ماذا تعرف عن معدن السيليكون الذي غير حياة البشر بشكل غير مسبوق؟
من المدن التي لا تنام إلى القرى الريفية النائية، ثمة ابتكار تكنولوجي واحد غيّر الطريقة التي نعيش ونعمل بها. إذ تعتمد جميع الأجهزة الإلكترونية، من الهواتف الذكية إلى مراكز البيانات ومن الدراجات الكهربائية إلى الطائرات الأسرع من الصوت، ومن أجهزة تنظيم ضربات القلب إلى أجهزة الكمبيوتر الفائقة، على أجزاء تقنية دقيقة يطلق عليها اسم “أشباه الموصلات”.
وتعد أشباه الموصلات اللبنات الأساسية في جميع أجهزة الكمبيرتر الحديثة، وتستخدم في تصنيع المفاتيح الإلكترونية التي تسمى الترانزستور، وهي المكونات الدقيقة التي تقوم بتكبير وتضخيم الإشارات الإلكترونية والكهربائية وتجري العمليات الحسابية داخل الكمبيوتر.
وطُور “الترانزستور” للمرة الأولى في الولايات المتحدة عام 1947، ليحل محل الصمامات المفرغة التي كانت تعتمد عليها أجهزة الكمبيوتر، إذ كانت هذه الصمامات بطيئة وكبيرة الحجم. لكن اكتشاف السيليكون أحدث تغيرا كبيرا.
وبفضل السيليكون، أصبح من الممكن تصغير حجم الترانزستور إلى حد يسمح بإدخاله في الشرائح الإلكترونية الدقيقة. ومهد هذا الترانزستور الدقيق الطريق أمام تطوير الأجهزة الإلكترونية التي تزداد صغرا وذكاء عاما بعد عام.
ويقول جون نيفر، المدير التنفيذي لاتحاد صنّاع أشباه الموصلات: “إن تصغير حجم الترانزستور أتاح لنا تصنيع أجهزة لم تخطر على بال الأجيال السابقة. إذ أصبح بوسعنا وضع جهاز كمبيوتر هائل الحجم في شريحة دقيقة”.
وشرع العلماء في تصغير الشرائح الإلكترونية بوتيرة غير مسبوقة، كأنما يحركهم قانون ما. إذ تنبأ قانون مور، الذي ذكره غوردون مور، أحد مؤسسي شركة “إنتل” للشرائح الإلكترونية الدقيقة، منذ 50 عاما بأن أعداد الترانزستور التي يمكن إدخالها في الشريحة الإلكترونية ستتضاعف كل عامين.
وكان مور محقا حتى وقت قريب. ولم تتراجع وتيرة التصغير إلا بعد أن تجاوزت محاولات تقليص حجم الترانزستور حدود القوانين الفيزيائية. إذ كان الترانزستور في الماضي يرى بالعين المجردة، لكن الآن قد تحوي الشريحة الإلكترونية الواحدة مليارات من رقائق الترانزستور، وكان هذا التطور المطرد في تصنيع الترانزستور نواة للثورة الرقمية.
غير أن مادة السيليكون التي أشعلت هذه الثورة، هي مجرد مادة متواضعة، وتعد واحدة من أكثر المواد انتشارا على سطح الأرض. إذ يوجد السيليكون في معادن تمثل 90 في المئة من القشرة الأرضية.