ليبيا

الصراع الغربي والعربي على ثروات ليبيا : طرابلس تحت النار.. مرتزقة على التخوم وأتراك على الضفاف

على إيقاع اللهب تودع ليبيا عام 2019 المترع بآلامها السائرة منذ عقود في بحر السنين، والتي أخذت بعدا أكثر عنفا منذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي، ثم دخلت بعد ذلك دروب الألم ومسافات الجراح مع التمرد الذي قاده اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر وأدخل به ليبيا في أزمة عنف متبادل وحرب طحون، تقطعت فيها أوصال ليبيا وتصارعت قبائلها وجهاتها.

تستقبل ليبيا عاما جديدا تخيم فيه ظلال الموت وأجواء الحرب وذكريات الثورة الأولى في العام 2011، على أمل أن يكون في جعبة 2020 ما يمثل حلا بالنسبة لليبيين، بعد أن امتدت آفاق العنف وتحولت الدولة المغاربية إلى ميدان صراعات إقليمية ودولية متفاقمة.

من الحوار إلى الحِراب
مثل العام 2019 انعطافة ليبية من أحلام السلام والحوار بين الأطراف المتصارعة إلى وقائع الحرب والنيران الملتهبة، حيث انتقلت البلاد من آفاق اتفاق الصخيرات وما بعثه من آمال وأعقبه من لقاءات كان آخرها في أبو ظبي أواخر فبراير/شباط الماضي، إلى بدء الهجوم المسلح وبشكل مباغت على العاصمة طرابلس في 4 أبريل/نيسان أسابيع قليلة فقط بعد لقاء أبو ظبي الذي لم يكن وفقا لكثيرين سوى محاولة لإملاء شروط لم يستطع السراج القبول بها، رغم ما كان يبديه من مرونة وسعي للتحالف أو المصالحة مع حفتر.

– لقد مثلت حملة اللواء الليبي المتقاعد خليفة على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في طرابلس الحدث الأبرز خلال العام المنصرم، حيث امتدت على مدى زمني اقترب حتى الآن من تسعة أشهر ولا تزال تتواصل رغم عدم تحقيقها لأهدافها الكبيرة، في القضاء على حكومة السراج والسيطرة على العاصمة طرابلس، وكسر شوكة القوى والفصائل العسكرية المحسوبة على الثورة.

– رصاص مصر ومال الإمارات: ضاعفت الإمارات ومصر وجودهما وتأثيرهما في الساحة الليبية، واختار الطرفان المتكاملان الاصطفاف إلى جانب حفتر، بمستويات متعددة من الدعم السياسي والتأثير في القرار الدولي، حيث بات الوسطاء الدوليون جزءا من أجندة الإمارات توظفها لصالح حفتر، ينضاف إلى ذلك الدعم العسكري بالطيران والاستخبارات والتخطيط والتنفيذ الميداني.

– انكماش الجزائر: استطاع حفتر استغلال أزمة الجزائر وانكماشها على نفسها من أجل تسريع وتيرة حربه ضد طرابلس، وتضييق الخناق على حكومة الوفاق، وإذا كان عامل الزمن قد كان في صالح حفتر لأكثر من مرة فإن دفاعات حكومة الوفاق صدت هجوماته أكثر من مرة، وعرت مساره السياسي وأظهرته للعالم عدوانا مدعوما من جهات دولية.

– دخول المرتزقة الروس: من خلال شركة فاغنز الروسية التي تمثل ذراعا عسكرية غير رسمية لموسكو، لكنها تمثل أيضا في المقابل بريدا إلى الطرفين بحثا عن مكاسب اقتصادية في ليبيا التي تنام على ثروات نفطية هائلة وتصحو على لهب الرصاص كل صباح ومساء.

– الحياد التونسي المعلن: وهو الحياد الذي قد يتجه مع الزمن إلى ميل سياسي لصالح حكومة الوفاق دون أن يترجم ذلك في تحالف عسكري، نظرا لما يشغل تونس من أزمات داخلية وحذر أمني في محيط مضطرب.

– الأتراك على الضفاف: ينضاف إلى متغيرات العام المنصرم وآفاق العام الجديد دخول تركيا على الخط العسكري بعد أن ظلت لسنوات عنصرا سياسيا فاعلا في احتضان كثير من خصوم حفتر، وسيضفي وجودها بعد الاتفاق العسكري بينها وحكومة الوفاق عنصرا جديد يعدل كفتي الصراع في ليبيا.

