تحقيقات

تعرف على أحد أهم أسرار النجاح في عملك

تفيد بعض الدراسات بأن شعورك بالارتياح في مكان عملك وبأنك تحظى بالقوة والدعم للتصرف دون شعورٍ بالخوف، يفسح لك المجال للإقدام على مجازفات أكثر وللتعبير عن آرائك بصورة أكبر، ولحل المشكلات بشكلٍ أفضل. لكن يتعين على رؤسائك توفير "مساحة آمنة" ليؤدي الجميع أدوارهم دون خشية من شيء.

في يومٍ ما، فوجئت لوسي بارسونز بمديرها يصل إلى مكان العمل وقد اختفى شاربه المعتاد. كان أمراً بسيطاً، ولكنها شعرت على الرغم من ذلك بالتوتر بسببه. فهل يجب عليها التطرق لهذه المسألة أم لا؟ وهل سيكون من المقبول أن تطلق دعابةً سريعةً حول الأمر، أو على الأقل أن تطرح تساؤلاً عما حدث لشاربه؟

في ذلك الوقت كانت لوسي في الثالثة والعشرين من عمرها، وقد استكملت لتوها مشروع التخرج الخاص بشركتها. كانت تعمل في مشروعات مثيرة للاهتمام في إحدى شركات البيع بالتجزئة في بريطانيا، وبدا مسارها المهني واعداً. لكنها عانت لكي تتمكن من استيعاب القواعد الدقيقة وغير المكتوبة لعالم الشركات والمؤسسات. 

قلق لوسي في هذا الشأن سيلقي تفهماً من جانب الكثير من الموظفين والعمال، فكثيرٌ مما نفعله في أماكن العمل ينطوي – إذا أمعنّا النظر فيه – على قدرٍ من المخاطرة.

فماذا سيحدث إذا لم يرق لشخص ما أحد جوانب شخصيتك؟ وما هو الخط الفاصل بين أن تكون ودوداً مع من حولك أو أن تصبح مزعجاً لهم؟ وما هي خصالك الشخصية التي يمكنك أن تُطلق لها العنان في بيئة العمل، دون أن تتخوف من حدوث عواقب سلبيةٍ لذلك؟

على أي حال، تبين أن هناك انعكاسات مهمةً للطريقة التي يسمح بها فريق العمل في مكانٍ ما لأفراده بأن يتصرفوا على سجيتهم، وهم يشعرون بالراحة دون أي ضغوط. 

وقد أفادت دراسةٌ أُجريت حديثاً بأن بيئات العمل التي يشعر الناس فيها بأنهم يستطيعون الإقدام على مجازفات مرتبطة بعلاقاتهم واتصالاتهم مع من حولهم، لا تؤدي لنتائج أفضل فحسب، بل تكون أكثر ابتكاراً وتزيد فيها فرص حل المشكلات بكفاءة وفعالية.

ويُطلق على هذا الأمر "السلامة النفسية"، وهو عبارةٌ عن اعتقادٍ يسود بين أعضاء فريق عملٍ ما، مفاده بأنهم بمأمنٍ من أي عواقب للإقدام على أي مجازفة متعلقة بالاتصالات والعلاقات بينهم وبين بعضهم بعضاً. بل إن توافر أجواء "السلامة النفسية" هذه يغير بيئة العمل بطرقٍ مدهشة.

 

لماذا يكون "الأمان النفسي" أهم من التحلي بالموهبة؟ 

أحياناً يصبح من الصعب على المرء أن يجهر برأيه في مكان العمل أو يختلف مع زملائه. وفي بعض بيئات العمل يترتب على ذلك خطرٌ حقيقيٌ، يتمثل في تعرض من يفعل ذلك للإحراج والرفض أو حتى العقاب. وتعني "السلامة النفسية" أن يصبح بمقدور الناس في بيئة العمل الإقدام على مجازفات مثل هذه، وهم يشعرون بأنه لن يحيق بهم أي ضرر.

ويقول ألكسندر نيومان وهو عالم نفسٍ وباحثٌ في جامعة ديكين الاسترالية إن هذا الأمر يتمثل في "المقدرة على أن يتشاطر المرء أفكاراً مختلفةً (عن تلك التي يؤمن بها الآخرون) دون أن يشعر بأنه منبوذ". 

