ربع قرن على وادي عربة.. كيف يتعامل الأردن مع تهديدات الكيان الاسرائيلي بضم الغور؟
ليست حالة حرب ولا سلام كامل، هذا هو شكل العلاقة الأردنية الإسرائيلية بعد ربع قرن من معاهدة السلام “وادي عربة”، إذ يبدو أن العلاقة المضطربة بين الجانبين دخلت “نفق السلام البارد” نتيجة سلسلة من القرارات الأحادية من الجانب الإسرائيلي متجاوزة الاتفاقيات الدولية، وأهمها اتفاقية السلام.
الأردن يرفض أي اتصال رسمي من قبل الحكومة الإسرائيلية منذ عام ونيف ردا على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على القدس والمسجد الأقصى، وملف المياه الإقليمية والقضايا الأخرى، وفق ما كشفه مسؤول أردني سابق.
آخر التجاوزات الإسرائيلية تمثل في إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اعتزامه -إبان حملته الانتخابية- فرض السيادة على غور الأردن وشمال البحر الميت في حال فوزه بالانتخابات العامة، كما جدد تعهده بضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
تصريحات نتنياهو لم تكن الأولى أو الأخيرة، إذ لحقه تصريح لرئيس المجلس الإقليمي لغور الأردن ديفد ألحيني قال فيه “إن رئيس الوزراء أخبره بأن الغور في أيدينا، إضافة إلى ثقته بأن الولايات المتحدة وافقت أو ربما توافق على تطبيق السيادة الإسرائيلية على غور الأردن”.
تداعيات خطيرة
المملكة رأت في التصريحات الإسرائيلية تجاوزا على السيادة الأردنية وتهديدا لمعاهدة وادي عربة الموقعة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994.
وحذر الملك عبد الله الثاني من تداعيات “كارثية” في حال إعلان إسرائيل ضم غور الأردن بالضفة الغربية المحتلة، محذرا من أن “الخطوة سيكون لها أثر مباشر على العلاقات بين الأردن وإسرائيل، ولن يوفر ذلك الظروف المناسبة لإعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات”.
واحتلت إسرائيل في أعقاب حرب يونيو/حزيران 1967 أراضي الضفة الغربية والقدس التي كانت خاضعة آنذاك للسيادة الأردنية.
وشرحت معاهدة “وادي عربة” في المادة الثالثة -التي حملت عنوان “الحدود الدولية”- والملحق الأول تفاصيل المادة التي تتضمن تسعة بنود، ورفض الأردن – آنذاك- أي اقتراح إسرائيلي أثناء المفاوضات بشأن ترسيم الحدود بين المملكة والضفة الغربية.
ونصت المادة الثالثة على:
1- تحدد الحدود الدولية بين الأردن وإسرائيل على أساس تعريف الحدود زمن الانتداب البريطاني.
2- تعتبر الحدود (كما هي محددة في الملحق 1/1) الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها دوليا بين الأردن وإسرائيل، دون المساس بوضع الأراضي التي دخلت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1967.
3- يعتبر الطرفان أن الحدود الدولية -بما فيها المياه الإقليمية والمجال الجوي- حدودا لا يجوز اختراقها، وسوف يحترمانها.
4- سيتم ترسيم الحدود حسب ما هو منصوص عليه في الملحق 1 من الملحق 1/1، وسيتم الانتهاء منه في فترة لا تزيد على تسعة أشهر.
5- من المتفق عليه أنه حيثما تبع الحدود مجرى نهر فإنه إذا تغير مسيل مجرى النهر تغيرا طبيعيا فإن الحدود لن تتأثر إلا إذا اتفق على خلاف ذلك.
6- مباشرة عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة سيعيد كل طرف الانتشار إلى جهته من الحدود الدولية.
7- مباشرة عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة سيدخل الطرفان في مفاوضات للتوصل إلى اتفاقية خلال تسعة أشهر بشأن تحديد حدودهما البحرية في خليج العقبة.
8- آخذين بعين الاعتبار الأوضاع الخاصة في منطقة الباقورة -نهاريم التي هي تحت السيادة الأردنية- حقوق امتلاك خاصة إسرائيلية، يقرر الطرفان تطبيق المواد المنصوص عليها في الملحق 1/1.
9- فيما يتعلق بمنطقة الغمر “تسوفار” تطبق المواد المنصوص عليها في الملحق 1/1/ج.
ضربة قاسية
ويقول الخبير في القانون الدولي الدكتور أنيس قاسم إن إعلان نتنياهو يشكل ضربة قاسية للمعاهدة، ومخالفة صريحة للبند الثالث من المادة الثالثة، إذ يعتبر الطرفان المياه الإقليمية حدودا لا يجوز اختراقها، إضافة إلى أن ترسيم الحدود واضح في الملحق 1/1 من المعاهدة.