– نجحت الإمارات ومصر في تحويل برنامجهما في ليبيا إلى برنامج لبعثة الأمم المتحدة عبر العلاقات مع المبعوثين الدوليين إلى ليبيا، فلم يأت بعد طارق متري من خرج عن الأجندة الإماراتية إلا لماما ليعود إليها بسرعة (غسان سلامة كرم مرتين في الإمارات قبل تعيينه موفدا، والمبعوث الأقوى برناردينو ليون كشفت علاقته بالإمارات).

– كانت نقطة القوة الأساسية التي يعتمد عليها حفتر هي جراءة حلفائه الإماراتيين والمصريين في التجاسر على اختراق قرارات الأمم المتحدة بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، وكذلك الإنفاق بغير حساب على تسليح قوات حفتر، والتدخل لصالحها جوا في حال اقتضت الضرورة.

– وفي مقابل الإنفاق السخي، وجرأة التدخل العسكري لدى معسكر حفتر، كانت الأطراف الأخرى تعاني من ضعف التحالفات لعدم وجود رؤية واضحة، وعدم وجود قيادة موحدة، إضافة إلى تهيب حلفائها الجهر بدعمها، والاكتفاء بالعمل ضمن المظلة الأممية، أو الملتقيات الدولية الخاصة بليبيا.

من يقاتل من في ليبيا؟
صدرت مؤخرا دراسة غربية أجراها مشروع سمول أرمز سيرفي (Small Arms Survey) (مسح الأسلحة الصغيرة) -وهو مشرع بحثي مستقل مقره جنيف عن الوضع العسكري في ليبيا بعد شهور من انطلاق عملية حفتر، وكانت من بين الخلاصات التي توصل إليها فيما يتعلق بهوية المقاتلين في الجبهتين ما يلي:

– تنحدر غالبية القوات التي تقاتل ضد حفتر من المجتمعات التي دعمت الثورة ضد القذافي، في حين أن قوات حفتر من الجنوب والغرب تنحدر من المجتمعات التي كانت موالية للقذافي.

– القوات التي تحارب حفتر تتألف في معظمها من متطوعين وليست مليشيا دائمة، ويشكل الإسلاميون السياسيون عنصرا لا يذكر من بينهم، بينما يشكل السلفيون المتشددون عنصرا أساسيا في قوات حفتر.

– أدى هجوم حفتر لتوحيد صفوف عدد كبير من المجموعات المعارضة له، والتي كان عدد منها منخرطا في صراعات فيما بينها.

– أدت الحرب لأضرار كبيرة على النسيج الاجتماعي، وأشعلت فتيل خلافات حادة داخل المجتمعات الليبية شرقا وغربا.

– فشلت خطة حفتر في إحداث شرخ بين المجموعات الليبية، وباءت خطة السيطرة السريعة على طرابلس بالفشل، وظهر حفتر في صورة المعتدي، وهي الصورة التي حاول تجنبها، وأدى ذلك لتوحد كثير من المجموعات المسلحة ضده.

مرتزقة ووعاظ
بالنسبة للواء المتقاعد خليفة حفتر يعمل منذ فترة على السيطرة على مجمل الأراضي الليبية بدعم وإسناد من دول وقوى عديدة أبرزها:

– مصر التي ترى في الجار الليبي خطرا عليها إذا استقرت الأوضاع لصالح قوى الثورة مهما كانت خلفياتهم السياسية والإيديولوجية، وترى في حفتر الأداة المناسبة لوضع يدها من خلاله على القرار الليبي.

– الإمارات: تمثل ليبيا جزءا من إستراتيجية التمدد الإماراتية في المنطقة، وذلك ضمن سعيها الحثيث للقضاء على بقايا الربيع العربي.

وتوجد الإمارات على الأرض الليبية من خلال وحدات عسكرية مختصة ودعم تخطيطي وإسناد جوي لصالح حفتر.

– المرتزقة الروس: الذين يقدر عددهم بالمئات وربما الآلاف، ويعملون ضمن شركات أمنية تعاقد معها حفتر لإسناد جيشه، ويحظى هؤلاء بفعالية على الأرض كما يمثلون ذراعا للنظام الروسي في ليبيا.

– المرتزقة السودانيون: يعمل مئات وربما آلاف من السودانيين ضمن كتائب حفتر، ويتبع بعض هؤلاء لقوات التدخل السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم في السودان اللواء حميدتي.

وكانت الجزيرة نت حصلت على وثائق ومعلومات خاصة في يوليو/تموز الماضي تكشف استخدام الإمارات للأجواء السودانية في نقل مئات المرتزقة الذين جندهم محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري بالسودان من القبائل العربية بدارفور وبعض الدول الأفريقية المجاورة، إلى ليبيا واليمن عبر إريتريا.

كما حصلت على معلومات خاصة أخرى تكشف طبيعة تجنيد حميدتي (قائد قوات الدعم السريع) مئات المرتزقة لصالح الإمارات من القبائل العربية في دارفور.

– الكتائب السلفية: وتضم عدة فصائل من السلفيين أو ما يعرف بالمداخلة الذين يقاتلون كل من لا يطيع ولي الأمر الذي يعتبرونه حفتر.

– الخبراء الفرنسيون: العاملون ضمن كتائب حفتر ومن بينهم ضباط استخبارات وطيارون ومهندسون من تخصصات عسكرية مختلفة.

– المرتزقة التشاديون: الذين يعملون ضمن كتائب حفتر، ويمثلون جناحا قويا من أجنحته العسكرية.

الوفاق في المواجهة
وعلى الطرف الآخر يعمل رئيس الحكومة المعترف بها دوليا فايز السراج على التصدي لهجوم حفتر مدعوما بأطراف عسكرية وسياسية أغلبها من أنصار الثورة التي أسقطت نظام القذافي، ومن بينها الإسلاميون وبعض القوى الشعبية والقبلية المختلفة.

وتمتاز هذه المجموعات بأنها في الغالب تجمع لقوى ليبية خالصة، وأغلبها متطوعون ليست لديهم خبرات قتالية مهنية سابقة، وليس من بينها أجانب عكس القوى الداعمة لحفتر التي لا يجمعها خيط واحد، ولا مرجعية سياسية أو فكرية ناظمة.

ومع تقدم قوات حفتر إلى مشارف طرابلس والدعم الكبير الذي تلقاه من دول وأحلاف دولية كبيرة، وجد السراج في الحضن التركي آخر حبل لإنقاذ حكومته وعاصمة بلاده من تحالف خارجي يسعى حثيثا لترسيخ أقدامه في ليبيا وتنصيب حفتر زعيما عليها.

سلطات الأمر الواقع
وفي المجمل يمكن القول إن ليبيا عاشت في العام 2019 على إيقاع لهيب القتال بين قوى متعددة، تنطلق كلها من سلطة الأمر الواقع، فحفتر الذي يفتقد إلى الشرعية القانونية، يعتمد على قوة السلاح ودعم قوى دولية متعددة له.

وتعتمد حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج هي الأخرى على الشرعية الدولية التي حصلت عليها بناء على اتفاق الصخيرات، فضلا عن سلطة الأمر الواقع في المنطقة الواقعة تحت سيطرتها، وتسعى لتعزيز قوتها العسكرية وإنقاذ نظامها باتفاقيات مع قوى دولية متعددة.

– وفي المجمل فإن كل السلطات الموجودة في ليبيا هي سلطات “أمر واقع قانوني” أو أمر واقع سياسي، أو أمر واقع عسكري. وأمثلها طريقة مؤسسات شرعية في أصل إنشائها، انتخابا (البرلمان في طبرق) أو تغيير حال (المجلس الأعلى للدولة في طرابلس) أو “اتفاق سياسي” (المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق-طرابلس)، فكل هذه السلطات تقريبا استنفدت المدد القانونية التي حددت لها عند الإنشاء.

ويملك كل طرف نقاط قوة متعددة، وهذه أبرزها:

– تملك حكومة الوفاق شرعية محلية وأخرى دولية واسعة باعتبارها الممثل الرسمي للشعب الليبي وإليها تتبع أغلب سفارات ليبيا في الخارج.

– شرعية ثورية باعتبارها الامتداد السياسي والشعبي للكتائب والقوى السياسية التي أطاحت بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي.

– تدعمها مؤسسات مركزية في الدولة الليبية ومنها على سبيل البنك المركزي الليبي ومؤسسة النفط ودار الإفتاء وغيرها من الأذرع الاقتصادية والشعبية الليبية القوية.

– كما تملك مواقع إستراتيجية تمكنها من صد الهجوم واختراق أي حصار قد يفرض على مناطقها الأساسية.

وفي المقابل يملك حفتر عناصر قوة من بينها:
– قوة عسكرية قوية تتقدم وتتراجع وفق ظروف متعددة، من أبرزها مستوى التناغم بين مكوناتها المتناقضة فكرا وقيما وحتى جنسيات.

