حرب الدراما بين المماليك والعثمانيين: أردوغان والسيسي!
كان إعدام «طومان باي»، في مسلسل «ممالك النار» على يد السلطان «سليم الأول» فرصة مواتية، للأبواق الإعلامية والسياسية في مصر، لمحاولة جذب التعاطف مع عبد الفتاح السيسي، باعتباره شهيد اللحظة، وباعتباره «طومان باي» المرحلة، ولصب اللعنات على قاتله «أردوغان»، والدفع بلحظة الإعدام لإعلان الحرب على الخلافة العثمانية، التي احتلت مصر وقتلت رمزها الطاهر: «طومان باي»، أو السيسي، وقد جاء على لسان الرجل وهو يفارق الدنيا ما يؤكد حبه لمصر، وتضحيته من أجلها، وكيف أنه قدم روحه فداء لها، يوشك أن يردد الهتاف المعتمد لدى السيسي والذي صار أقوى من النشيد الوطني: «تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر»!
ليس خبراً أن يقال إن الدراما التركية متربعة الآن على عرش الدراما في العالم العربي وعلى مدى العشر سنوات الأخيرة، وهي عندما زحفت إلى عالمنا، لم تكن تواجه الدراما المصرية، التي كانت قد استسلمت لتفوق الدراما السورية، وكان الأمر يبشر بربيع سوري في مصر، التي تُعرف تاريخياً بالاكتفاء الذاتي في كثير من الملفات، ومنها الدراما والصحافة، وقبل مرحلة الانترنت فقلما تجد مثلاً مصريين لديهم شغف بكاتب غير مصري، أو أن صحيفة مصرية تحتفي بكتاب غير مصريين، إلا في حالات استثنائية، عندما صنعت «الأهرام» زاوية يومية كان يتناوب عليها لسنوات عدد من الكتاب العرب بعدد أيام الأسبوع، وهذا حالنا في الدراما، لكن المصريين قبلوا سريعاً الممثل السوري جمال سليمان، لكن ليس بلهجته السورية، فقد نافس الفنان ممدوح عبد العليم في دور «الصعيدي» الشامخ، الذي هو سيد في قومه.
لكن بانهيار الدراما المصرية، لأسباب يطول شرحها، ومن بينها تحول المنتج المصري للدراما التلفزيونية (قطاع الإنتاج في اتحاد الإذاعة والتلفزيون)، إلى سمسار، حضرت الدراما السورية فتماهى المصريون مع اللهجة السورية، بعد أن كانوا منغلقين على لهجتهم بتنويعاتها المختلفة، لكن الدراما التركية دخلت على الخط، وكانت البداية في مسلسل «نور» الذي عُرض في مصر في سنة 2008 بعد عرضه في تركيا قبل ذلك بثلاث سنوات، ولفت الانتباه إلى هذه الدراما التي قررت أن تتمدد في العالم العربي، وعندما زرت إسطنبول لأول مرة، وكنت في رحلة في مضيق البسفور، سمعت هناك كيف أن خليجيين يأتون إلى «القصر» الذي تم تصوير المسلسل فيه، فقد صار مزارا ومقصدا سياحيا. قيل لي هذا بينما تتم الإشارة إليه!
لقد انتشرت الدراما التركية، بفضل الدبلجة، وعرف المصريون قناة «الحياة» في بدايتها بفضلها، فعند عرضها لمسلسل تركي، ذهبت إليها الشريحة الأكبر من الإعلانات، وتصدرت هذه القناة الوليدة المرتبة الأولى من حيث المشاهدة في مصر، ولم تكن تقدم جديداً، يجذب المشاهد إلا المسلسل التركي!
الخلافة العثمانية
كانت المسلسلات المدبلجة تقوم في معظمها على قصص الحب والعشق، كما تقول العناوين: «الحب الأبدي»، «عطر الأمس»، «بنات الشمس»، «العشق المر»، «غموض الحب»، حتى اعتقد المرء أنه مجتمع لا يعرف إلا الحب والهيام، قبل أن يرى المشاهد مظاهرات ضد ظاهرة ضرب الزوجات، فوقف على أن الأمر كله تمثيل، وأن زمن الرومانسيات ولى عند الجميع ولم يبق منه إلا مثل هذه الأساطير، الموجودة في المسلسلات التركية.
وكان مسلسل «حريم السلطان» خطوة في اتجاه الدراما التاريخية، ويروى أن أردوغان انتبه إلى أهمية الدراما في هذه المسلسل، وإذ مثل هذا العمل تشويها لتاريخ الشخصية التاريخية سليمان القانوني، فكان مسلسل «قيامة أرطغرل»، الذي يتحدث عن الخلافة العثمانية ودواعي تأسيسها وانتشارها، وانزعج خصوم أردوغان، وهم منزعجون منه بالفطرة، ولهذا فهو هدف للأبواق الإعلامية، التي تدار من قبل الأجهزة الأمنية السيادية، فكان لا بد من رد حاسم يدين الحقبة العثمانية في مصر، فكان مسلسل «ممالك من نار» الذين يدين السلطان العثماني سليم الأول، باعتباره جاء محتلا للتراب المصري، كما أن الخلافة العثمانية هي استعمار ينبغي مقاومته، وإذا كان «المصري الأصيل» خالد الذكر «طومان باي»، والذي يُكتب اسمه في بعض كتب التاريخ «طومانباي»، هُزم فيكفي أنه قاوم المحتل، ومن حسن الحظ أن حفيده عبد الفتاح السيسي قد جاء على قدر ليهزم «سليم الأول» ممثلاً في حفيده «أردوغان»!
وبعض الكتابات، صورت السيسي على أنه ليس فقط حفيد «طومان باي»، ولكنه هو «طومان باي الجديد»، وأنه في هذه المرة سيهزم «سليم الأول الجديد»، بالشكل الذي كتبه بوضوح عضو مجلس النواب، ومؤسس حركة تمرد «محمود بدر»، كجزء من حلقة الذكر المنصوبة لمسلسل «ممالك من نار». ولا ننسى حملة «الشحتفة» في ليلة اعدام « طومان باي»، والتي كشفت عن جهل عميق، وكشفت عن محنة الحكم العسكري وداعميه.
عندما اكتسحت الدراما التاريخية المجال الجوي العربي، لم تهزم الدراما المصرية، فقد كانت مهزومة بالفعل، لكنها جاءت لتهزم الوافد الجديد وهو الدراما السورية، والتي ساهمت في طوي صفحتها سريعاً عملية التدمير التي تعرضت لها سوريا، وتحويلها إلى «خرابة» بواسطة بشار الأسد وحلفائه، فهذا كائن استعان بالقوات الأجنبية لتدمير بلاده وتهجير شعبه، فما يهمه أن يستمر حاكماً ولو على «دورة مياه»!
فلم يكن تفوق الدراما التركية على حساب الدراما المصرية، التي كانت تحتضر، وجاء الحكم العسكري ليجهز عليها بعد سنة 2013، وكذلك كان الحال عندما جاءت الخلافة العثمانية لمصر، فلم يكن المصريون معنيين في الأمر، فإذا سلمنا بأنها احتلال، فقد كانت في مواجهة احتلال آخر هو حكم المماليك، وإذا كان «سليم الأول» تركي، فقد كان «طومان باي» شركسي، وإذا كنت ضد فكرة الخلافة الإسلامية، فكلاههما خلافة: «الخلافة العثمانية» و»الخلافة المملوكية»، فأين مصر هنا، ولم تكن حاضرة إلا كمشاهد للمباراة، بل إن الدور الحاسم ضد «طومان باي» لعبه مصري هو حسن مرعي، ابن محافظة البحيرة، الذي وشى بالزعيم المملوكي، بعد أن هرب عنده وأقسم أمامه أنه لن يخونه، وهو الجانب الذي لم يتعرض له مسلسل القوم!
الاعتماد العسكري لـ«ممالك النار»
مسلسل «ممالك النار» حصل على «ختم النسر»، والاعتماد العسكري، بغض النظر عن الجهة التي أنتجته، فقد قيل إنه انتاج سعودي – مصري مشترك، قبل الإعلان عن أنه انتاج إماراتي خالص، وقد تكلف 40 مليون دولار، ولم يجدوا مخرجاً مصرياً أو عربيا يستطيع إخراجه في المستوى الذي يريدون فتمت الاستعانة بمخرج من بلاد الاكسلانسات، بحسب خالد الذكر الرئيس مبارك!
ليس بين الخيرين حساب، ولا مشكلة في أن يكون المبلغ كله مدفوع من الخزينة الإماراتية، فبين الجانب السيساوي والجانب الإماراتي مشترك يتمثل في العداء لتركيا، فضلا عن أن المال الإماراتي يستخدم في المجال الإعلامي في مصر، وقد دفعت مليار جنيه لصالح شبكة «دي أم سي» مبدئياً مع أنها قناة مملوكة للمخابرات في مصر، وكان السيسي قد قرر أن تكون شبكته الرسمية على حساب التلفزيون المصري، قبل أن تفسد التجربة!
بيد أن المشكلة هنا في أن القوم في القاهرة وأبو ظبي لم ينتبهوا إلى أنهم، وإن كانوا في محاولتهم المستميتة تشويه تركيا بالاستعانة بالتاريخ، فقد كان المماليك بين أتراك أيضا وشركس، وكانت دولتهم في مصر يُطلق عليها «الدولة التركية»، وهكذا بدد القوم هذه الملايين على عمل فاشل فنياً وتاريخياً، ودفع الناس لمحاولة التوصل إلى الحقيقة.
فلم يكن حضور الخلافة العثمانية في مصر احتلالاً، إلا إذا اعتبرنا أن الخلافة المملوكية احتلالاً أيضاً، وإذا اعتبرناها كذلك، فإن الهدف من المسلسل يكون قد تاه في الصحاري والوديان، لأنه معركة بين محتلين، لبلد لم يخرج أهله في الحالتين لمواجهة الاحتلال، سواء مملوكي تركي، أو مملوكي شركسي، أو عثماني، فلم يكن «طومان باي» من نسل حور محب، أو اخناتون، وإذا اعتمدنا رواية الأبواق الإعلامية، ورواية محمود بدر، عضو البرلمان ومؤسس تمرد، فإنهم سيضعون أنفسهم في موضع لا نقبله لهم، ذلك لأن الدولة المملوكية هي في الأصل دولة عبيد تم شراؤهم، ثم إنهم ليسوا بمصريين، ولكنهم غزاة، فهل يمكن قبول أن تكون دولة العسكر في مصر امتدادا لهؤلاء المماليك؟!
وهذا الأداء، الذي وقع فيه القوم يدفع لطرح هذا السؤال: هل التاريخ مادة مقررة في الكلية الحربية على زمن عبد الفتاح السيسي؟ ومن أين جاء اليه الاعتقاد بأنه يمكن أن يكون «طومان باي»، كما كتب «محمود بدر» وغيره، وإذا كانت مادة التاريخ غير مقررة في الكليات العسكرية على أنهم من يصنعون التاريخ! فهل يمكن أن يجهل أنصار السيسي التاريخ حد التصور أن الدولة المملوكية هي دولة مصرية، كانت في مواجهة مع المحتل الغازي ممثلاً في الخلافة العثمانية؟!
إن ما يهم أبو ظبي هو تشويه أردوغان، باعتباره الامتداد الطبيعي لآل عثمان، فهل مثل مسلسل «ممالك النار» الانتصار إلى مصر والمصريين؟
لقد نشرت وكالة رويترز قبل أيام تقريراً عن الحالة الإعلامية في مصر، وكيف أن الضباط هم من يسيطرون على الدراما تماماً، وعندما يتم تصوير أهل الحكم على أنهم مماليك، وزعيمهم المفدى على أنه «طومان باي الجديد»، فإننا سنقف على أنه المال الحرام، الذي يذهب من حيث أتى.
لقد أورد النقلي أن الطواشية استولوا على أحوال الدولة المملوكية وعظم دورهم فيها.
فيا أعزائي المماليك الذين يحكمون مصر، هل أنتم سعداء بما قاله النقلي؟!