الولادة الأرستقراطية بإيران.. هوس الأرقام يدفع الأمهات إلى اختيار موعد الوضع
كأي الحوامل اللائي لا يشعرن بألم المخاض قبل اكتمال فترة الحمل كانت الإيرانية مهستي تتحدث بشغف مع ثلاثة من أفراد عائلتها عن عملية الولادة القيصرية التي ستخضع لها بعد قليل لتسجيل 8/8/98 كتاريخ ميلاد مولودها في بطاقة الهوية الوطنية.
ولم تكن مهستي الوحيدة في صالة انتظار غرفة العمليات الجراحية بأحد المستشفيات الخاصة شمالي العاصمة طهران، بل هناك عشرات الحوامل الأخريات يعدن الدقائق لاستقبال فرحتهن المضاعفة باحتضان المولود ومنحه لقب “الولادة الأرستقراطية”.
وهوس الولادة الأرستقراطية لم يكن وليد اللحظة ولكنه بدأ منذ أكثر من عشرة أعوام عندما اصطفت أربعة أعداد ثمانية في التاريخ الشمسي الإيراني (8/8/88) وأدت حينها حمى الولادة الأرستقراطية إلى ارتفاع بنسبة 50% للمرة الأولى في البلاد.
ضجة وجدل
تتزايد أعداد الولادة القيصرية خلال الأعياد الوطنية والدينية والمناسبات الخاصة مثل ذكرى عقد قران الأبوين والمواقيت المميزة لاصطفاف وتكرار عدد محدد في شهادة الميلاد على سبيل المثال اليوم الثامن من الشهر الثامن في العام الإيراني 98، ليكون تاريخ الميلاد 8/8/98 المناسبة التي حفلت بها غرف العمليات الجراحية قبل أيام.
بعض التواريخ التي يتكرر فيها الرقم الواحد تغري الحوامل (الصحافة الإيرانية) |
ويكاد لا يسمع المرء سببا لتحديد بعض التواقيت والمناسبات للولادة القيصرية سوى مقولات مكررة مثل “تاريخ ميلاد مميز أو مناسبة وطنية نعتز بها” دون الوعي التام بأضرارها ومضاعفاتها وفق ما أعلنت مصادر طبية.
وأثارت الظاهرة ضجة لرفعها أعداد الولادات القيصرية عشرة أضعاف أحيانا، دون أن تكون لذلك دواع طبية للحفاظ على حياة الأم أو الجنين فضلا عن مخاطر العملية الجراحية والدعوات الملحة للإقبال على الولادة الطبيعية.
ووصف حامد بركاتي المدير العام لدائرة سلامة المجتمع والأسرة والمدارس بوزارة الصحة الظاهرة بأنها أحد أنواع الإساءة للأطفال، وحذر من أن الإصرار على الولادة في مواقيت محددة دون اكتمال فترة الحمل من شأنه الإضرار بالمواليد، وقال إن الظاهرة دخيلة في بلاده ولا مثيل لها في العالم.
وأشار إلى أن الحمل المكتمل يستمر لمدة أربعين أسبوعا، موضحا أن الولادة المبكرة عادة تقترن بمضاعفات مثل الصعوبة في التنفس بسبب عدم نضوج الرئتين وأعضاء غير ناضجة بشكل كاف، وقال إن المولود قد تحتاج لرقود المولود فترات طويلة في المستشفى.
وحذر ذلك المسؤول الحوامل من أن الولادة المبكرة تتطلب التواصل مع مراكز العناية الطبية لمدة أسابيع وأحيانا لعدة أشهر، وأن مضاعفاتها قد تتطور لدى البعض الآخر إلى مراحل لا يحمد عقباها.
أرقام مذهلة
كشفت الإحصائيات والمؤشرات الصحية الصادرة عن وزارة الصحة قبل أيام أن عدد الولادات في مستشفيات الجمهورية خلال العام الإيراني الماضي بلغت مليونا و350 ألف حالة ولادة، 50%منها قيصرية.
وعبر إيرج حريرجي مساعد وزير الصحة عن تزايد حالات الولادة القيصرية خلال المناسبات وما يعرف بالتواقيت الأرستقراطية بـالفاجعة، وكشف عن ارتفاع عدد الولادات القيصرية قبل أيام حيث تاريخ 8/8/98 المميز ثلاثة أضعاف في العاصمة طهران.
وأضاف -في حديث للتلفزيون الإيراني- أن نسبة الولادات القيصرية في تاريخ 7/7/97 ازدادت بنسبة 18% مقارنة مع متوسط هذا النوع من الولادات طيلة العام المنصرم، مؤكدا أن المعدل الطبيعي لحالات الولادة القيصرية يجب ألا يبلغ 18% من مجموع الولادات.
وفي الوقت الذي هدد بمعاقبة المؤسسات الطبية التي تخالف القانون عبر التعاون في التوليد المبكر، حث حريرجي الحوامل على الولادة الطبيعية، وأعلن أن الوزارة تقدم جميع الخدمات اللازمة للولادة الطبيعية بالمستشفيات الحكومية مجانا.
مواقف قانونية ودينية
أشار رئيس الجمعية العلمية للحقوق الطبية محمود عباسي إلى أن ارتفاع عدد الولادات القيصرية في بعض المناسبات والمواقيت من شأنه خفض جودة العلاج وزيادة احتمالات حدوث أخطاء طبية، معتبرا الأمر انتهاكا صارخا لحقوق الجنين.
وأضاف أنه وفق البند 20 من الدستور فإن جميع المواطنين متساوون تجاه القانون ويتمتعون بدعمه للحصول على جميع الحقوق الإنسانية، وقال “من هذا المنطلق فإن الولادة الطبيعية حق أساسي للجنين وأن مخالفته -ما عدا في الموارد الشاذة أو لدواع طبية- تعتبر انتهاكا صارخا للقانون”.
كما شدد على أن تلقي الرشاوى من قبل الكوادر الطبية لتقديم أو تأجيل مواعيد الولادة والعمليات الجراحية يعتبر مخالفة صريحة للمواثيق الطبية، وأن الطبيب هو المسؤول عن تداعياتها، مشيرا إلى أن والدي الجنين سيكونان شريكين في الجريمة التي تنفذ على يد الطبيب الجراح إذا ما تعرض الجنين لأي مكروه وفقا للمادة 718 من قانون العقوبات الإسلامية.
ومع تزايد الجدل بشأن الظاهرة في هذا البلد المحافظ، أرسلت العديد من الأسئلة الفقهية إلى بيوت الفقهاء ومراجع الدين وكانت الأجوبة متفاوتة من مرجع إلى آخر، إلا أن موقع “هدانا” المختص بالرد على الأسئلة الفقهية حصر جواز العملية بتحييد الأضرار بالنسبة للحوامل والمواليد.