متضامنون بريطانيون يتظاهرون دعما لفلسطين المحتلة وقطاع غزة المحاصر في ذكرى النكبة بتأسيس الكيان الصهيوني على حساب السكان العرب
شهدت العاصمة البريطانية لندن تظاهرة حاشدة يوم السبت لإحياء الذكرى وتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين لا سيما في قطاع غزة المحاصر.
وشارك في التظاهرة أعداد كبيرة من “المتضامنون الأجانب”، الذين رددوا هتافات كان أبرزها “الحرية لغزة” و “الحرية لفلسطين”.
وفي ظل أجواء ممطرة حمل المتظاهرون العلم الفلسطيني ولافتات فيما ارتدى بعضهم رموزا فلسطينية مثل الكوفية وحلي وملابس خاصة، وحمل البعض الآخر مظلات تحمل ألوان العلم الفلسطيني.
ولكن لماذا يتخلى هؤلاء المتضامنون عن يوم الاسترخاء والأوقات الطيبة مع الأسرة ليشاركوا في عمل سياسي لصالح قضية يتواطأ ضدها كثير من زعماء وقادة العالم على مر السنوات؟.
أيولنا
تبلغ من العمر ٧٠ عاماً وتقول إنها قضت معظم حياتها في مؤازرة إسرائيل لأن التعليم الذي تلقته في المدرسة بهولندا حيث ولدت وترعرعت كان يشجع على ذلك.
وقد زارت إسرائيل في السبعينيات وتطوعت بالعمل في كيبوتس هناك وعادت وهي تحتفظ بالصورة الحالمة عن الدولة التي تؤوي اليهود الذين اضطهدوا إبان الحرب العالمية الثانية، مشيرة إلى أن اعتقال والديها الذين كانا ناشطين في المقاومة خلال تلك الحقبة عزز من موقفها الداعم لليهود.
لكن الأمور تغيرت بالنسبة لها في عام ٢٠١٢ عندما زارت الضفة الغربية وشهدت “المعاملة اللاإنسانية” التي يعانيها الفلسطينيون على يد الإسرائيليين لا سيما في مدينة الخليل.
وقد غير ذلك موقفها من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالكامل وجعلها أكثر اهتماماً وبحثاً في خصوص المسألة إلى أن حسمت موقفها وغيرت اتجاهها لتصبح في صف الفلسطينيين.
وتقول أيولنا إن هذا التحول في موقفها جعلها تخسر الكثير من الأصدقاء والأقارب الذين ظلوا على مواقفهم الداعمة لإسرائيل ولكنها أبدت في الوقت نفسه سعادةً إزاء نجاحها في إقناع البعض الآخر في تحويل مسارهم ليكونوا مع “الفلسطينيين المظلومين”.
فضلت أيولنا ألا نلتقط صورةً لها لأنها ترغب في زيارة الأراضي الفلسطينية مجدداً وتخشى أن يحول الكشف عن هويتها بالكامل دون ذلك، إذ تدرج أجهزة الأمن الإسرائيلية “المتضامنين الأجانب” على لوائح سوداء وتحظر عليهم السفر إلى إسرائيل أو عبورها إلى المناطق الفلسطينية.
كما أنها ترغب في تجنيب أحفادها اليهود، الذين يترددون على إسرائيل لزيارة أقارب لهم، أي مشاكل محتملة.
جيم رادفورد
ينشط جيم (90 عاماُ) من أجل إحلال السلام في مختلف أنحاء العالم.
ويقول إنه سلك هذا الدرب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي كان قد شارك فيها محارباً شاباً في جيش بلاده.
أما الآن فلا تزال”الفاشية” مستشرية في العالم، من وجهة نظره.
ويقول إن عددا من البلدان، بينها بريطانيا، قد شاركت في العديد من الحروب والتدخلات العسكرية غير العادلة وغير الضرورية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
كما يرى جيمي أن “القضية الفلسطينية” باتت رمزاً لكل أشكال وألوان الظلم وانعدام العدالة في مختلف أنحاء العالم، وأن من يدافع عن أي قضية عادلة في أي مكان بالعالم يجب أن يدعم الفلسطينيين في وجه الظلم والعدوان الإسرائيلي.
سارة
قطعت سارة مشواراً طويلاً من “ايسبون” لتشارك في تظاهرة لندن ولا ترى في ذلك عناء بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون.
وتقول: “نحن هنا ننعم بالراحة والأمان والحرية على خلاف الفلسطينيين الذين يعانون الأمرين على مختلف الصعد”.
وتشير سارة إلى أنها زارت غزة قبل سنوات عبر إسرائيل، حيث وقفت على “التناقض بين العالمين” عن قرب.
أما بداية نشاطها لصالح الفلسطينيين فكان قبل نحو ست سنوات عبرمواقع التواصل الاجتماعي، إذ بدأت بعرض ما تعرفه من حقائق يتجاهلها الإعلام السائد لتفاجأ بأن هناك كثيرين ممن يحتاجون تلك المعلومات لتحديد موقفهم من الصراع العربي الإسرائيلي.
وترى سارة، المتزوجة من فلسطيني من غزة، أن الإعلام لا يقدم ما يكفي من معلومات بشأن المسألة، وأن ما يقدمه أحياناً يكون مشوهاً أو مضللاً أو منقوصا.
وتضرب مثلاً على ذلك بفعالية شاركت فيها قبل سنوات ضمن أنشطة جماعة تسمى “ذا بيغ رايد فور بالستاين” حيث انطلقت قافة من سائقي الدراجات من اسكتلندا ووصلت إلى لندن وأغلقت جسر ويستمنستر الشهير للفت الأنظار لمعاناة الأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتعتبر سارة أن التجاهل الإعلامي للفعالية، رغم الأثر الكبير لإغلاق الجسر، إنما هو دليل انحياز لصالح إسرائيل.
جاي
لم يكن جاي يولي اهتماما للشأن الفلسطيني ولم يشعر يوماً بأنه يتعين عليه تحديد موقفه من المسألة أو انتمائه لطرف دون آخر.
وقد استمر على هذا الحال حتى سبتمبر أيلول الماضي عندما زار إسرائيل والضفة الغربية لهدف ديني في المقام الأول، فقد كان يتوق لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة.
ورغم أن تجربة السياحة الدينية هذه خيبت ظنه كما يقول إلا أنها فتحت له باباً من المعرفة لم يكن متاحاً له من قبل.
فبالإضافة إلى الأماكن المقدسة زار جاي القدس الغربية ومدينة رام الله، تماشياً مع رغبة ولده الذي كان يرافقه في الرحلة.
وأثناء الرحلة تعرض جاي لمواقف جعلته يحسم موقفه من الصراع لصالح الفلسطينيين.
يقول جاي إنه عاش تجربة الحواجز التي يعانيها الفلسطينيون في الضفة الغربية على يد الإسرائيليين كما أنه شعر بتقارب وتفاهم إنساني مع الفلسطينيين الذين التقاهم لم يشعر به في القدس الغربية حيث كاد ولده يقضي بالضرب على يد متشددين يهود لمجرد التقاطه صورة.
وأضاف: “كنت على جهل بما يدور هناك، ولكني بدأت بالبحث والقراءة والاستماع للناس. وخلصت إلى أن ما يحدث هو أمر فظيع بل إنه فصل عنصري يجب عمل شيء ما تجاهه”.
وتابع: “كنت وما أزال متعاطفاً جداً مع ضحايا الهولوكوست وقد زرت متحف هيرتزل بالقدس لأعرف المزيد عنهم ولكني الآن أعجز عن استيعاب حقيقة أن الإسرائيليين يمارسون أعمال عنف على ذات القدر من الفظاعة بحق الفلسطينيين”.
أليسيا بارتون
تقول أليسيا إنها دأبت منذ أوائل السبعينيات على تقديم الدعم لمواطني جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، وأن دعمها للقضية الفلسطينية يبدو طبيعياً جداً ومتناغماً مع هذا الجزء من ماضيها.
فهي ترى أن الفلسطينيين مثل شعب جنوب إفريقيا في الماضي، يحتاجون إلى فرص عادلة في الأرض والحقوق.
ولا ترى أليسيا أنها تقدم تضحية كبيرة عندما تقضي عطلة نهاية الأسبوع في نشاط سياسي لصالح الفلسطينيين.
وتقول: “أنا لا أضحي بوقتي هنا فأنا في حال أحسن مقارنةً مع الضحايا الفلسطينيين، إذ لا أحتاج للقلق بشأن بيتي الذي يهدم أو أولادي الذين يقتلون. ساعات قليلة لدعم الفلسطينيين هو شرف لي”.
وتعتبر أليسيا أن ما هو أهم من التظاهر في يوم النكبة أو غيرها من المناسبات “الانخراط في حملة مقاطعة إسرائيل، فهو الأسلوب الذي أثبت نجاعته مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وسيحدث فارقاً كبيراً بالنسبة للقضية الفلسطينية”.