حملة الرئاسيات بالجزائر.. أجواء مشحونة بين المؤيدين والمعارضين
وشهدت التجمعات الانتخابية منذ اليوم الأول أحداث شغب واعتراض من مواطنين تجمهروا في ذات الأماكن، وفي حالات تمّ اقتحام القاعات بهتاف “لا للانتخابات مع العصابات”، وهو ما اضطر قوات الأمن إلى التدخل وفرض إجراءات أمنية مشددة.
وبلغ الاستقطاب حدّ الاعتداء الجسدي والمعنوي على المترشحين وأنصارهم في كثير من المدن، من خلال الرشق بالبيض والإهانات اللفظية، على غرار ما تعرضت له سيدّة بسبب حملها صورة مرشح تدعمه وسط مدينة بومرداس (50 كلم شرق العاصمة).
وأدت تلك الوقائع إلى اعتقال عشرات المتظاهرين، وحكم على بعضهم بالحبس النافذ سنة ونصفا، في وقت طالب فيه مترشحون متضررون بإطلاق سراحهم.
لافتة تدعو إلى المشاركة في الانتخابات (رويترز) |
تحدٍّ وإصرار
وفي المقابل، ظهر أنصار الانتخابات مصرين على التحديّ، حيث آثر المترشح عبد القادر بن قرينة الانطلاق الرمزي من ساحة البريد المركزي في وسط العاصمة، وهي معقل الحراك الشعبي.
وتعمد آخرون الخروج إلى الشارع والمقاهي للاحتكاك بالمواطنين مباشرة، فضلا عن عقد تجمعات جماهيرية يومية رغم محاصرة المناوئين، وكذا التدخل عبر وسائل الإعلام التي صدّت في معظمها الفضاء أمام المقاطعين للانتخابات.
وكثّف المتعاطفون من حملاتهم الدعائية الافتراضية، كما أطلق مرشحون تطبيقا على “بلاي ستور” (play store)، للتواصل مع الجمهور واختراق جدار دعوات المقاطعة.
وخرجت في الأيام الأخيرة مسيرات مضادة وصفت بأنها محدودة للتعبير عن تأييدها للمسار الانتخابي، في مواجهة حراك لا يزال رافضا للعملية السياسية وفق الشروط القائمة.
وفي غضون ذلك، أكد رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح “تعهّد الدولة بواجب التصدي الصارم لكل أشكال الإخلال بسريان المسار الانتخابي أو باختلاق الإرباك والتعطيل”.
كما توعّد رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح -الخميس الماضي- “من يحاول عرقلة سير الرئاسيات القادمة بالجزاء العادل وفقا للقانون”.
حذر وإحباط
وفي تقييمه لزخم الحملة الانتخابية الجارية على وقع الانقسام المجتمعي والسياسي الواسع، أكد أستاذ الإعلام في جامعة قسنطينة إدريس بولكعيبات أنها تسير بحذر شديد، مما يعكس قلة الحماسة وحالة الإحباط في الشارع الجزائري.
وقال في حديث للجزيرة نت إنّ كلّ التجمعات لم تكن لافتة من حيث الحضور، فقد جرت داخل قاعات مغلقة، وخلت من الاستعراض الشعبي الكبير الذي تعوّد الجزائريون على مشاهدته في الماضي.
وأرجع الأمر إلى وجود مخاوف من احتمال حدوث احتكاك غير مرغوب فيه، في ضوء تهديدات الرافضين لتنظيم الانتخابات من الأساس، إضافة إلى غياب التمويل من رجال الأعمال الكبار الذين كانوا وراء حملات الرئيس المستقيل، وهم اليوم في السجن بتهم الفساد.
كسر عظم
من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بوبكر جيملي إنّ الانتخابات تشهد معركة لكسر العظام، بين المؤسسة العسكرية المصممة على إجرائها واستخدام كافة الوسائل من أجل ذلك، وطرف آخر يعمل على تجنيد الشارع للوقوف في وجهها والحيلولة دون المشاركة الشعبية فيها.
وأوضح للجزيرة نت أنّ الحملة بدل أن تعرف منافسة بينية “مترشح مقابل مترشح”، فقد تحولت إلى منافسة خارجية “الحراك مقابل المرشحين”، أي بين الطرف المقاطع والجناح الراغب في المشاركة.
وفي قراءة لمجريات الحملة الانتخابية وأحداثها، أكد جيملي أنها محصلة لانقسام الرأي العام تجاه موعد 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بين طرف مقاطع يمثله الحراك المستمر في الشارع، وآخر مشارك ومقتنع بخريطة طريق المؤسسة العسكرية.
مبررات وتوقعات
وأضاف جميلي أن دوافع المشاركة الانتخابية ترتكز في غالبيتها على التحذير من التأجيل، لأن مصالح ومؤسسات الدولة الجزائرية لا تتحمل تبعات الفراغ المترتب عن شغور منصب رئيس البلاد.
وتابع أنّ أهم مسوغات المقاطعة هي أن هذه الانتخابات ستعيد إنتاج النظام السابق، ولذلك تسعى فعاليات الحراك لإفشالها، باعتبار أن المطلب الأساسي هو رحيل السلطة القائمة، بينما تشكل الانتخابات إحدى مخرجات خريطة طريق الجيش التي لم يوافق عليها الحراك، منذ تشكيل لجنة الحوار برئاسة كريم يونس، إلى تعيين موعد الانتخابات، مرورا بتسمية أعضاء “السلطة المستقلة” لها.
وتوقع جيملي أن يشهد الأسبوع الثاني نوعا من التصعيد، حيث سيسعى المترشحون لفك الحصار المسلط عليهم من الحراك، بمحاولة النزول أكثر إلى الشارع بدعم من السلطات العمومية.
ويعتقد أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الاعتقالات في صفوف الحراكيين، وتسجيل حالات من استخدام العنف والمشادات اللفظية والجسدية.