أمثال الشتاء الشعبية.. برد عبر الزمن على لسان الإنسان
“يقول المثل”، تكاد تكون الجملة التقليدية الأكثر شيوعا -خاصة بالقرى- على لسان كبار السن الذين يستعملونها لإبداء رأي معين أو تأكيد حدث ما أو حتى من غير سبب.
و”المثل ما قال شي كذب” أي أن المثل لا يكذب، وهي أيضا جملة شهيرة في لبنان بشكل عام. و”أهل أول ما في شي (شيء) ما قالوه” للتعبير عما كان يقال قديما وصار واقعا وعبرة في الحاضر، وغالبا ما تستخدم لدعم رأي القائل أو مصلحته.
والمثل هو حكمة شعبية جاءت في الغالب من تجربة أو عدة تجارب، تتناقله الأجيال بشكل تلقائي. ورغم قلة الشباب الذين ما زالوا يستخدمون الأمثال، فإن وقعها في الذاكرة الشعبية لا يزال له نكهته.
حِكَم الحياة وتجاربها
يقول الشاعر والإعلامي جوزف أبي ضاهر صاحب كتاب “عالبركة” الذي يتحدث عن العادات الشعبية في بلاد الشام للجزيرة نت، إن الأمثال توجز حِكَم الحياة وتجاربها، وتمزج بين فصيح اللغة وعاميتها، مما يجعلها تدخل النفوس من دون استئذان، ومن دون شرح وتفصيل، وباختصار أمرٍ يغنيه عن الشرح. ويضيف أنها انتقلت بالمشافهة قبل أن يظهر التدوين.
الأمثال تتشابه بمعظم دول العالم
يشير أبي ضاهر إلى أن الأمثال تتشابه في معظم دول العالم، ويعتبرها البعض “الحكمة التي يقولها المجنون ليسمعها العاقل”، ويتعظ بها مَن هم دونهم معرفة وقدرة وإطلاعا، اكتسبوها من اليومي والمعاش في شتى مجالات الحياة القريبة، فعلاً لا قولاً.
ويقول “لنا نحن أبناء هذه البلاد وفي محيطها، من العادات والتقاليد والأمثال صفات مشتركة مع بعض التغيير بأسلوب القول والكتابة، نتيجة لتأثير اللهجة التي تخضع للصبغة المحلية”.
عبارات وأمثال شتائية
أمثال كثيرة ترافق فصل الشتاء مثل “البرد بيقص (يقطع) المسمار”، في الدلالة على شدة البرد. ويعزى للبرد التسبب بالأمراض “البرد سبب كل علّة” ليأتي تعبير “الدفا (الدفء) عفا (عافية) ولو بعز الصيف” مؤكدا أن البرد يسبب المرض.
أما عبارة “النار فاكهة الشتاء” فتدل على مواقد الحطب القديمة التي كانت موجودة في غرف المعيشة، حيث لا بد أن تجتمع العائلة، فتكون النار أجمل ما في فصل الشتاء كونها تجمع الناس.
وتتشابه الأمثال الشعبية في مناطق بلاد الشام مع اختلاف في اللهجة أو في بعض التعابير، لكنها تتفق في المضمون.
ويبدو أن تناقلها بين المناطق كان بسبب تقارب المساحة الجغرافية وأحوال الطقس المتشابهة من ناحية، وتداخل العائلات بالتزاوج فيما بينها والعمل والرحلات التجارية من ناحية أخرى.
شهور البرد وأمثالها
يبدأ الطقس في بلاد الشام باعتدال الحرارة وتدنيها في سبتمبر/أيلول من كل عام، وفي بعض الأحيان تتساقط بعض الأمطار في هذا الشهر، لذا فالمثل الذي يردده أهالي مناطق بلاد الشام “أيلول طرفه بالشتي (بالمطر) مبلول”.
ويأتي عيد للمسيحيين في منتصف سبتمبر/أيلول، وعادة ما يربط بالمطر ويقال “إن أبرقت على الصليب ما بتخيب” في تأكيد على رشة المطر الأولى.
ويكون المطر قليلا في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، ولكن البرد يبدأ لذا يقال “برد تشارين (أي شهري تشرين) أحدّ من ضرب السكاكين”، وذلك في المناطق الداخلية والجبلية، وعن الدفء الذي يأتي فجأة فيهما يستحضر الناس مثل “بين تشرين وتشرين صيف تاني (ثانٍ)”.
أما شهرا ديسمبر/كانون الأول، ويناير/كانون الثاني اللذان غالبا ما يتساقط فيهما الثلج، فلهما العديد من الأقوال الشعبية، مثل “في كانون كِن (اجلس) ببيتك، وكتّر (أكثر) خبزك وزيتك”، و”في كانون الأصم اقعد ببيتك وانطم (لا تغادر البيت)”، في إشارة لضرورة عدم التعرض للصقيع.
وكذلك عندما يكون الشتاء في ربعه الأخير، يقال “بعد كانون الشتي (المطر) بيهون (يسهل)”.
منتجع في البقاع الغربي تحت سطوة الثلوج، “في كانون الأصم اقعد ببيتك وانطم (لا تغادر البيت)” (الجزيرة) |
أما شهر فبراير/شباط فيتردد فيه تعبير “شباط اللباط” أي الذي يركل، ويضاف إليه “شباط ما عليه رباط”، و”شباط قد ما شبّط ولبّط، ريحة الصيف فيه”، أو “شباط شبطنا وربطنا وروايح الصيف إجتنا (جاءت)”. في دلالة على قرب انتهاء الشتاء وبدء الربيع. ويقال أيضا “في شباط بيعرق الباط (تحت الأبطين)”.
ومع هذا يسمى شهر مارس/آذار “آذار الغدار”، لأن البرد قد يفاجئ الناس من دون إنذار.
ويقال أيضا “خبّي فحماتك الكبار لآذار”، وباللهجة الفلسطينية “خبّوا خشباتكو الكبار لعمكو آذار” أي اترك الفحم والخشب الكبير للتدفئة فيه.
ووصلا بالمطر فإن شهر أبريل/نيسان يحظى بالقليل منه ولكن المثل أعطاه قيمة كبيرة “شتي نيسان بيحيي (ينعش) الإنسان”، و”الشتوة في نيسان جواهر ما إلها (لها) أثمان”.