ويضيف قاسم للجزيرة نت أن إسرائيل جففت منابع المياه من نهر الأردن حتى يضطر المزارعون للمغادرة، وهذه العملية أفرغت الأغوار من نصف السكان تقريبا وحل مكانهم المستوطنون، وتصريحات نتنياهو كشفت الخطة بالكامل، إضافة إلى عدم الالتزام بالمعاهدة، مما يشكل خرقا للقانون الدولي.
ويذكّر الخبير في القانون الدولي بالمطامع الإسرائيلية، فهي لم تتوقف بعد، وأنها مستعدة للتوسع عبر النهر، لأن قانون القومية الذي صدر العام الماضي أعلن بشكل رسمي أن دولتهم تقام في أرض إسرائيل، وهي في المفهوم الرسمي الإسرائيلي تضم مناطق شرق الأردن لغاية خط حديد الحجاز.
الذكرى الـ25 لاتفاقية وادي عربة تأتي في ظل علاقات مضطربة بين الأردن وإسرائيل ودعوات لإلغاء الاتفاقية (الجزيرة) |
قلق أردني
تأتي حرب التصريحات بين الأردن وإسرائيل بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 نقل سفارته إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، مما شكل تحديا جديدا للمملكة، إذ رأت أن القرار يشكل خطورة على القضية الفلسطينية عموما، والقدس خصوصا.
ولحق الإعلان الأميركي قرار أردني بإنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام مع إسرائيل، ليستعيد الأردن هاتين المنطقتين بعد 25 عاما من إعطاء الاحتلال حق التصرف فيهما.
وتسعى عمّان إلى استخدام الأدوات الدبلوماسية لمواجهة القرارات الإسرائيلية المتتالية، وتؤكد جمانة غنيمات الناطقة باسم الحكومة الأردنية وزيرة الإعلام أن “الأردن يرفض إعلان نتنياهو عزمه ضم المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفرض سيادة إسرائيل على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت”.
وتشدد الناطقة باسم الحكومة الأردنية على أن تصريح نتنياهو يعد بمثابة تهديد للأردن، مشيرة إلى أن “مثل هذه الممارسات ستكون عواقبها وخيمة على أمن شعوب المنطقة واستقرارها، وعلى مستقبل عملية السلام برمتها”.
تعامل عمان
وتثير التصريحات والاعتداءات الإسرائيلية أسئلة عدة بشأن كيفية تعامل الأردن مع الواقع الذي تحاول أن تفرضه الإدارة السياسية لإسرائيل، والأدوات التي تملكها عمّان لمواجهة خطة “ضم غور الأردن وشمال البحر الميت”.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي أن موقف الأردن بالنسبة إلى التهديدات الإسرائيلية ضعيف مقارنة بملف أراضي الباقورة والغمر، وأن المملكة مطالبة بإرسال رسائل قوية ومباشرة إلى الجانب الإسرائيلي بشأن تأثر عملية السلام بأكملها.
ويوضح الرنتاوي للجزيرة نت أنه يجب إيصال رسائل من الأردن لإسرائيل مفادها بأنه لا يمكن للسلام أن يستمر إلا إذا انتهى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحصل الفلسطينيون على حقوقهم الوطنية المشروعة.
ويشير المحلل السياسي إلى أن التهديدات الإسرائيلية تمس معاهدة السلام بشكل يومي من خلال الاعتداءات داخل الأراضي الفلسطينية والضفة الغربية والاعتداء على المقدسات والتي تمس الوصاية الأردنية، إلى جانب العديد من المواقف، مثل قتل الشهيد رائد زعيتر وقتل أردنيين في السفارة الإسرائيلية بعمان.
بدوره، يتحدث رئيس الديوان الملكي الأسبق جواد العناني عن أن الأردن يتعامل مع التهديدات الإسرائيلية بطريقة دبلوماسية لا تريد خلق عواصف، فالمملكة لم تجدد اتفاق “الباقورة والغمر”.
ويكشف العناني للجزيرة نت عدم قبول الأردن أي اتصال دبلوماسي منذ الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى عمّان في يونيو/حزيران 2018 لغاية الآن، لعدم وجود رضا على التصرفات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، والملفات العالقة بين الجانبين.
وتوضح مصادر رسمية أردنية -طلبت عدم الكشف عن هويتها- أن لدى الأردن أدوات عديدة لمواجهة أي قرار أحادي الجانب، ويمتلك الكثير من الأوراق الدبلوماسية والقانونية.
غير أن الخبير في القانون الدولي أشار إلى أن “الأردن يتعامل مع إسرائيل مثل السلطة الفلسطينية بلين واحترام، وكأنها جار محترم بالنسبة للمملكة بينما لديها أوراق ضغط أكبر وتؤثر على سلوك الحكومة الإسرائيلية”.
ويتابع القاسم أن “بعض أوراق الضغط التي بحوزة الأردن “ملف التنسيق الأمني الذي تعتمد إسرائيل فيه بشكل كبير على الأردن ومنه تنطلق للعالم العربي، إضافة إلى التهديد بورقة معاهدة السلام، ومسألة أمن الحدود، وغيرها من الأوراق”.