كتاب وآراء

رأى صادم فى الدكتور فاروق الباز: هناك من يستعمل جهل هذا الرجل لإيذاء بلده

محمد البرغوثي*

 

…………………………………..
مند حوالى ٢٠ عاما تقريبا بدأت اسمع واقرأ بعض تصريحات الدكتور فاروق الباز.فى البدء شعرت أنه مجرد شخص عادى يتم تضخيم قيمته مجاملة وتقربا من شقيقه الأكبر الدكتور أسامة الباز رحمه الله، الذى كان أهم مستشار سياسى للرئيس مبارك ، وعندما بدأ الرجل يلح فى موضوع ” ممر التنمية” حرصت على استطلاع رأى كبار الخبراء فى هذا الممر الذى كانت فكرته تبدو رائعة ، وفى كل مرة كنت اندهش عندما أجد من أحادثه غير متحمس للفكرة أو غير مهتم من الأساس. ولأسباب ربما كانت شخصية أكثر منها موضوعية تمنيت أن يكون حديث الدكتور فاروق الباز عن ممر التنمية المقترح، هو الأصوب من الناحية العلمية والجيولوجية والاقتصادية. وكنت افرح فرحة غامرة كلما تخيلت امكانية شق هذا الممر الموازى لوادى النيل الضيق الذى نتكدس فيه ونتكاثر منذ آلاف السنين. ولكن فرحى كان دائما يبهت وينطفىء كلما بحثت لدى خبراء آخرين عن حقائق علمية تسند هذا الحلم، فإذا بهم يستقبلون أسئلتى بفتور شديد أو بالتهرب من الحديث فى هذا المشروع الحلم.
وجاء اليوم الذى عثرت فيه على كتاب كامل بعنوان ” ممر التنمية” من تأليف الدكتور فاروق الباز، أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب قبل سنوات فى طبعة فاخرة وأنيقة، وشعرت آنذاك أننى عثرت على كنز ثمين، وبمجرد عودتى إلى البيت عكفت بشغف شديد على قراءة الكتاب، فإذا بى أمام كتاب شديد التواضع ، بل لاأبالغ اطلاقا اذا قلت انه كتاب تافه جدا، بل هو فى الحقيقة لايمكن تصنيفه على أنه كتاب، لأنه حرفيا بورقه الفاخر المصقول وصوره الملونة لايختلف اطلاقا عن كتيبات الدعاية والإعلان التى تصدرها الشركات الاستثمارية الكبرى لتوزيعها على العملاء فى المعارض أو المؤتمرات الدعائية فى الفنادق الكبرى.
آنذاك انتبهت إلى الرسالة الوحيدة التى يتبناها الرجل فى كل المؤتمرات والمحاضرات الجماهيرية والحوارات الصحفية والتلفزيونية: فالرجل دائم التأكيد على أن مصر تعوم على بحار وأنهار من المياه الجوفية المتجددة، والتى تكفى لإقامة مجتمعات وممرات سكنية وزراعية وصناعية، وأن المياه الجوفية المتاحة لهذه المجتمعات تكفيها لمئات السنين وربما لن تجف هذه المياه أبدا.
وكان انتباهى متزامنا تماما مع اهتمامى بقضية مياه النيل، وإنشغالى الدائم بحالة الفقر المائى التى أجمع كل المختصين دون استثناء واحد على أننا نتجه إليها بسرعة متزايدة.
فى حالات كثيرة كنت أتسامح مع ركاكة كتاب الدكتور فاروق وضحالة معلوماته وتفاهة عرضه لمشروعه العملاق.. وكنت أقول لنفسى لعل الرجل لايجيد الكتابة أو لايجيد التفكير إلا باللغة الانجليزية بحكم جنسيته الأمريكية وعمله الدائم فى وكالة ناسا، وأحيانا كنت أضعه فى مقارنة مع العالم المصرى العظيم الدكتور رشدى سعيد – وكتاباته فى جيولوجية مصر ونهر النيل هى المرجع الأول لكل أكاديميات العالم المختصة- فيتراجع هذا التسامح وأذهب مرة أخرى لمتابعته بحرص شديد وتفكير أشد فى هذه الرسالة الوحيدة التى لايحمل رسالة أخرى غيرها: وهى الترويج للمياه الجوفية التى تعوم مصر عليها وتكفيها لمئات السنين.
بعد ثورة – أو مصيبة- ٢٥ يناير ٢٠١١، عاد الدكتور فاروق الباز مرة أخرى إلى المشاركة بقوة فى الشأن العام المصرى، وتزامنت دعايته الفجة والجاهلة لمياه وأنهار مصر الجوفية، مع اعلان أثيوبيا عن بدء العمل فى بناء سد النهضة، الذى سيحرم مصر من حصتها التاريخية فى مياه النيل، وقد تصورت أحيانا أن الرجل سينتبه إلى خطورة مايقوله فى هذا الظرف العصيب، وخصوصا أنه لايوجد عالم واحد فى مصر أو غيرها من البلدان إلا ويؤكد أن خزان مصر من المياه الجوفية هو خزان غير متجدد وانه معرض للنضوب فى سنوات قليلة مع الاستخدام المكثف، والأخطر من ذلك أن علماء التغيرات المناخية بل المزارعين فى صحارى مصر لاحظوا أن مياه هذا الخزان تعرضت لزيادة نسبة الملوحة وأنها بعد سنوات قليلة لن تكون صالحة للزراعة.
ولكن الرجل لم يتراجع اطلاقا عن الدعاية المكثفة لهذه الجهالات، ومؤخرا ظهر فى برنامج عمرو أديب ليؤكد للمرة الألف أن مصر تعوم على أنهار وبحار من المياه الجوفية العذبة!!!!
والمثير واللافت أن ظهور فاروق الباز وتبشيره بأنهار المياه الجوفية ، تزامن مرة أخرى مع وصول المفاوضات مع أثيوبيا إلى طريق مسدود، ومع منح جائزة نوبل للسلام لآبى أحمد رئيس وزراء أثيوبيا حتى يتمتع بمكانة دولية تمنحه مزيدا من الصلف فى الاستهانة بحقوق مصر فى مياه النيل.
هل أقول أن الدكتور فاروق الباز من أجهل خلق الله فى الجيولوجيا ؟؟. أم أقول شيئا آخر يتناسب مع هذا الدور المشبوه الذى يؤديه ضد وطنه ؟؟؟. الحقيقة أننى أميل إلى أن هناك من يستعمل جهل هذا الرجل لإيذاء بلده.
ورغم ذلك ، أتمنى مخلصا أن يصل ماكتبته إلى هذا الرجل، فيكف فورا عن ترديد هذا الكلام لأنه أولا خاطىء علميا بشكل مطلق، ولأنه ثانيا يهدف إلى إلحاق أوجع الأضرار بالشعب المصرى.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى