عين العتروس.. مياه جوفية ساخنة في تونس لاستعادة الشباب و الحيوية
وتتوزع منابع المياه الكبريتية الساخنة تقريبا على كامل محافظات تونس، غير أن “عين العتروس” تعتبر الأشهر على الإطلاق إذ حباها الله بشاطئ صخري على بعد أمتار قليلة تصبّ فيه المياه الساخنة التي تصل أحيانا إلى درجة الغليان، مما جعلها فريدة من نوعها.
وتعتبر قرية عين العتروس والقرى المجاورة لها إرثا فينيقيا يعود لفترة قدوم الفينيقيين المهاجرين من صيدا وصور إلى أرض أفريقية (التسمية التاريخية لتونس)، ليستقروا على ضفاف المتوسط من الجهة الشرقية حيث كانت منابع المياه عامل جذب واستقرار رئيسيا.
طفل يستمتع بمنظر النبع الكبريتي بعد السباحة في البحر الساخن في “عين العتروس” |
خصائص استشفائية
تتميّز “عين العتروس” بموقع جغرافي فريد وتتوسط الجبل والبحر اللذين تفصلهما أمتار قليلة، مما يجعل المكوث بها حصة استشفائية لابتعادها عن صخب المدن السياحية المجاورة، إضافة إلى مشهد البخار المتصاعد من مياه البحر الذي يضفي عليها نوعا من الغرابة والتميز.وتتدفق مياه عين العتروس مباشرة باتجاه البحر الذي يمثل ملطفا للمياه الساخنة التي تصل درجة حرارتها إلى 59 درجة، بسرعة تدفق تصل إلى 39 لترا في الثانية الواحدة، الأمر الذي يجعل من السباحة أو الاستحمام فيها مباشرة أمرا بالغ الخطورة ويعرّض صاحبها لحروق بليغة.
ويحتوي المنبع على مياه كلورية صودية غنيّة بالكبريت والكالسيوم، إضافة إلى وجود عناصر كيميائية طبيعية مثل المنغيسيوم والصوديوم والبكاربونات والبوتاسيوم والفلوريدات، مما جعله غنيا بخصائص علاجية كثيرة للعديد من الأمراض المزمنة خاصة لدى الكهول والشيوخ.
وتفيد اللوحة الرخامية التي وضعتها وزارة الصحة العمومية أن لعين العتروس خصوصيات علاجية متعددة، فهي تساعد على التخفيف من آلام الروماتيزم ومعالجة الأمراض الجلدية وأمراض الأوردة الدموية وأمراض النساء، إضافة إلى تخفيف حالات الإرهاق النفسي والعضلي.
ويقول البوزيدي (75 عاما) أنه تعوّد منذ ثلاثة عقود على السباحة شتاء في عين العتروس، ويتذكّر كيف أن عمله كسائق سيارة أجرة جعله يصاب بأمراض في المفاصل والعمود الفقري، ولكنه تعافى بفضل مياه النبع الكبريتية، ولذلك يعتبر نفسه من أوفياء المنطقة رغم إقامته في العاصمة.
فئات متنوعة
تغزو النسوة الصخور البحرية لشاطئ عين العتروس، إذ إن حرارة المياه الكبريتية التي تتدفق بينها جعلتها تتميّز بحرارة معقولة تمثّل مصدر استرخاء وتخفيف لآلام ظهورهن وأرجلهن. أما الرجال والشيوخ فيعمدون إلى السباحة في البحر الذي يتصاعد منه البخار المتأتي من غليان ماء النبع.
ويقول السائح الإيطالي ألبرتو (60 عاما) إن أصدقاءه من التونسيين نصحوه بالمجيء إلى عين العتروس للتداوي طبيعيا، بعد أن تراكمت عليه مضاعفات الأدوية التي يستعملها لعلاج التقرحات الجلدية التي يعاني منها منذ سنوات، وأكد أنه بدأ يشعر بتحسن ملموس وينوي العودة قريبا للبقاء مدة أطول.
وتحتل تونس المرتبة الثانية عالميا في ترتيب الوجهات السياحة الاستشفائية بعد فرنسا، وتضم أكثر من 40 عينًا استشفائية بين منابع طبيعية وأخرى مستحدثة في إطار استثمارات جعلتها توفر رصيدا من العملة الصعبة يتجاوز 500 مليون دولار سنويا، وذلك حسب إحصائيات وزارة السياحة.
ويستقطب هذا القطاع نحو ستة ملايين سائح سنويا، تجذبهم المرتبة العالمية المتقدمة لتونس، إضافة إلى محافظة جل المنابع على طبيعتها الأصلية التي تمثّل عامل استمتاع إضافيا كما هو الحال في عين العتروس، دون أن نغفل عن فارق العملة الذي يخوّل للسياح ظروف إقامة أجود بأسعار مناسبة.