– الدعم الإقليمي الكبير من محور خصوم الربيع العربي وخصوصا الإمارات ومصر.

– الدعم الدولي الذي تمثله عدة دوائر دولية في باريس وموسكو وغيرهما.

آفاق ملتهبة في 2020
يدخل العام 2020 على إيقاع صلصلة المدافع وقعقعة السلاح وخريطة عسكرية متشابكة ووضع يتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدا من ذي قبل، ولعل من أبرز ملامح الأوضاع خلال العام القادم:

– استحالة الحل التوافقي بين الطرفين في وقت قريب على الأقل، في ظل حدة الصراع وتحوله إلى معركة حياة أو موت بالنسبة لحفتر وألويته على الأقل، كما أن حكومة الوفاق تصر على استثناء حفتر من أي مشاركة في أي تسويات قادمة.

– مع الأيام الأولى للعام القادم 2020 سوف تكون المعادلة على أرض الواقع قد اتخذت أبعادا جديدا، حيث سيكون للأتراك -على الأرجح- تمركز قوي وفعال في طرابلس ومصراتة، وربما سرت (قرب حدود برقة الغربية) والجفرة (منابع النفط) وهو ما يعني أن تركيا ستكون أول دولة تنشر قوات عسكرية على الأرض الليبية وفقا لاتفاقات عسكرية مع الحكومة الشرعية منذ جلاء الاحتلال الإيطالي والانتداب البريطاني والأميركي إذا وصلت الأمور إلى درجة إرسال قوات أو إنشاء قواعد.

– دخول تركيا على الخط، مع اقتراب إرسال قواتها إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق، سيجعلها أول قوة دولية مقيمة على أرض ليبيا، وسيمنح الأمر تعادلا إيجابيا -على الأقل- لصالح قوات الوفاق، دون أن يعني إنهاء المسألة الليبية لصالح حكومة طرابلس بل سيضيف معطيات تعقيد جديدة.

ويرى الباحث في الشأن التركي محمد عبد الله الحبيب أن التطور الجديد المتمثل في دخول تركيا عسكريا وبناء على اتفاق مع حكومة الوفاق يعني إضافة جملة متغيرات أهمها:

– أنه سيحرم حفتر من عنصر التفوق النوعي الوحيد الذي كان يمتلكه، وهو الطيران، فوجود الدفاعات التركية الجوية في مصراتة وطرابلس يمثل رادعا قويا للإمارات ومصر من المجازفة بإرسال طيرانهما لقصف المدينتين، وقد خفت حدته منذ أسابيع بسبب ما قيل إنه وجود تركي غير رسمي حتى الآن (ينتظر الإجراءات القانونية لإعلانه).

– سيحمل الوجود العسكري التركي في ليبيا معه خبرة طويلة في التعامل مع المقاتلين شبه النظاميين (كما هو الحال مع مقاتلي حفتر) في جنوب تركيا، وشمال العراق، وشمال سوريا خلال السنوات الماضية.

– سيتيح تسليحا نوعيا يقابل أو يفوق التسليح الذي توفره الإمارات، خاصة من حيث النوعية، والخبرة في الاستخدام.

– بطبيعة الحال لا ينتظر أن تنخرط روما في هذا الصراع علنا إلى جانب أي من الطرفين، والأرجح أنها ستظل هي “فرنسا السراج” كما كانت في مقابل “فرنسا حفتر”، وإن كان الوجود التركي لن يشجعها على الانخراط أكثر، ولكنها على الأرض وتعي أن مصالحها الإستراتيجية في غرب ليبيا وليست في شرقها.

– وفي المجمل فإن الحضور التركي في ليبيا ليس جديدا بل انتقل إلى وضعية أكثر عمقا وتأثيرا من ذي قبل “فتركيا تستضيف إحدى أكبر الجاليات الليبية في الخارج، وكثير ممن فيها مطلوبون لحفتر وأجهزته”، والجديد في هذا الصدد هو دخول تركيا الرسمي عبر اتفاقية أمنية معلنة جملة، متستر على تفاصيلها مع الحكومة التي يعترف بها العالم.

ولكن ماذا في جعبة الأتراك وهم يحزمون حقائبهم ويستعدين للإبحار نحو الضفة الأخرى من مياه البحر الأبيض المتوسط؟ الخبير الفرنسي جان دومينيك مرشيه أورد جملة معلومات عن طبيعة وأهداف هذا التدخل في مقال له بصحيفة “لوبنيون” الفرنسية، من بينها:

– سيكون انتشار تركيا العسكري في ليبيا أكبر من حجم عملية “بارخان” الفرنسية في منطقة الساحل، أي أكثر من 4500 جندي، في حين تتحدث مصادر أخرى عن أن العدد قد يصل إلى 10 آلاف.

