صور بعدسات المحترفين.. توثيق لأكثر لحظات المظاهرات اللبنانية قوة
مهما بلغت أهمية الكلمة، تبقى الصورة هي اللغة العالمية التي يفهمها الجميع مهما اختلفت الثقافات. وترسخ الصورة في الأذهان وتوثق الأحداث إذا كانت تشتمل على كامل الحقيقة.
ولا أحد ينسى صورة الفتاة الفيتنامية الصغيرة التي كانت تركض عارية بعض قصف الأميركيين لمنطقتها، ولا أحد ينسى أيضا تأثير تلك الصورة على الرأي العام الأميركي والاحتجاجات التي خلفتها.
وفي ثورة الشعب اللبناني مؤخرا صور هزت الرأي العام وأخرى أبكت الناس وغيرها تركت تأثيرا إيجابيا. موقع الجزيرة نت التقى بمصورين وثقوا لحظات من الثورة.
نادين عباس: الثائرات هن الجميلات
نزلت المصورة نادين عباس إلى الشارع لأنها أعجبت بالمشهد الراقي منذ اليوم الأول ولأن المطالب تتعلق بحقوق الإنسان البديهية وغير المتوفرة في لبنان، ووجدت أنه بعد موضوع الحرائق كان الحراك المكان المناسب لتفجير الغضب والحزن، خاصة أن السلطة لم تقم بإنقاذ البلد.
نادين مصورة أفراح ولكنها شعرت أن هذا المشهد يجب أن يوثق، وكان تركيزها على السيدات حيث أنشأت ألبوما تحت عنوان “الثائرات هن الجميلات” على فيسبوك.
أما أكثر صورة أثرت بنادين ولا تعرف مصدرها فهي صورة سيدة مقعدة كتبت على لافتة الصغيرة “أنا رح قوم عن الكرسي وأنتو بعد ما قمتو”.
وتقول “عادة أصوّر عائلات سعيدة وصور فرح، وصور الثورة هذه لم تكن بعيدة لأن الفرح كان موجودا رغم الوجع، والتعبير عن المطالب كان ممزوجا بفرح لأنها بإجماع شعبي”.
صورة المرأة المسنة التي وثقتها نادين بعدما رأتها قادمة فانتظرتها حتى انخرطت بالجموع واقتربت منها وصورتها، كانت تنزل بالعكاز وبسرعة، وكانت بحسب نادين فرحة وترتدي ثيابا كأنها ذاهبة إلى عرس، وعندما تحدثت إليها أجابت السيدة بأنها مسرورة جدا “لنا جميعا” وطلبت من نادين أن تصورها أكثر.
حسين بيضون يوثق ريادة المرأة في الثورة
حسين بيضون مصور صحفي في جريدة وموقع العربي الجديد يخبر أن الحراك يعنيه كمواطن أولا يعاني مثل كل الشعب من مشاهد انقطاع الكهرباء والماء والمرض والموت على أبواب المستشفيات والأولاد الذين يتسولون في الطرقات، ويعتبر أن مهمته هي توثيق الأحداث، ومنذ العام 2009 وهو يصور كل حراك في لبنان.
يقول حسين إن الصدمة جعلته يقف مكانه عندما رأى نزول مناصري السلطة ومشهد حرق الخيام وضرب الناس وتعرض بعض زملائه للضرب، وتهديده بتكسير الكاميرا وضربه بالعصا على ظهره، ثم نزولهم إلى ساحة الشهداء ومشهد النساء والأطفال يصرخون هاربين.
وقال للجزيرة نت “كنت أصور بجمود دون أن أستوعب ما يجري في الوقت الذي يجب فيه أن أصور أكثر، ولكن زميلي أخذ أكثر الصور تأثيرا حينها التي توثق الشاب الذي كان يهم بضرب الفتاة والتي أخذت ضجة كبيرة”.
وعن صوره المؤثرة اختار حسين صورة لشاب وفتاة يحملان علم لبنان التقطها في الثانية بعد منتصف الليل بعد جولة من القنابل المسيلة للدموع التي أطلقها رجال الأمن لتشتيت الناس الذين عادوا بعد ساعات لساحات الاعتصام.
والصورة الثانية المليئة بالدخان الأحمر كانت لفتاة تقود الناس، يقول حسين إنه أخذ هذه الصورة احتراما لريادة النساء في هذه الثورة التي تظهر قوة المرأة بهذه المشاركة الفعالة.
كذلك صورة الطفل الذي يلون كلمة ثورة تظهر بالنسبة لحسين الجيل الجديد الذي يرسم الأمل بالمستقبل.
اجتماع الأجيال
مصور وكالة الأنباء الفرنسية منذ أكثر من 25 عاما أنور عمرو اعتاد على تغطية الحروب في لبنان وسوريا والعراق، نزل إلى المظاهرة للتغطية منذ اللحظة الأولى حيث العمل أصبح حوالي 20 ساعة يوميا، وكان يتنقل على دراجة نارية أثناء قطع الطرقات لتسهيل الحركة في بيروت وضواحيها.
يتقاسم أنور مع زملائه الستة العمل جغرافيا حتى يتسنى لهم تغطية المناطق كافة. ويعتبر أن الصورة التي أخذها زملاؤه لساحة طرابلس كانت الأجمل فنيا حيث الاحتشاد والإضاءة الرائعة.
ويعتبر أنور أن الفرق كبير جدا بين تغطية الحروب والمظاهرات خاصة في لبنان، كون نسبة المخاطرة بالحياة شبه معدومة رغم شغب الثورة، لكنه ضئيل نسبة للثورات الأخرى في الدول العربية.
وأكثر ما أثر به أن العلم اللبناني كان في كل الاتجاهات، واجتماع الأجيال على المطالبة بالتغيير والإصلاح، قائلا للجزيرة نت “أدهشني طلاب المدارس يتحدثون بطريقة واعية جدا ونحن الذي حكمنا عليهم بأنهم جيل الآيباد والتلفون ولا يقرؤون، وجدت وجهة نظري خاطئة بعد تماسي اليومي معهم والاستماع إليهم يريدون بلدا ومستقبلا”.
من صور أنور في الثورة اختار صورة الفتاة التي كانت تنظر إلى العلم وكتبت على وجهها ثورة، فقد رأى فيها أملا مشرقا.
والصورة الثانية بين ساحة الشهداء ورياض الصلح حيث وجد امرأة تفترش العلم اللبناني وتصلي، صورها وانتظرها وأخبرها أن الجامع قريب إذا أرادت أن تصلي، فقالت له إنها تعلم ذلك، ولكنها أرادت أن تصلي لأجل الثوار وتدعو لهم.
أما الصورة الثالثة فكانت لطفل رسم علم لبنان على وجهه بطريقة مبتكرة، يقول أنور للجزيرة نت “صورته، وبعد 4 أيام أتت سيدة من وسط الجموع وقبلتني وكان معها رجل وطفل وسألتني إن عرفتها أو عرفت الصبي فقلت لا، فقالت هذا ابني الذي صورته وعلى وجهه العلم ونشرت صورته في الغارديان”.
ثم أرته المرأة الصورة على هاتفها وقالت له أنها ستكون أرشيفا لابنها كيف كان يعمل لمستقبل أفضل لجيله. أما الصبي الذي يبلغ من العمر 12 عاما فقال لأنور “غدا سأخبر أولادي أننا صنعنا ثورة لأجلكم”.