حفتر يهاجم العاصمة الليبية وقوات السراج تعلن شنّ “هجوم مضاد”
دارت معارك عنيفة الأحد قرب طرابلس بين قوات المشير خليفة حفتر التي تعتزم السيطرة على العاصمة الليبية، وقوات حكومة الوفاق الوطني التي أعلنت إطلاق “هجوم مضاد”، وتجاهل الطرفان دعوة الأمم المتحدة إلى “هدنة إنسانية”.
ودعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في “نداء عاجل” إلى هدنة لمدة ساعتين (14,00 إلى 16,00 ت غ) في الضواحي الجنوبية للعاصمة من أجل السماح بإجلاء الجرحى والمدنيين، بعد تصعيد عسكري يثير مخاوف من اندلاع حرب أهلية واسعة.
إلا أن الامم المتحدة أعلنت مساء الأحد أنه لم يتم التقيد بهذه الهدنة الإنسانية.
وأعلنت فرق الإسعاف وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا أن المعارك تواصلت الأحد في جنوب العاصمة الليبية طرابلس، رغم دعوة الأمم المتحدة إلى هذه “الهدنة الإنسانية”.
وقال جان علم المتحدث باسم البعثة لفرانس برس “لم تحصل هدنة. لكننا لا نزال نأمل بموقف إيجابي” من جانب المعسكرين. كما صرّح المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ أسامة علي من جهته “حتى الآن، لم تتمكن فرقنا من الدخول إلى مناطق المواجهات”.
وأعلن الجيش الأميركي الأحد سحباً موقتاً لجنود له يتمركزون في ليبيا لم يكشف عن عددهم، بسبب المعارك.
ومنذ سقوط نظام معمّر القذافي عام 2011، تشهد ليبيا الدولة الغنية بالنفط، نزاعات داخلية مختلفة، لكن الهجوم الذي أطلقته قوات حفتر الخميس شكل تدهوراً واضحاً بين السلطتين المتنازعتين على الحكم: وهما حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج التي شُكّلت في نهاية 2015 بموجب اتفاق رعته الأمم المتحدة وتتّخذ من طرابلس مقرّاً لها، وسلطات في الشرق الليبي مدعومة من “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر.
وبعد توقف للمعارك خلال الليل، تجددت الاشتباكات بعنف منذ صباح الأحد في جنوب العاصمة في منطقة وادي الربيع الزراعية والمطار الدولي المهجور على بعد حوالى ثلاثين كيلومتراً عن المدينة.
– “بركان الغضب” –
وأعلن “الجيش الوطني الليبي” شنّ أول ضربة جوية على ضاحية للعاصمة، رغم دعوات المجتمع الدولي إلى وقف الأعمال العدائية. وكانت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني شنّت في الليلة الماضية ضربتها الجوية الأولى.
وأعلن متحدث باسم هذه القوات الحكومية شنّ “هجوم مضاد” لردع قوات حفتر. وقال العقيد محمد قنونو للصحافيين أن الهدف من عملية “بركان الغضب” هو “تطهير كل المدن من المعتدين والخارجين عن الشرعية”، في إشارة إلى قوات حفتر.
وعلى وقع تصاعد حدة المعارك، أشار الهلال الأحمر الليبي الأحد إلى أنه يستحيل عليه الوصول إلى العائلات العالقة جراء المعارك. وتحدث عن مقتل طبيب السبت.
– قتلى وجرحى –
وقُتل 21 شخصاً على الأقل فيما أصيب 27 آخرون منذ بدء الهجوم على طرابلس، وفق حصيلة أفادت بها وزارة الصحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني التي لم تحدد ما إذا كان الضحايا مدنيين أو مقاتلين.
وأعلن “الجيش الوطني الليبي” من جهته السبت مقتل 14 من مقاتليه.
وحذر رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج السبت من “حرب لا رابح فيها”، مؤكداً أن التعزيزات تتدفق إلى طرابلس من مناطق عدة.
وانضمت جماعات مسلحة من مدينة مصراتة (200 كيلومتر نحو شرق طرابلس) وكذلك مقاتلون من الزنتان (جنوب غرب طرابلس) والزاوية (غرب طرابلس)، المتمرسون بالقتال ممن شاركوا بانتفاضة عام 2011 لإسقاط القذافي، إلى المعركة الى جانب القوات الحكومية.
ووصلت إلى شرق طرابلس السبت قوة مسلحة من مصراتة، تعرف باسم الكتيبة 166، على متن عشرات الآليات، بعضها مزودة بمضادات الطائرات، للانضمام إلى الهجوم المضاد ضد قوات حفتر، بحسب ما أكد مصوّر في وكالة فرانس برس.
وتوقع حفتر و”الجيش الوطني الليبي” الذي يدعمه، معركة سهلة للسيطرة على طرابلس، ويبدو متفاجئاً بتحرك القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني.
– “تصعيد كلامي” –
وأوضح الباحث في المركز الألماني للشؤون الدولية والأمنية، ولفرام لاتشر أن “حتى الآن، لم تسر عملية حفتر وفق ما كان مخططاً، ويبدو أنه قد وحد قوى غرب ليبيا ضده”. وتابع لاتشر أن حفتر “يواجه الآن احتمال الدخول في حرب طويلة الأمد جنوب طرابلس، أو تكبد هزيمة كبيرة”.
وقال دبلوماسي غربي من دون الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس إنه من الصعب في هذه المرحلة أن “تكون لدينا رؤية واضحة بشأن نتيجة المعركة أو ميزان القوى”.
واعتبر أن الأمم المتحدة والدول الغربية تواصلت مع المعسكرين المتخاصمين لتفادي اشتعال الوضع، لكن النجاح ليس محسوماً حتى الآن. وأضاف “التصعيد الكلامي من الجهتين لا يساعد”.
وتزامن هذا التصعيد العسكري مع مؤتمر وطني سيُعقد برعاية الأمم المتحدة في غدامس (جنوب غرب) في منتصف نيسان/أبريل، بهدف وضع “خريطة طريق” لإخراج البلاد من الفوضى بالتزامن مع إجراء انتخابات.
وأكد مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة السبت أن المؤتمر المقرر بين 14 و16 نيسان/أبريل سيجري كما هو مخطط له. وأضاف “نحن مصرون على عقد” المؤتمر “في ميعاده”.
وقال السراج إن المؤتمر يُشكّل مسارًا “نحو دولة مستقرّة”، متهماً حفتر بـ”نقض” اتفاق تم التوصل إليه في لقاء في شباط/فبراير للدفع نحو إجراء انتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل نهاية العام.
ورأى السراج أن حفتر “مدفوعٌ برغباتٍ شخصيّة ونزوات فرديّة” ويحاول “إغراق البلاد في دوّامة من العنف والحرب المدمّرة”.