للمرة الأولى في جزيرة العرب، عباءات خليجية في قدّاس البابا في أبوظبي
“نحن، كاثوليك اليمن، نحبُّكَ”، لافتة توسّطت مجموعة من المصلين في ملعب لكرة القدم في أبوظبي، خلال إحياء البابا فرنسيس قداسا تاريخيا الثلاثاء أمام عشرات آلاف الأشخاص المنتمين إلى نحو مئة دولة.
فوق ممر خاص على أرضية الملعب التي غطيت بسجادة بنية، سارت مجموعة من النساء اللواتي ارتدين عباءات إماراتية تقليدية سوداء، وانتعلن أحذية بكعوب عالية، باتجاه مقاعدهن وهن يحملن علم الفاتيكان.
وجلس أيضا فوق المقاعد في وسط ملعب مدينة زايد الرياضية رجال ارتدوا الدشداشة التقليدية، وخلفهم آلاف من الهنود والفيليبنيين غلبت ألوان الأزرق والاصفر والأحمر على ملابسهم.
ولوّح أحد الحاضرين في مكان قريب بعلم فلسطيني.
وقبل ساعتين من بداية القدّاس، وهو الأول لحبر أعظم في شبه الجزيرة العربية، مهد الاسلام، غصّت المقاعد فوق أرضية الملعب وفي المدرّجات المحيطة بها، بالحاضرين.
وامتدت الحشود التي قدّرها المنظمون بنحو 170 ألف شخص، إلى خارج الملعب، حيث نصبت شاشة عملاقة لمتابعة الحدث الديني الفريد من نوعه في الخليج.
وحافظ المصلّون على هدوئهم إلى أن وصل البابا في سيارة مكشوفة بيضاء اللون عند الساعة 06,00 ت غ، فتعالت الصرخات فرحا.
وقامت السيارة بجولة في الملعب، يرافقها حراس ارتدوا بزات سوداء، وسط صيحات “فرنسيس، فرنسيس”.
وقالت لوسي واتسون (61 عاما) لوكالة فرانس برس والدموع في عينيها “المسيح هنا اليوم يبارك الجميع في الإمارات العربية المتحدة”.
– 170 ألفا من 100 دولة –
ويقيم في الخليج أكثر من 3,5 مليون مسيحي، بينهم 75% من الكاثوليك، غالبيتهم عمّال من الفيليبين والهند. ويعيش نحو مليون كاثوليكي، جميعهم من الأجانب، في الإمارات وحدها حيث توجد ثماني كنائس كاثوليكية، وهو العدد الأكبر مقارنة مع الدول الأخرى المجاورة.
أما اليمن، فيضم أربع كنائس كاثوليكية، بحسب النيابة الرسولية في المنطقة. ويشير مسؤولون إلى ان أعدادا من المسيحيين لا يزالون يتواجدون في هذا البلد لكنهم لا يجاهرون بإيمانهم في ظل تصاعد نفوذ جماعات متطرفة.
ولم يتطرّق البابا في عظته إلى النزاع في اليمن حيث قتل منذ 2015 نحو عشرة آلاف شخص مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري بمشاركة الامارات، في النزاع، لكنه دعا الأحد والاثنين إلى إنهاء الحرب في البلد الفقير.
من بين الحاضرين في ملعب مدينة زايد، نحو أربعة آلاف مسلم أتوا لمشاهدة البابا، بحسب مصادر كنسية محلية.
وذكر شخص في فريق المنظمين عبر مكبرات الصوت أن أعداد المصلين الحاضرين بلغ 50 ألفا داخل الملعب و120 ألفا خارجه، وهو أكبر تجمّع بشري في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، بحسب ما نقلت وسائل إعلام إماراتية محلية. وكان المنظمون أعلنوا قبل القدّاس ان عدد التذاكر التي وزعت لحضور القداس بلغ 135 ألفا.
وأوضحت المصادر أن المصلين ينتمون إلى مئة دولة، ويقيم معظمهم في الإمارات التي يعيش فيها ملايين المغتربين (85 بالمئة من عدد السكان).
– المعجزات ممكنة –
واختار البابا فرنسيس عمالا مغتربين ليسلّم عليهم. ولطالما أظهر البابا الأرجنتيني خورخي ماريو بيرغوليو المتحدّر من أصول إيطالية لأبوين هاجرا إلى الأرجنتين، منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية في 2013، تعاطفه مع المهاجرين.
وقال البابا في عظته “من المؤكّد أنه ليس سهلاً بالنسبة لكم أن تعيشوا بعيدا عن البيت وأن تشعروا ربما (…) بعدم استقرار في ما يتعلق بالمستقبل. لكنّ الربّ (…) لا يترك” المؤمنين به.
وتابع “أنتم مجموعة تتضمّن تنوّع جنسيّات ولغات وطقوس، تنوّعا يحبّه الروح القدس ويريد على الدوام أن ينسّقه ليصنع منه سمفونية”.
وألقى البابا عظته فوق مذبح أبيض ضخم يتوسّطه صليب عملاق، إلى جانب تمثال لمريم العذراء والمسيح.
ونُقل المصلون مجّانا في ألفي حافلة من مدنهم المختلفة في الدولة الخليجية، إلى مدينة زايد الرياضية في العاصمة، في يوم شهد إغلاق عدد من المدارس الخاصة أبوابها للسماح للعائلات بحضور القدّاس.
بالنسبة إلى كاوشالا فونيسكا (25 عاما)، فإن المشاركة في قدّاس يرأسه البابا يعني الإيمان بالمعجزات.
وقالت الشابة السريلانكية التي سبقت أن شاركت في قداس للبابا في بلدها عام 2015 “المعجزات يمكن أن تحدث، هذا كل ما أستطيع قوله”، ليرد والدها غريغوري قائلا “في أي وقت. قد تحدث في أي وقت”.
أما روزي ماكفيدن، الاسكتلندية المقيمة في الإمارات منذ أربع سنوات، فأكّدت أن حضور القدّاس تجربة لن تنساها.
وذكرت الشابة (27 عاما) أنّها غادرت منزلها في دبي عند منتصف الليل، وتوجّهت نحو الكنيسة لتستقل الحافلة من هناك.
وأوضحت “سرت لثلاث ساعات عندما وصلت إلى هنا (أبوظبي). نظرت إلى ساعتي عندما دخلت إلى مكان القدّاس ولاحظت أنّني قمت بـ14 ألف خطوة”.
وتابعت “أعرف أناسا أمضوا عاما صعبا، وأنا هنا لأصلي من أجلهم حتى يقضوا عاما جيدا هذه السنة”.