لحظة الحقيقة في الحرب على اليمن
مقال اليوم: لحظة الحقيقة في الحرب على اليمن
كتب: عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية
السبت 8 أيلول / سبتمبر 2018.
عشية توجه الوفدان اليمنيان إلى جنيف للمشاركة في محادثات يرعاها الموفد الأممي، نسبت قناة "العربية" للوزير عادل الجبير قوله إن "الحل العسكري لن ينهي الأزمة اليمنية"، فيما كانت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية تصدر بـ"مانشيت" عريض يقول "الإمارات: معاناة اليمن لا تنتهي إلا بعملية سياسية" … نحن إذن أمام لغة جديدة، تقوم على الاعتراف بفشل الخيار العسكري ووجوب البحث عن حل سياسي للأزمة الممتدة لأكثر من ثلاث سنوات، وأسفرت وفقاً للتقارير الأممية عن اندلاع أسوأ كارثة إنسانية معاصرة.
تبدد الوهم بالحزم والعزم والحسم، وجنحت الأطراف بعد أن أعيتها الحرب العبثية لخيار التفاوض والبحث عن حلول وسط … لا أحد بمقدوره إلغاء الآخر، وموازين القوى في حالات مماثلة، لا تحسب بأعداد الدبابات والطائرات، التي يمتلكها هذا الطرف أو ذاك، مهما بلغت درجة حداثتها وتطورها … لا بد من العودة إلى خيار التفاوض والحوار، واستئناف ما انقطع من تفاهمات يمنية داخلية، ورفع الأيدي الخارجية عن هذا البلد، أياً كانت هذه الأيدي، وترك اليمنيين يقررون مصيرهم بأنفسهم.
من يتأمل المشهد اليمني، وما يستطبنه من مآسٍ إنسانية، بلغت حداً غير مسبوق، يدرك أن كلفة استمرار هذه الحرب باتت عصيّة على الاحتمال … ليس على المدنيين الأبرياء الذين يُقتّلون ويُجرّحون ويُهجّرون فحسب، بل وعلى أطراف الصراع المحلية والإقليمية على حد سواء.
يستطيع الحوثي و"أتصار الله" القتال بالضراوة ذاتها لسنوات عديدة قادمة … هذا درسٌ تكشفت عنه، وبرهنت عليه، تجربة الحرب اليمنية في سنتها الرابعة، وامتداد ساحاتها وميادينها، وتعدد أسلحتها وأدواتها … لكن الحوثي وحلفائه، بدأوا يتلمسون لمس اليد، حجم الكارثة الإنسانية التي تضرب بيئتهم الحاضنة … وهم إذ نجحوا حتى الآن، في توجيه غضب مؤيديهم ضد خصوم الداخل والخارج، كما يتضح من المسيرات المليونية التي ما انفكوا قادرين على تسييرها في شوارع صنعاء وميادينها، إلا أن لطاقة الشعب، أي شعب، سقوفاً وحدوداً للاحتمال، وفي ظني أن الشعب اليمني، شارفها حتى لا نقول جاوزها.
ويستطيع تحالف "الشرعية" أن يزعم ما شاء من انتصارات واختراقات على جبهات القتال، وأن يدعي الحسم واستعادة السيطرة على المنطقة ذاتها، مرات ومرات، لكنه لن يستطيع تجاهل حقيقة أن ما ينتظره من معارك وحروب، أشد قسوة وهولاُ، وربما أطول أمداً، من كل ما سبق، ومع كل اقتراب من معاقل الحوثي وبيئته، تشتد ضراوة القتال وترتفع أكلافه البشرية والمادية والإنسانية في كل الأحوال.
ولن يصمد هذا الفريق طويلاً، فيما "بيئته الحاضنة" في الجنوب و"المحافظات المحررة" تميد من تحت أقدامه، فقد شهدنا وتابعنا، من مصادر مفتوحة وغير مفتوحة، كيف ينقلب المشهد على رأس "الشرعية" وحلفائها، في عدن والمكلا ومحافظات الجنوب، ورأينا كيف "يتنفس" الصراع بين "الإصلاح" وقوات الحزام والجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة هادي وإمرته… ورأينا كيف انتفضت المهرة وسوقطرى ضد اعتبرهم سكان هذه المحافظة "احتلالاً" ومليشيات تابعة له …. رأينا صور رمز الشرعية وحلفائها، تُحرّق في الساحات والميادين، واستمعنا إلى هتافات المتظاهرين وصيحاتهم المطالبة بعودة اليمن لليمنيين.
لقد أرادوا بالحرب على الريال اليمني، حشر الحوثيين، وقد نجحوا خصوصاً بعد وقف الرواتب والتحويلات، لكن المفاجأة الكبرى التي لم يحسب حسابها أحد، أن هذه الحرب ارتدت على "المحافظات المحررة"، وخرجت المظاهرات الكبرى تحرق وتدمر وتقطع الطرق وتحرق الصور، فكانت تداعياتها وآثارها على بيئة الشرعية، أشد خطورة منها على مناطق سيطرة الحوثي وأنصار الله، أو لا تقل عنها في أدنى تقدير.
ثم، أن العالم برمته بدأ يضيق ذرعاً بأنباء الكارثة الإنسانية التي تعتصر اليمن واليمنيين، وبالضحايا من المدنيين الأبرياء، الأطفال بخاصة، الذين توالت عمليات استهدافهم بالعشرات، وبدأت الدول المصدرة للسلاح، وتحت ضغط الرأي العام فيها وبفعل جهود منظمات حقوق الانسان، تقرر الامتناع عن تصدير السلاح والقذائف لدول التحالف، وبدأت فاتورة هذه الحرب، على صورة وسمعه هذه الأطراف، بالارتفاع على نحو متزايد … لقد استنفذت الحرب أغراضها، وتحولت من عبء على المستهدفين بها إلى عبء على من قررها وانخرط فيها، سياسياً وأخلاقياً ومالياً ومعنوياً.
هي لحظة الحقيقة والاستحقاق في الأزمة اليمنية، تدنو يوماً إثر آخر، وقد تستطيع المناورات الصغيرة أو عمليات المماطلة والتسويف، أو محاولات الخروج بأقل قدر من الخسائر، أو حفظ ماء الوجه، إبطاءها أو إرجاءها بعضاً من الوقت، بيد أنها لن تفلح في تقطيع طرقها وسبلها … اليمن يقترب من طي صفحة الحرب المدمرة، لكنه سيكون بحاجة لسنوات وعقود لترميم ما دمرته هذه الحرب.