القضاء المغربي يؤكد في مرحلة الاستئناف كل أحكام الإدانة ضد قادة الاحتجاجات فيما يعرف بحراك الريف
أكّد القضاء المغربي في الاستئناف ليل الجمعة-السبت كلّ أحكام الإدانة الصادرة ضدّ قادة “حراك الريف” الذي هزّ شمال المملكة بين 2016 و2107، والتي تتراوح بين السجن 20 عاماً وعام واحد.
وقاطع أطوار هذه المحاكمة، التي انطلقت في تشرين الثاني/نوفمبر، 38 موقوفاً من أصل 42، وذلك احتجاجاً على “عدم تحقّق شروط المحاكمة العادلة”.
وما أن أصدرت محكمة الاستئناف قرارها حتى اهتزّت القاعة بصراخ وبكاء أقارب المعتقلين، وشعارات “عاش الريف” و”عاش الشعب” التي كانت ترفع أثناء تظاهرات الحراك، وشعارات أخرى تندد بـ”دولة فاسدة” رفعها نشطاء حضروا لمساندة المتّهمين.
وأيّدت المحكمة إدانة ناصر الزفزافي (39 سنة) الذي يوصف بزعيم الحراك، وثلاثة من رفاقه بالسجن 20 عاماً بتهم عدّة من بينها “التآمر للمسّ بأمن الدولة”.
وتتراوح بقية الأحكام الابتدائية التي أكّدتها محكمة الاستئناف بالدار البيضاء (غرب) والصادرة في تمّوز/يونيو الماضي، بين السجن 15 عاماً وعام واحد.
كما أيّدت المحكمة إدانة الصحافي حميد المهداوي ابتدائياً بالسجن ثلاث سنوات مع النفاذ لكونه لم يبلّغ عن مكالمة هاتفية تلقّاها من شخص يعيش في هولندا، يتحدث فيها عن “إدخال أسلحة إلى المغرب لصالح الحراك”.
وهتفت زوجته في بهو المحكمة “هذا ظلم”، مؤكّدة أنه “صحافي حرّ رأسه مرفوع”، بينما ألحّ المهداوي في كلمته الأخيرة قبل النطق بالحكم على كونه “صحافياً وطنياً” وأنه “يحاكم على جريمة خيالية”.
وكان ممثّل النيابة العامّة التمس منتصف آذار/مارس تشديد العقوبات بحقّ المتّهمين الذين لم يدانوا بأقصى العقوبات ابتدائياً.
ـ مقاطعة ـ
وبمجرّد رفع الجلسة للتداول استعداداً للنطق بالأحكام تظاهر عشرات الحقوقيين قبالة المحكمة، مردّدين شعارات تطالب بـ”إطلاق سراح المعتقلين” وتندّد بما أسموه “دولة طاغية” حاملين صور بعض المعتقلين تحت أمطار خفيفة.
في حين غاب 38 من المعتقلين، بينهم ناصر الزفزافي، عن الجلسة مقاطعين محاكمتهم أمام الاستئناف منذ كانون الثاني/يناير، احتجاجا على ما اعتبروه “عدم تحقق شروط المحاكمة العادلة”.
ولم يمثل أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث جرت هذه المحاكمة اعتباراً من منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2018، سوى أربعة متّهمين يلاحقون وهم في حالة إطلاق سراح، بالإضافة إلى الصحافي المهداوي.
وعرض المعتقلون في بيان عدة مطالب اعتبروها شروط محاكمة عادلة من ضمنها “إلغاء محاضر الشرطة القضائية وإعادة إنجاز محاضر نزيهة إن اقتضى الحال”، و”قبول احضار الشهود الذين طالب بهم بعض المعتقلين”.
وقرّر محاموهم تبعاً لذلك عدم الترافع عنهم، علماً أنهم قاطعوا أيضاً الجلسات الأخيرة لمحاكمتهم ابتدائياً.
واعتقل المتّهمون في مدينة الحسيمة عاصمة منطقة الريف ونواحيها (شمال) ما بين أيار/مايو وتموز/يونيو 2017، على خلفية الحركة الاحتجاجية المعروفة بـ”حراك الريف”.
وأسفت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد (معارضة برلمانية) نبيلة منيب التي كانت حاضرة في المحكمة “لنهج سياسة تخويف منذ مدة تهدف لإسكات كل من يعبّر عن مطالب اجتماعية”.
وكان 24 نائباً في البرلمان الأوروبي (من الخضر واليسار الموحد) دعوا هذا الأسبوع إلى “الإفراج فوراً عن جميع معتقلي الحراك”، معبّرين عن قلقهم على الوضع الصحي لناصر الزفزافي.
– “انتظار الاستئناف” –
وفي نفس القاعة التي شهدت تأكيد الأحكام في حقهم، أدين 53 من قادة الحراك في تمّوز/يونيو بأحكام تراوحت بين 20 عاماً وعام واحد. ثم أفرج في آب/أغسطس عن 11 منهم بموجب عفو ملكي.
وكانت هذه الأحكام الابتدائية أثارت ردود أفعال مستاءة وتظاهرات للمطالبة بإطلاق سراح المدانين على اعتبار أنهم تظاهروا من أجل مطالب مشروعة.
واعتبرت هيئة الدفاع عنهم أنّ المحاكمة كانت سياسية وأنّ الحل “يجب أن يكون سياسياً بما يضع حدّاً لمعاناة المعتقلين ولحالة الاحتقان في المنطقة”.
وقالت منظمة العفو الدولية إنّ الحكومة المغربية “استخدمت إجراءات قانونية خاطئة لمعاقبة وإسكات صوت المحتجين السلميين (…) وترهيب الآخرين من التعبير عن رأيهم”.
بالمقابل، شدّدت السلطات المغربية على أنّ كل إجراءات المحاكمة تمّت في احترام للمعايير الدولية.
وسبق لدفاع الدولة أن قدّم للمحكمة في المرحلة الابتدائية حصيلة بـ902 جريح من القوات العمومية سقطوا على خلفية تظاهرات “الحراك”، وخسائر مادية تقدر بمليوني يورو.
ودعا رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، من جهته، إلى انتظار “مرحلة الاستئناف”، مشدّداً على استقلالية القضاء.
وحمل “حراك الريف” مطالب اجتماعية واقتصادية طوال أشهر بين خريف 2016 وصيف 2017، بينما اتّهمته السلطات بخدمة أجندة انفصالية والتآمر للمسّ بأمن الدولة. وقد خرجت أولى تظاهراتها احتجاجاً على حادث أودى ببائع السمك محسن فكري.
وكانت الحكومة المغربية أعلنت في خضمّ الحراك إطلاق مشاريع إنمائية والتسريع بإنجاز أخرى تجاوباً مع مطالب المحتجين. كما أعفى العاهل المغربي الملك محمد السادس في غضون ذلك وزراء ومسؤولين كباراً اعتُبروا مقصّرين في تنفيذ تلك المشاريع.