اليونان تستبق الانتخابات بحرب إعلامية واستقطاب سياسي عميق
مع بدء عام الانتخابات التشريعية، تشهد اليونان مواجهة شرسة بين اليسار الحاكم بقيادة أليكسيس تسيبراس والمعارضة اليمينية، تغذيها حرب إعلامية لا هوادة فيها.
ويعد التفجير الذي استهدف مؤخرا مقر مجموعة “سكاي” الإعلامية اليونانية في أثينا، الحدث الأخير في هذا الجدل ما أدى الى تعميق العداء بين طرفي الطيف السياسي.
وبينما اتهم صحافيو “سكاي” “بعض المسؤولين الحكوميين والحملات الدعائية بتحويل المحطة إلى هدف”، دعت حكومة تسيبراس إلى “عدم الربط بين الاعتداء والمواجهة السياسية”.
وحددت الحكومة مجموعة “سكاي” الإعلامية اليونانية البارزة كمصدر رئيسي لما تعتبره انتقادات غير منصفة لسياساتها. وبالإضافة إلى مهاجمته محتوى المحطة بشكل متكرر، قرر حزب تسيبراس “سيريزا” مقاطعة برامجها الحوارية.
وأما مالك مجموعة “سكاي” ياني ألافوزوس فحمّل الحكومة المسؤولية “المعنوية” للهجوم.
وقال الكاتب المخضرم في صحيفة “كاثيميريني” التابعة لمجموعة “سكاي” نيكوس كونستانداراس بعد التفجير “هناك مناخ لا يتسامح فقط مع أشكال التعبير المتطرفة في الفضاء العام، بل كثيرا ما يشجع عليها”.
وكتب كونستانداراس “تزداد اليوم حدة الاستقطاب السياسي التي تغذي هذا النوع من العنف”.
وأضاف “بعد سنوات من الأزمة” الاقتصادية، تتجه اليونان اليوم نحو مناخ انتخابي “يعد الأكثر استقطابا” منذ سنوات.
ورغم أن الحملات الانتخابية لم تنطلق رسميا بعد، إلا أن هذا الاستقطاب ينعكس في استطلاعات الرأي حيث يتشارك اليسار واليمين الأغلبية في نوايا التصويت، تاركين الفتات للأحزاب الصغيرة والاشتراكيين واليمين المتشدد.
وقال زعيم حزب “الديموقراطية الجديدة” كيرياكوس ميتسوتاكيس لدى حديثه مؤخرا عن خصومه في حزب سيريزا “نعرف أنهم يخططون لإجراء انتخابات قذرة”، واصفا الاتهامات الحكومية بشأن تلقي حزبه رشواى عندما كان في السلطة قبل العام 2015 بأنها “دعاية وحشية”.
وتبادل الطرفان الاتهامات بحشد متصيدين على الانترنت لنشر معلومات مضللة.
وتحمل الانتخابات التشريعية المتوقعة في تشرين الأول/اكتوبر، أهمية إضافية نظرا للتصويت المرتقب في البرلمان لمنح الموافقة على اسم مقدونيا الجديد الذي ترفضه أحزاب كثيرة.
كما تزور المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل اليونان الخميس والجمعة، في تحرك ينظر إليه على أنه بمثابة دعم أوروبي للحكومة.
وقبل أربعة أعوام، اعتبر انتخاب تسيبراس من حزب “سيريزا” اختراقا في مشهد سياسي كانت تهيمن عليه آنذاك الأحزاب التقليدية — الديموقراطية الجديدة اليميني و”كينال” الاشتراكي (أو “باسوك” سابقا) الذي تم تحميله مسؤولية الأزمة المالية في 2010.
وقال استاذ تنظيم الإعلام وسياساته في جامعة أثينا ستيليوس باباثاناسوبولوس إن وسائل الإعلام الرئيسية خسرت مصداقيتها كما هو الحال بالنسبة للحزبين المحافظ والاشتراكي اللذين حكما البلاد قبل الأزمة.
– “شبكات بديلة” –
وفي مواجهة عداء وسائل الإعلام لها، شنت الحكومة المشكلة من ائتلاف يضم “سيريزا” اليساري والحزب اليميني الصغير “آنيل” حربا مفتوحة على “أوليغارشية الإعلام” (الطبقة الثرية النافذة) التي تملك المجموعات الإعلامية المؤثرة.
وأدخل تسيبراس تغييرات واسعة على قطاع التلفزوين وأجبر المحطات التي لعبت دور “صانعي النجوم” من حزبي الديموقراطية الجديدة و”باسوك” الاشتراكي على مدى عقدين على دفع الملايين لإصدار رخص جديدة.
وكتب مدير قسم الدراسات الإعلامية في جامعة أثينا الوطنية جورج بليوس في مقال نشره مؤخرا “في اليونان، يعد اعتماد وسائل الإعلام الرئيسية على الدولة الأشد في أوروبا ولا يمكن مقارنته إلا بتركيا”.
ومع سيطرة رجال أعمال ينشطون أساسا في قطاعي البناء والشحن على الإعلام، كان امتلاك وسائل إعلاميّة على الدوام وسيلة للحصول على عقود حكومية وقروض مصرفية أفضل، بحسب استاذ الإعلام الرقمي في جامعة تولوز نيكوس سميرنايوس.
وقال “لذلك، عندما ضربت الأزمة (الاقتصادية)، تسبب (إفلاس) الدولة بمصير مشابه بالنسبة للإعلام”.
وساهمت التظاهرات المناهضة للتقشف التي ساعدت في إيصال حزب سيريزا إلى السلطة في التحول إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتويتر كبدائل للإعلام التقليدي، وهو ما صب في مصلحة اليسار تحديدا.
وأكد باباثاناسوبولوس أن “الشباب، الذين شكلوا آنذاك غالبية ناخبي سيريزا شككوا في دقة وسائل الإعلام (الرئيسية) وراهنوا على شبكات بديلة”.
وبعد صراع مرير استمر عامين بين تسيبراس والنخب الثرية النافذة، تبدلت ملكية ثلاث مجموعات إعلامية رئيسية لتجنب الإفلاس بينما أفلست أبرز محطة تلفزيونية يونانية قبل الأزمة “ميغا”.
لكن سميرنايوس أشار إلى أن هذا الإصلاح لم يقدم الكثير لدعم الأصوات الأصغر والأكثر استقلالية مؤكدا أن “المجموعات الإعلامية لا تزال في قبضة رجال الأعمال النافذين”.
وفي مؤشر آخر على الأزمات العميقة التي يعاني منها القطاع، أعلنت وكالتا توزيع للمحتوى الإعلامي إفلاسهما في 2017. وأما الوكالة المتبقية، فهي تابعة لمجموعة إعلامية رائدة.
وفي هذا السياق، أكد سميرنايوس “كما هو الحال في كثير من دول أميركا اللاتينية، تخطت وسائل الإعلام (اليونانية) حدود آداب المهنة”. وأشار إلى أن المسألة “تتعلق أكثر بالعاطفة وإعادة إحياء الكراهية القديمة بين اليمين واليسار والتي تعود إلى فترة الحرب الأهلية (1946-49)”.