ويشمل ذلك مواقف وسلوكيات مثل التحلي بالقدرة على مناقشة القضايا بالتفصيل وبشكل شامل، وعلى لفت الانتباه للمشكلات وطلب المساعدة، أو حتى على مجرد أن يكون المرء مختلفاً دون أن يشعر بالرفض ممن حوله.

وقد جرى التوصيف العلمي لهذا المفهوم في دراسة نُشِرَتْ عام 1999، وأعدتها إيمي إدمنسون الباحثة في جامعة هارفارد، بعدما درست كيف يمكن لفريق عملٍ ما أن "يحصل على البيانات التي تسمح لأفراده بالتكيف وتحسين (قدراتهم)، وكيف يعالج الفريق هذه البيانات كذلك".

وتصف إدمنسون هذه المقدرة بأنها "سلوكٌ مرتبطٌ بالتعلم". وقد وجدت أن قدرة أي فريق عملٍ على التعلم زادت كلما كان أفراده يشعرون بأنهم أكثر أمناً من عواقب أي مخاطرات متعلقة بعلاقاتهم مع زملائهم. 

وقد اعتقدت إدمنسون بأن اكتشافها في هذا الصدد مهم. وقالت: "إن فرق العمل في أي مكان في وضعٍ يُمَكِنُها من أن تكون مصدراً مهماً للسلامة النفسية" لأفرادها، وذلك في ظل وجود نذرٍ بأن تشهد الشركات في المستقبل قدراً أكبر من الضبابية، وتغيراتٍ أكثر وأماناً وظيفياً أقل.

ومنذ ذلك الحين، كُشِفَ النقاب عن وجود علاقة ارتباطية بين توافر "السلامة النفسية" والأداء على نحوٍ أفضل والتحلي بقدرة أكبر على الابتكار والإبداع من جانب فرق العمل ككل. أما على المستوى الفردي، فيقول الباحثون إن وجود هذه الأجواء يؤثر إيجاباً على العاملين، وذلك على صعيد مدى التزامهم في العمل ومشاركتهم بإخلاص فيه. 

وقد أصبح مفهوم "السلامة النفسية" يمثل صيحةً رائجةً بحق بعدما نُشِرَتْ في عام 2016 دراسةٌ أُجريت في شركة غوغل، وكشفت عن أن فرق العمل الأفضل أداءً في الشركة لم تكن الفرق التي تتضمن الأشخاص الأكثر مقدرةً او موهبةً، وإنما تلك التي تفوقت على صعيد العمل بشكلٍ جماعي. 

وبالتالي، تبين أن المؤشر الأفضل على كفاءة فريقٍ عملٍ ما هو توافر "السلامة النفسية" فيه، حسبما يقول دليلٌ إرشاديٌ داخليٌ في شركة غوغل.

وكتبت جوليا روزوفسكي المعدة الرئيسية للدراسة، وهي باحثةٌ تابعةٌ لهذه الشركة العملاقة في مجال التكنولوجيا، تقول إن فرص ترك العمل في غوغل تقل لدى من ينضوون تحت لواء فرقٍ تسودها هذه الأجواء، وأن احتمالية استفادة هؤلاء من القوة النابعة من تنوع الآراء الخاصة بزملائهم تزيد مُقارنةً بسواهم، كما أنهم يجنون إيراداتٍ أكبر، فضلاً عن أن نسبة تصنيفهم من جانب مديريهم التنفيذيين على أنهم موظفون أكِفاء وفعالون تفوق أقرانهم بنسبة الضعف. 

موظفون في مكتب العملمصدر الصورةGETTY IMAGES
Image captionرغم أن البعض يحرص على توخي الحذر في مكان العمل، يقول الخبراء إنك ستصبح أكثر إنتاجيةً وقدرةً على الابتكار كلما كان بمقدورك التعبير عن نفسك

وتبدو "السلامة النفسية" وكأنها الدواء السحري الذي تضعه إدارة الموارد البشرية في جعبتها لعلاج كل "أمراض" بيئة العمل. لكن توفير أجواءٍ مثل هذه يجري بطريقة تنافي ما هو متوقعٌ على ما يبدو. 

ففي فرق العمل التي يهيمن عليها أسلوب "التفكير الجماعي" – وهو نوعٌ من التفكير تحاول عبره جماعةٌ ما تقريب وجهات نظر أفرادها لتجنب دخولهم في صراع والوصول لاتفاقٍ دون أن يتبادلوا الانتقادات – أو في الفرق التي يصبح ارتكاب الأخطاء أو الإقرار بها مكلفاً لأصحابها؛ يميل العاملون إلى تعزيز مواقعهم الشخصية وأن يبدوا أقل عرضةً للهجوم والانتقاد من جانب أقرانهم. 

لكن توفير أجواء "السلامة النفسية" يستلزم تبني السلوكيات المناقضة لذلك على طول الخط، ففرق العمل بحاجة إلى تقبل فكرة أن المرء عرضةٌ دائماً لارتكاب أخطاء وتلقي انتقادات، وهو ما يقلل من تكاليف الإقدام على المجازفات في صفوفها. 

وكتبت روزوفسكي في هذا السياق: "كلما كان أفراد الفريق يشعرون بالأمان النفسي في تعاملاتهم مع بعضهم البعض، زادت فرص إقرارهم بالأخطاء، ومشاركتهم للزملاء في العمل، وكذلك تقبلهم القيام بأدوارٍ جديدةٍ". 

إعطاء العاملين فرصةً للتعبير عن آرائهم

ومن أجل تحقيق ذلك، يتعين على العاملين بلورة فهمٍ كافٍ لبعضهم بعضاً والتعاطف مع الآخرين ومحاولة إدراك كيف ينظر هؤلاء إلى الأمور. 

وهنا يقول نيومان: "ينبغي عليك التيقن من أن الكل يحترمون أراء بعضهم البعض". فالأمر لا يقتصر على ضرورة أن ينصت العاملون لبعضهم بعضاً، وإنما يشمل تفهمهم لوجهات نظر أقرانهم. فإذا عرفت سبب تصرف شخص ما بطريقة بعينها، ستشعر بميلٍ أقل لأن تصبح قاضياً يحكم بشكل صارمٍ على أفعاله. 

ويضيف نيومان أن ذلك يَصْدُقْ بشكلٍ خاصٍ على من يجاهدون لاستيعاب أعراف المجموعة التي ينتمون إليها، مثل العمال الخجولين أو من هم صغارٌ في السن للغاية، أو من يواجهون حواجز ثقافيةً. 

فإذا شعر هؤلاء بأنه قد أُسيَ فهمهم أو نُبِذوا، فسيصبحون أقل حماسةً لأن يُبرِزوا أنفسهم ويُظهِروا ما يتعين عليهم تقديمه لخدمة المجموعة التي ينتمون إليها. 

ورغم أنه لم تُجر كثيرٌ من الدراسات حول ما إذا كان هناك رابطٌ محتملٌ بين الصحة العقلية للمرء وشعوره بتوافر "السلامة النفسية" من عدمه، فإن ما روته لوسي بارسونز عن تجربتها يشير إلى أن الموظفين الذين يعملون في بيئات عملٍ لا يتوافر فيها الأمان النفسي، يمكن أن يدفعوا ثمناً باهظاً نتيجةً لذلك. 

وتقول بارسونز في هذا الشأن: "كنت مكتئبةً للغاية، وزاد وزني كثيراً، وقضيت أوقاتاً طويلة في المكتب وأنا أبكي. وفي نهاية المطاف لاحظ أحدهم ذلك، وهو ما زاد الأمر سوءاً بطبيعة الحال". 

رجل يقف عكس اتجاه رفاقهمصدر الصورةTHINKSTOCK
Image captionيقول خبراء إن النجاح الحقيقي في مكان العمل ينبع من قدرة الفرد على مشاطرة زملائه أفكاراً مختلفةً عما يتبنونه من توجهات دون أن يشعر بأنه منبوذ

ويشكل توفير أجواء "السلامة النفسية" أمراً مهماً بشكلٍ خاص إذا كنا نرغب في الحصول على أفضل أداءٍ ممكنٍ من جانب قوة عملٍ تتسم بالتنوع. وقد أشارت دراسةٌ أُجريت مؤخراً إلى أن التنوع يمكن أن يسهم في زيادة الأرباح كذلك.

ويوضح نيومان أن العمال المنتمين للأقليات ينزعون إلى أن يكونوا أكثر تعبيراً عن آرائهم بصراحةٍ ووضوح، ويصبحون كذلك أفضل من حيث الإنتاجية، إذا كانوا وُجِدوا في بيئات عمل يسودها الأمان النفسي. 

وأفادت ورقةٌ بحثيةٌ أمريكيةٌ بأن "السلامة النفسية" تسمح للعمال من هذه الفئة بـ "تخفيف مخاوفهم.. المرتبطة بتعبيرهم عن هويتهم، وتمهد الطريق أمام تحسين الأداء الفردي" لكلٍ منهم. 

وربما تشكل مسألة "السلامة النفسية" هذه وبلورة العلماء لمفهومها والحرص على توفيرها، جزءاً من السبب الذي يفسر لماذا نشهد حالياً بدء الحديث والمناقشة العلنية لمظالم قائمةٌ منذ عقود طويلة بشأن قضايا مرتبطةٍ بالنوع والعرق في مكان العمل، مثل تلك التي تدافع عنها حركة "أنا أيضاً".

ويقول توم دينيس، وهو خبيرٌ استشاريٌ في مجال الصحة النفسية في بيئة العمل: "معظم الشركات كانت تُدار في الماضي من خلال الخوف"، وهو ما أدى إلى إسكات الضحايا لعقود. لكن هؤلاء يشعرون الآن بـ"أن لديهم القوة الكافية لفعل شيءٍ" بشأن ما عانوا منه طويلاً. 

توفير بيئة عملٍ آمنة

وفي الغالب تكون "السلامة النفسية" خاصيةً نراها على مستوى فرق العمل، وليس على مستوى الشركات أو فروعها. وفي الشركة الواحدة يمكن أن يجد المرء مستوياتها متباينةً ما بين فريقٍ وآخر. لذا لا يمكن أن تكون مسألة توفير هذه الأجواء أمراً يجري بمبادرة أو تحرك يأتي من قمة الهرم الإداري للشركة باتجاه المستويات الأدنى. 

ويعتمد توافر "السلامة النفسية" على الأعراف السائدة في هذه المجموعة أو تلك. والأعراف لمن لا يعلم تختلف عن القواعد الصريحة المعلنة، فهي تقاليد ومعايير وقناعاتٌ مشتركةُ، ليست بالضرورة مُدونةً أو مُوضحةً ومشروحةً بشكلٍ جليٍ وصوتٍ عالٍ.

ويمكن أن يكون لدى بعض المجموعات قدرةٌ أكبر على فرض "الاتفاق الجماعي في الرأي بين أفرادها" أكثر من سواها، وأن تكون أكثر تقبلاً لمسألة التشكيك في قيادتها ومساءلتها، وقبولاً كذلك لإمكانية حدوث الأخطاء وتصحيحها، وتشجيعاً للأعضاء الصغار فيها على التعبير عن آرائهم. 

ورغم أنه من غير المحتمل أن يجد المرء أياً من هذه الأمور السابقة وقد أُدْرِجَتْ في عقد العمل الرسمي الخاص به، فإنها جميعاً ضروريةٌ وجوهريةٌ لخلق بيئة عملٍ أكثر أماناً من الوجهة النفسية للموجودين فيها. 

وهنا يمكن التطرق إلى دور قادة تلك المجموعات، فبعضهم ربما يميلون إلى توفير "السلامة النفسية" بشكل أكبر بين مرؤوسيهم، وذلك إذا كان لدى أولئك القادة خصالٌ شخصيةٌ من قبيل القدرة على تفهم الغير والتعاطف معهم، أو الاستعداد للإنصات إليهم.

ولكن تظل "السلامة النفسية" أمراً لا يحدث بمحض الصدفة، فثمة أشياءٌ بوسع قادة الفرق والمجموعات في مكان العمل، القيام بها لتشجيعها ودعم فرص توافرها. 

موظف يتحدث في هاتفه المحمولمصدر الصورةGETTY IMAGES
Image captionتظل "السلامة النفسية" أمراً لا يحدث بمحض الصدفة، فثمة أشياءٌ بوسع قادة الفرق والمجموعات في مكان العمل، القيام بها لتشجيعها ودعم فرص توافرها.

فبرأي دينيس، يتعين على هؤلاء القادة إمعان النظر في الطريقة التي يمارسون من خلالها سلطتهم ونفوذهم. 

فالمديرون الذين يفرضون أسلوبهم وطريقتهم على مرؤوسيهم – من أولئك الذين يمتعضون من مساءلتهم أو التشكيك في أساليبهم الإدارية أو يريدون دائماً أن تكون لديهم الكلمة الفصل – يميلون لجعل الأجواء في المجموعات التي يقودونها تفتقر إلى الأمان النفسي نوعاً ما. 

ويقول الرجل إن التغيير يحتاج في كثيرٍ من الحالات إلى أن يبدأ من أعلى، مشيراً إلى أن جزءاً من عملية استكشاف مدى صلاحية شخصٍ ما لأن يكون مديراً كفئاً، يتمثل في "فهم العوامل المؤثرة على شعوره بذاته أو ما يعرف بـ' الأنا' لديه". 

ومن بين الخصائص الأخرى لمسألة "السلامة النفسية"، أنها تنطوي على تقبل الفشل. وفي هذا الإطار، يبدو أن التوجه السائد في شركات التكنولوجيا العاملة في منطقة "وادي السيليكون" بالولايات المتحدة، والقائم على التسامح مع الأخطاء بل وحتى الاحتفاء بها، يمثل وسيلةً صحيةً للمضي قدماً على طريق تحقيق الأهداف المنشودة مقارنة بإدانتها. 

وهنا يقول نيومان: "تنعم المجموعات التي لا تُقابل فيها الأخطاء التي يرتكبها أفرادها باستياء، بقدرٍ أكبر من الأمان النفسي". 

بجانب ذلك، يمكن أن يكون من المفيد أيضاً إظهار المرء أنه ليس معصوماً من الخطأ، وأن لديه نقاط ضعف بدوره. 

قد استشهدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بنموذج لمديرٍ ناجح في شركة غوغل كان يسعى لتطبيق النتائج التي خَلُصَتْ إليها دراسة روزوفسكي بهدف رفع الروح المعنوية لأفراد فريقه، وهو ما حدا به للطلب من كلٍ منهم أن يُطلِع زملاءه على شيء ما يخصه. 

واختار هذا الرجل أن يبدأ بنفسه قائلاً: "أعتقد أن من بين ما لا يعلمه غالبية الناس عني، أنني مصابٌ بالسرطان في مرحلته الرابعة". وبعد إفصاحه عن ذلك، شعر الباقون جميعاً – بحسب ما قالت الصحيفة – إنهم أكثر حريةً في مناقشة موضوعات شائكة متعلقة بالعمل مع زملائهم.

العنصر الرئيسي والحاسم هنا يتمثل في تمكين الناس من الحديث بصدقٍ وصراحة. ويرى دينيس أنه يتعين على الشركات المختلفة توفير أجواء تتسم بالأمان النفسي في بيئة العمل، نظراً لأن المعلومات الخاصة بالمشكلات عادةً ما تتعثر في الوصول إلى قمة الهرم الإداري، كما أن فرق العمل التي تفتقر إلى السلام والأمان النفسي ربما تبقى موضوعةً تحت مجهر إدارة الموارد البشرية أو المجموعات القيادية في مستويات الإدارة العليا. 

ويقول نيومان إنه يتعين على المديرين والقادة تشجيع العاملين بشكلٍ صريحٍ على التعبير عن آرائهم، وتعزيز مُناخ الاحترام في مكان العمل. 

ويمثل ذلك جهداً يستحق العناء، إذ أن التجربة التي مرت بها لوسي بارسونز تُظهر كيف يمكن أن تكون مسألة "السلامة النفسية" غامضةً ودقيقةً، وكم يمكن أن تكون عميقةً ومتجذرةً في النفس أيضاً. 

فبحسب قولها؛ لم يكن في الشركة التي كانت تعمل بها ما يسوء في واقع الأمر، فبيئة العمل لم تكن مسمومةً، كما كان كل الزملاء أكفاء للغاية في أداء ما يُناط بهم من مهام. المشكلة كانت تكمن في شيءٍ ما في الثقافة السائدة في المكان، وهو أمرٌ كان غامضاً بقدرٍ جعل مديرها يصاب بدهشةٍ بالغة حينما تركت هي الشركة. 

ورغم مرور تسع سنواتٍ على هذه التجربة، لا تزال بارسونز على ما يبدو في حيرة إزاء السبب الذي أدى إلى ألا يشعر زملاؤها القريبون منها بشدة في مكان العمل بما كانت تكابده. 

وتقول متسائلةً: "كيف يمكن لزميل كان يجلس على بعد مكتبيْن مني، وكنت أتحدث معه لكثيرٍ من المرات يومياً؛ في كل يومٍ حرفياً، ألا يلاحظ مدى تردي حالتي النفسية؟".

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى