولة القانون) ستة عشر مقعداً.
4- إئتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي حصل على  (26) مقعداً، والفارق بينه وبين القائمة التي تسبقه (16) مقعداً، والقائمة التي تليه (الحزب الديمقراطي الكردستاني) مقعداً واحداً فقط.
5- الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ بلغت مقاعده (25) مقعداً، والفارق بينه وبين الكتلة التي تسبقه مقعداً واحداً فقط، والكتلة التي تليه أربعة مقاعد.
6- ائتلاف الوطنية برئاسة إياد علاوي حصل على (21) مقعداً؛ أي أن مايفصله عن القائمة التي تسبقه أربعة مقاعد، والقائمة التي تليه (تيار الحكمة) مقعداً واحداً فقط.
7- تيار الحكمة برئاسة السيد عمار الحكيم حصد (20) مقعداً، ولايتجاوز الفارق بينه وبين الكتلة التي سبقته سوى مقعداً واحداً فقط.    
     وعليه لابد من التحالف بين بعض هذه الكتل أو جميهعا لتحقيق ما يلي:
1- تشكيل الكتلة الأكبر؛ ليتم تكليف مرشحها بتشكيل الحكومة. ومن السيناريوهات المحتملة في هذا المجال:
أ‌- سائرون مع النصر والحكمة: (116) مقعداً
ب‌-  الفتح مع النصر و دولة القانون: (115) مقعداً
         مايعني أن الخطوة الأولى في طريق التوافق ستكون معقدة، وأن المسافات بين المتنافسين شبه معدومة. ولو استطاع التحالف (أ) إضافة كتل أخرى؛ فإن التحالف (ب) سيتمكن أيضاً من إضافة كتل جديدة إليه.  
2- تشكيل الأغلبية البرلمانية المطلقة: (165) مقعداً؛ بهدف انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، ورئيس الحكومة. وهو يحتاج الى أن تتحالف الكتل الكبيرة بأجمعها.  
3- تشكيل أغلبية الثلثين البرلمانية: (219) مقعداً؛ بهدف انتخاب رئيس الجمهورية. وهو بحاجة الى تحالف واسع جداً يضم جميع الكتل الكبيرة والمتوسطة.
     أي أن طبيعة التوافق على انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة تحول دون عزل أية كتلة؛ لاسيما التي يزيد عدد أعضائها على خمسة مقاعد، ولايتم إلّا بإشراكها. وهذا الإشراك الطوعي تترتب عليه مكاسب داخل البرلمان وفي الحكومة وفي رئاسة الجمهورية؛ الأمر الذي يجعل (بدعة) النقاط؛ على أساس عدد المقاعد، والتي تعطي لكل كتلة برلمانية حصتها من المناصب؛ هي مفتاح حل عقد تشكيل الحكومة العراقية القادمة.
———-

كاتب وباحث عراقي

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى