الحكم بإعدام مشرف.. ارتياح شعبي بباكستان والجيش غاضب
ست سنوات كاملة استغرقتها المحاكم الباكستانية لتصدر حكمها الأوليّ بالإعدام على الحاكم العسكري السابق للبلاد الجنرال برويز مشرف، بتهمة الخيانة العظمى، وهو الحكم الذي شكل سابقة تاريخية في باكستان.
الحكم الذي أصدرته -صبيحة الثلاثاء- محكمة خاصة شُكلت للنظر في التهم الموجهة إلى مشرف، أحدث هزة كبيرة في الأوساط العسكرية والسياسية والشعبية.
وبدأت في عام 2013 محاكمة مشرف حضوريا بأربع تهم تصل إلى الخيانة العظمى، إبان حكومة نواز شريف الثالثة، لفرضه حالة الطوارئ عام 2007 وإلغاء الدستور وفرض دستور مؤقت وعزل كبير القضاة آنذاك افتخار محمد تشودري، الذي قاد حملة ضد مشرف أجبره فيها على التنازل عن قيادة الجيش ثم التنازل عن الرئاسة وإجراء انتخابات عامة والعفو عن نواز شريف وبينظير بوتو، مما سمح بعودتهما من المنفى.
لكن المحكمة سمحت لبرويز مشرف بمغادرة باكستان عام 2016 للعلاج متوجها إلى دبي، بينما استمرت إجراءات المحاكمة التي تكللت أخيرا بإدانته وإصدار حكم الإعدام عليه غيابيا.
غضب الجيش
القرار الذي توقف قبل ثلاثة أسابيع بأمر من محكمة إسلام آباد، صدر اليوم فجأة ليحدث صدمة على ما يبدو لدى المؤسسة العسكرية، حيث استنكر الجيش القرار على لسان المتحدث الرسمي باسمه اللواء آصف غفور الذي قال في بيان رسمي إن “القرار الذي اتخذته المحكمة الخاصة قد تسبب بكثير من الألم والأسى للقوات المسلحة، جنود وضباط”.
ويتفهم المحللون العسكريون موقف الجيش الداعم لمشرف، لأن الحكم بإعدام جنرال سابق يسقط هيبة المناصب التي كان يحتلها مشرف ويشكل عبرة لمن خلَفه فيها.
ولهذا حرص المتحدث باسم الجيش على تعداد المناصب التي شغلها مشرف قائلا “إن قائدا سابقا للجيش ورئيسا لهيئة الأركان المشتركة ورئيسا لباكستان خدم البلاد لأكثر من أربعين عاما، لا يمكن أن يكون خائنا”.
ووصف النظام القضائي الذي أصدر الحكم بأنه لم يعتمد على آليات قانونية نظامية.
ترحيب شعبي
ورغم أن الحكومة الباكستانية طلبت من محكمة إسلام آباد في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إيقاف إصدار الحكم في محاولة لإرضاء الجيش، مما أثار غضب المحامين آنذاك فأعلنوا إضرابا عاما في أنحاء البلاد؛ فإن المحكمة الخاصة لم ترضخ وأعلنت قرارها الأولي بإعدام مشرف.
وقال المحلل السياسي محمد مهدي إن القرار “لاقى ترحيبا شعبيا كبيرا بين مختلف الأطياف المدنية والسياسية، فالشعب لا يعارض الجيش لكنه يكره الدكتاتورية”.
وارتبط اسم مشرف بعدد من القضايا الكبيرة التي كان الناشطون السياسيون والحقوقيون يطالبون بمحاكمته على أساسها، مثل الانقلاب على حكومة نواز شريف الثانية عام 1999 وإلغاء الحكم المدني والدستور وإعلان حالة الطوارئ وفرض سيطرة الجيش على السلطة.
وقال مهدي إن القرار “وإن كان لا يضمن عدم تكرار الانقلابات العسكرية، لكنه يشكل رادعا قويا للعسكريين الضعيفي النفوس في المستقبل”.
بينما رأى رئيس برلمان الشباب الباكستاني حنّان عباسي أن المحاكمة كانت يجب أن تشمل كل المتورطين مع مشرف أيضا من القيادات المدنية في الانقلاب الذي حصل عام 1999 وإعلان حالة الطوارئ 2007، ولا يكون الحكم مجتزأ ومقتصرا على مشرف وحده دون رئيس الوزراء شوكت عزيز والقضاة الذين أيدوا مشرف.
ويرتبط مشرف في الذاكرة الشعبية الباكستانية بإعلانه الانضمام للتحالف الدولي للحرب على أفغانستان 2001، مما دمر البنية التحتية والطرقات الباكستانية، حيث أضحت باكستان طريقا لإمدادات حلف شمال الأطلسي (ناتو) بالآليات العسكرية الثقيلة، وأدى هذا التورط إلى اشتعال دوامة أحداث العنف في باكستان.
كما يضم السجل الحقوقي للجنرال مشرف اعترافه في كتابه “على خط النار” بتسليمه عددا من المواطنين الباكستانيين إلى قوات التحالف الدولي، حيث سيقوا إلى معتقل غوانتنامو.
ومن جانبه، يرى الشيخ عبد العزيز غازي مدير جامعة حفصة للبنات والإمام والخطيب السابق للمسجد الأحمر -وهو المسجد الذي تعرض إبان عهد مشرف في عام 2007 لحملة عسكرية أدت إلى مقتل عشرات الطالبات- بأن قرار المحكمة الباكستانية لا يخصه ولا يثأر لدماء الضحايا، فهو لا يعترف بالمحكمة ولم يترافع أمامها ضد مشرف، وقال إنه يوكل الأمر إلى الله تعالى، على حد تعبيره.
وقد شكك القاضي شرافت علي تشودري في حديثه إلى الجزيرة نت في جدوى هذا الحكم القضائي، باعتبار أنه حكم أولي صادر غيابيا، وقال إن أمام المحاكم طريقا طويلا لتقطعه من الطعن والاستئناف حتى يصبح الحكم نافذا وحتى يتسنى لباكستان أن تطالب دولة الإمارات بتسليمه.
واعتبر أن من الصعب أن يظل حكم الإعدام على حاله، داعيا إلى عدم الاستعجال بوصفه بالحكم التاريخي أو بإطلاق ألقاب فضفاضة عليه.