تركيا تتأهب لعمل عسكري مع تعثر المحادثات مع أمريكا حول منطقة آمنة في سوريا
يلوح في الأفق شبح عمل عسكري تركي في ضوء خلافات عميقة بين تركيا والولايات المتحدة حول حجم ”منطقة آمنة“ مزمع إقامتها بشمال شرق سوريا وهيكل القيادة فيها ما لم يحقق الجانبان في محادثات تجري هذا الأسبوع انفراجة في الجمود القائم منذ أشهر.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة أرسلت تركيا قواتها مرتين إلى شمال سوريا وقال الرئيس رجب طيب أردوغان يوم الأحد إن عملية عسكرية ثالثة أصبحت وشيكة لاستهداف المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد شرقي نهر الفرات.
وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية التي تلعب دورا رئيسيا في قوات سوريا الديمقراطية المدعومة اميركيا المسيطرة على مئات الأميال من المنطقة الحدودية في شمال شرق سوريا جماعة إرهابية تمثل خطرا أمنيا جسيما على تركيا وتقول إن عليها الابتعاد عن المناطق الحدودية.
أما واشنطن التي سلحت هؤلاء المقاتلين ودعمتهم في الحرب على داعش في سوريا فتريد حماية شركائها العسكريين وقاومت مطالب تركيا بالسيطرة الكاملة على شريط طويل من الأرض يمتد بعمق 32 كيلومترا في الأراضي السورية.
ويعقد فريقان عسكريان من البلدين اجتماعات في أنقرة هذا الأسبوع في أحدث محاولة في المباحثات الجارية منذ شهور بهدف إقامة المنطقة الآمنة التي اتفقا عليها في الوقت الذي تعمل فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب على تقليل أعداد قواتها في سوريا.
وأبدى ثلاثة مسؤولين أتراك تحدثوا مع رويترز نفاد صبرهم لعدم توصل المباحثات إلى نتائج حتى الآن وحذروا من أن أنقرة مستعدة للتحرك من جانب واحد.
وقال مسؤول تركي كبير ”منذ فترة من الوقت تنتشر القوات المسلحة التركية على الحدود السورية. كل الاستعدادات الضرورية للقيام بعملية اكتملت“.
وأضاف ”إذا اضطررنا لإنجاز هذه المهمة وحدنا فسنفعل ذلك. بالطبع حساسيات الدول التي نتعامل معها مهمة لكن عليها في النهاية أن تتفهمنا. كل يوم يمر يعد خسارة“.
* ”موقف متصلب“
تعد معضلة المنطقة الآمنة واحدة من عدة خلافات بين أنقرة وواشنطن عضوي حلف شمال الأطلسي. إذ أن تركيا أغضبت الولايات المتحدة الشهر الماضي بشراء نظام دفاع صاروخي روسي كما أن البلدين منقسمان حول العقوبات التي تفرضها واشنطن على إيران وعلى رفض تسليم داعية مسلم تطالب أنقرة بتسليمه له.
وقد أوضح الجانبان شعورهما بالإحباط.
وقال جيمس جيفري مبعوث ترامب الخاص في سوريا بعد جولة سابقة من المباحثات حول المنطقة الآمنة الأسبوع الماضي إن تركيا تبنت موقفا ”متصلبا جدا“.
وأضاف ”الأتراك يريدون منطقة أعمق من المنطقة التي نعتقد أنها منطقية“.
وكانت واشنطن اقترحت منطقة على مرحلتين الأولى بعمق خمسة كيلومترات تمثل شريطا منزوع السلاح يدعمه شريط ثان بعمق تسعة كيلومترات يخلو من الأسلحة الثقيلة أي أنها تمتد لمسافة تقل عن نصف المسافة التي تطالب بها تركيا.
وسعت الولايات المتحدة، دون أي بادرة تذكر على النجاح، إلى تقديم مساهمات عسكرية من حلفاء أوروبيين لحفظ الأمن في المنطقة.
وقالت تركيا إنه لا بد أن تكون لها الكلمة الأخيرة في المنطقة الآمنة وهذه نقطة خلاف أخرى مع الولايات المتحدة.
وقال آرون ستاين مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي ”عندما تقول أنقرة إنها تريد السيطرة على منطقة بعمق 32 كيلومترا فلا يمكن أن توافق الولايات المتحدة على ذلك“.
وأضاف أنه في ضوء تعثر المفاوضات فمن المرجح أن تتحرك تركيا من جانب واحد وأشار إلى عدة أهداف عسكرية محتملة من بينها مناطق حول مدينة منبج في الشمال السوري ومدينتي تل أبيض وكوباني الحدوديتين.
وتعمل قوات أمريكية بدرجات متفاوتة في هذه المناطق الثلاث الأمر الذي يعني أن القوات الأمريكية تخاطر بأن تجد نفسها وسط اشتباكات إذا ما تحركت تركيا.
وقال مسؤول أمني تركي إن الخلافات بين الجانبين على عمق المنطقة تتقلص لكنها لم تختف تماما.
وأضاف أن الولايات المتحدة ”وصلت إلى نقطة قريبة من اقتراحنا لكن لم يمكن التوصل إلى اتفاق كامل“ موضحا أن تركيا تصر على العمق الذي تقترحه بالكامل مثلما أقره ترامب نفسه في تغريدة في يناير كانون الثاني.
وبينما يحرص المسؤولون الأتراك على عدم استعداء الرئيس الذي أبدى تعاطفا أكبر بكثير من الكونجرس الأمريكي مع شراء تركيا لنظم الدفاع الروسية فقد كرر أردوغان يوم الثلاثاء أن أنقرة ملتزمة بإبعاد المقاتلين الأكراد عن حدودها الجنوبية.
وقال لدبلوماسين أتراك في أنقرة ”تركيا لا يمكن أن تشعر بالأمان ما لم يتم القضاء على هذا الكيان الذي ينتشر كالسرطان على امتداد حدودنا الجنوبية“.
وقال ”إذا لم نفعل اليوم ما هو ضروري، فسنفعل ذلك بدفع ثمن أكبر فيما بعد“ مشيرا إلى عملية جديدة في الأراضي السورية بعد عملية درع الفرات في 2016 وعملية غصن الزيتون في العام الماضي لإخراج مقاتلي وحدات حماية الشعب من منطقة عفرين في الشمال السوري.