– سيكون هدف العملية التركية الأول تأمين العاصمة طرابلس حيث الحكومة المعترف بها دوليا، بعد أن صارت قوات حفتر على بعد أقل من 10 كيلومترات من مركزها مدعومة بالمرتزقة الروس وبالطيران الإماراتي.

– يتطلب تأمين طرابلس سيطرة جوية معززة بما يمنع نشاط الطائرات المسيرة التي توفرها الإمارات لحفتر ويحمي المسيَّرات التركية التي أُسقطت منها العشرات مؤخرا. ربما يحصل ذلك عبر قطع بحرية، لكن ملامح مشاركة سلاح الطيران تظل غير واضحة تماما.

– لا تنحصر خلفيات التدخل التركي فيما يجري في الداخل الليبي، بل له علاقة باتفاق ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا في المتوسط الذي ترفضه اليونان والاتحاد الأوروبي، في حين يرى فيه الأتراك “ضمانا” لمصالحهم.

– وبالإضافة إلى ذلك تهدف تركيا لفك الخناق الذي فُرض عليها في شرق المتوسط، حيث ترى أن مصر واليونان وقبرص والإمارات وإسرائيل وحتى فرنسا، تشكل تحالفا ضدها، وما تفعله في ليبيا يدخل ضمن “المعادلة المتوسطية”.

التحدي الأخطر في 2020
– ينضاف إلى تلك المتغيرات المتعلقة بالدخول التركي وطبيعته وأهدافه، وضعية المرتزقة الروس المقاتلين في قوات حفتر والتابعين لشركة فاغنز الأمنية التي يديرها طباخ الرئيس الروسي وصديقه.

ويرى ولد الحبيب أن التحدي الروسي عسكريا هو أخطر ما ستواجهه حكومة الوفاق، ولكنها بالمقابل إذا استطاعت أن تفك تحالف حفتر مع فاغنر، عبر إعطاء بوتين بعض صفقات التسليح، وربما بعض امتيازات التنقيب عن بعض المعادن (التربة النفيسة مثلا) فهو ليس بحاجة إلى نفط أو غاز، فإنها قد تنجح في القضاء على نقطة حفتر.

ويضيف أنه إذا صح ما يقال عن أن عقد شركة فاغنر مع حفتر ينتهي في السابع أو الثامن من الشهر القادم، واستصحبنا تصريح بوتين بأن “المقاتلين في ليبيا غير رسميين، وسيدرس سحبهم”، تبين أن القوة الروسية قد تنقلب ضد حفتر، أو على الأقل تتركه وشأنه. ويمكن استحضار بعض التفاهمات التي حدثت في سوريا بين بوتين وأردوغان في ملفات عديدة.

خيارات محدودة
مع تصاعد المؤشرات العسكرية، تجري محاولات لإرساء حل سياسي تقودها في الوقت الحالي ألمانيا التي ستعقد مؤتمرا للحوار الليبي منتصف الشهر القادم، ورغم الاتصالات التي تجري هنا وهناك، فالأرجح أن صوت الحل السياسي لن يرتفع كثيرا في الفترة القادمة، في انتظار أن تبلغ التطورات العسكرية الحالية مداها أو يصل الطرفان على الأقل إلى قناعة تامة بجدوى الحوار واستحالة الحل العسكري.

وما من شك أن دائرة الخيارات تضيق شيئا فشيئا أمام كل الأطراف المتصارعة ومن أبرز هذه الخيارات:

– حسم عسكري لصالح حفتر: وهو أمر مستبعد نظرا لعجزه طيلة الفترة المنصرمة، وتعرضه لهزائم سابقة، إضافة إلى تخلخل حلفه المكون من تناقضات متعددة.

– سيطرة كاملة لحكومة الوفاق على الأراضي التي بيد حفتر، وهو خيار مستبعد أيضا نظرا لحدة الصراع الذي أخذ أبعادا سياسية وعسكرية، وعشائرية زادت من تفتيت المجتمع الليبي.

-ويبقى قصارى الأمر بالنسبة للسراج وحكومته هو إفشال الحملة الحفترية والسعي إلى ترميم البيت الداخلي الذي أصابته قذائف السياسة والحرب بهزات عنيفة كادت تهد أركانه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى