بقايا “حرب النجوم” بتونس.. آثار هوليودية يرتزق منها البدو
مرّت أربعة عقود منذ أن حزم المخرج الأميركي جورج لوكاس أمتعته ومعدّات التصوير من منطقة “عنق الجمل” في عمق الصحراء التونسية، عائدا إلى هوليود لوضع اللمسات الأخيرة على فيلم “حرب النجوم”، تاركا وراءه ديكورا مهجورا منتصبا في البيداء سيعرف نمط حياة جديد على يد بدو المنطقة.
تنتمي منطقة عنق الجمل إداريا إلى محافظة توزر، وتحتوي على تجسيم لمدينة “موس أسبا” الخيالية مسقط رأس “سكاي ووكر” أحد أبطال الفيلم، ووقع الاختيار على الموقع لتصوير مشاهد غزو الفضاء والمدن الفضائية نظرا للتضاريس المميزة التي رأى المخرج أنها تتشابه مع كواكب الفضاء الخارجي.
دخل موقع تصوير الفيلم الذي عرض في السينما سنة 1977 ضمن المسالك السياحية لتونس، ليصبح من أهم المزارات التي يقصدها السيّاح التونسيون والأجانب لاكتشاف وملامسة العالم الحقيقي الذي دارت فيه أحداث تلك “الملحمة الكونية”، مما جعل أهالي المنطقة يطوّرون حوله أنشطة تجارية متعدّدة.
حركية تجارية
ينتصب حول الموقع العديد من التجّار من أهل المنطقة الذين يعتمدون أساسا على بيع تحف وهدايا تذكارية لها علاقة بالحياة في الصحراء، تجد في غالب الأحيان وقعا طيبا في نفوس السوّاح، إضافة إلى توفير جولات داخل الموقع أو في المناطق المحاذية على ظهور الجمال والخيول خاصة عند الغروب.
يقول الهادي فريوة (55 سنة) إنّه اعتاد منذ أكثر من عقدين على الوقوف قرب الموقع لبيع “الشاش”، وهو وشاح يرتديه البدو لوقاية الوجه من القيظ والعواصف الرملية، مضيفا أن هذا الركن المنعزل في الصحراء أصبح ملاذا لشباب المنطقة الباحث عن الرزق لضآلة آفاق العمل والكسب إضافة إلى الفقر.
ويضيف أن الفيلم وظف العديد من أهالي المنطقة أثناء تصويره، لمعرفتهم بتفاصيل الصحراء والمسالك الآمنة بها، إضافة إلى تأمين بعض مستلزمات بناء الديكور الذي بدا شديد الغرابة للعديد منهم في تلك الفترة، خاصة أن الأمر تعلّق بالفضاء والنجوم ومساكن لكائنات غريبة عن مخيلتهم.
ويستقطب موقع عنق الجمل العديد من التظاهرات الموسيقية الشبابية التي تستمد نجاحها من اسم الفيلم الذي طبع في ذاكرة أجيال كثيرة، ولا سيما تظاهرة الكثبان الإلكترونية التي أقيمت في الموقع، مع ما تتيحه هذه المناسبات من فرص خلق أنشطة تجارية تقوم على الخدمات الموازية لها.
وتحرص وكالات الأسفار على تنظيم رحلات استكشافية لسلسلة الواحات الصحراوية، ولكن منطقة عنق الجمل تظل دائما الركن الأكثر جذبا للسياح، نظرا للتضاريس الوعرة المؤدية لها والتي يجتازونها في مواكب سيارات رباعية الدفع يؤمّن قيادتها أبناء المناطق المجاورة لخبرتهم بتفاصيلها ومسالكها.
إرث فنّي سياحي
يعتبر ديكور فيلم حرب النجوم إرثا ثقافيا وسياحيا مهما في الصحراء التونسية، مع كل ما تطلّبه الأمر من تحركات وتدابير للمحافظة عليه باعتباره شريانا اقتصاديا بالغ الأهمية لتونس ولأهالي منطقة عنق الجمل، في عمق الصحراء التي أعادها المخرج جورج لوكاس إلى الواجهة بعد انعزال دام عقودا.
وتهدّد الصحراء معالم الفيلم، مما دفع وزارة السياحة التونسية إلى إطلاق حملات لجمع التبرعات ترتكز على مساهمات عشاق “حرب النجوم” الذين انتظموا في جمعيات ونوادي، لإنقاذ الديكور. وقد تمكنوا منذ سنتين من جمع ما يناهز مئة ألف دولار لترميمه وإزالة ما يقارب الأربعين ألف طن من الرمال التي بدأت تزحف عليه.
استغلال منقوص
تقتصر الأنشطة التجارية حول موقع تصوير فيلم “حرب النجوم” على بيع منتجات تقليدية صحراوية، وتغيب الفعاليات التي يتلاءم مع خصوصية المكان، وترى السائحة الفرنسية سارة أنها تمنت لو توفرت بعض المرافق الحياتية الضرورية التي من شأنها أن تجعل اكتشاف الموقع أكثر متعة وراحة.