التلاعب الغربي باحتجاجات لبنان: المتظاهرون يشتكون من شدة تأثير “قنابل الغاز المسيل للدموع فرنسية الصنع”
يشتكي المتظاهرون في لبنان من القنابل المسيلة للدموع المستخدمة في المظاهرات الأخيرة قائلين إنها “أقوى وأكثر تأثيراً” من تلك التي كانت تستخدم خلال مظاهرات عام 2015، التي اندلعت إثر مشكلة تراكم النفايات في الشوارع.
وتناقل المتظاهرون صوراً لما تبقى من عبوات القنابل فيما بينهم محاولين معرفة ما تغيّر.
وتحدّث البعض عن استخدام نوعين من هذه القنابل على مدى الشهرين الأخيرين، بحسب التأثيرات التي لاحظوها.
وقال بعضهم إنّ القنابل منتهية الصلاحية، بسبب الأرقام المدوّنة على العبوات، ممّا اعتبروه تفسيراً لحدّتها وتأثيرها عليهم.
استطعنا الحصول على عدد من تلك العبوات التي استخدمت بتواريخ مختلفة، منذ انطلاق المظاهرات في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. .
ولاحظنا أنها، بالفعل، تنقسم إلى نوعين. إلا أنها لا تحتوي على أي تاريخ انتهاء صلاحية، خلافاً لاعتقاد المتظاهرين.
صناعة فرنسية
استخدمت قوات الأمن اللبنانية قنابل مسيلة للدموع فرنسية من صناعة شركة “SAE Alsetex” المثيرة للجدل لتفريق المظاهرات السلمية في بيروت.
النوع الأول هو قنابل G1، التي يبلغ قطرها 56 مليمتر ووزنها 350 غراما وبتركيز 10 في المئة من غاز “سي اس” المسؤول عن تسييل الدموع والصعوبات التنفسية.
والنوع الثاني CM6، التي يبلغ قطر النوع الأول منها 56 مليمتر ووزنها 250 غراما وبتركيز 10 في المئة من غاز “سي اس”. أمّا النوع الثاني منها فيبلغ قطره 40 مليمتر ولكن بتركيز 13 في المئة من غاز “سي اس”. ومن الممكن أن تكون قوات الأمن قد استخدمت الحجمين خلال المظاهرات.
كما لاحظنا وجود لونين من قنابل CM6: الأول هو الأحمر وهو اللون الذي كان يستخدم قبل سنوات في تصنيع هذا النوع من القنابل، قبل أن يعتمد اللون الأزرق السماوي في النسخ الجديدة من القنابل. واستخدمت النسختان في مظاهرات لبنان الأخيرة.
ومن المرجّح أن تكون هذه القنابل المسيلة للدموع جزءا من المساعدات التي تقدّمها فرنسا لقوى الأمن الداخلي.
واشتكى متظاهرو السترات الصفراء في فرنسا من العبوات نفسها التي تستخدم في لبنان ومن الشركة الفرنسية نفسها. إذ اعتبروا أنّه يوجد “شيء غريب” فيها مؤكدين أنها أقوى من غيرها.
واستطعنا الحصول على عبوات قنابل مسيلة للدموع استخدمت في مظاهرات عام 2015، تبدو وكأنها تتطابق مع أجزاء أخرى من قنابل المسيلة للدموع التي تستخدم الآن. إلا أنّ أجزاء منها لم تنفجر وتفرغ محتواها، ممّا يرجّح وجود خلل ما فيها.
مسيل دموع استخدمته قوات الامن اللبنانية في 2015
أكد مصدر في قوى الأمن الداخلي لـ”بي بي سي”، فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ “القنابل المسيّلة للدموع المستخدمة حالياً ليست منتهية الصلاحية أبداً”، مضيفاً أنّ “القنابل مصنوعة في فرنسا وتستخدم في دول متقدمة وأوروبية تخاف على شعبها”. قبل أن يوضح: “ونحن أيضاً طبعاً، إذ نستخدمها نخاف على شعبنا وناسنا”.
وأبلغنا مكتب وزيرة الداخلية، ريا الحسن، عند اتصالنا به لمقابلتها بأنّ الوزيرة لا تفضّل في الوقت الراهن إجراء أي تصريحات أو مقابلات صحافية.
من أبرز تلك الاشكاليات أنه نوع من أنواع الأسلحة الكيماوية المُحظور استخدامها دولياً، حتى في الحروب، بحسب اتفاقية جنيف بشأن الأسلحة الكيمياوية التي وقعت في عام 1993.
وهو لذلك سلاح كيمياوي طور للتسبب في تعذيب جسدي ونفسي لمستنشقه، وممنوع استخدامه في الحرب، ولكن يسمح للشرطة باستخدامه في مواجهة المدنيين. وهو يسوق وكأنه سلاح “أقل فتكاً” وآمن للاستخدام.
إلا أنّ القنابل المسيلة للدموع قتلت آلاف الأشخاص حول العالم. إذ يمكن لهذه القنابل التسبّب في الوفاة إذا أصابت المتظاهرين بشكل مباشر وتتسبب حتماً في إصابة بليغة أو في عطب دائم.
كما لا يفرّق استخدام المسيل للدموع على الجموع بين الأطفال والمسنين والنساء الحوامل والذين يعانون من أمراض تنفسية كالربو أو من يعاني من قصور في القلب أو الرئتين.
ممّا يجعل اعتباره “أقل فتكاً” غير دقيق.
وانتشرت صور المتظاهرين العراقيين الذين قتلوا خلال الأشهر الماضية في الاحتجاجات بعد اختراق قنابل مسيلة للدموع لجماجمهم. ويعود ذلك لاستهداف قوات الأمن للمتظاهرين بشكل مباشر وعن مسافة قريبة.
استخدمت في البحرين
استخدمت القنابل المسيلة للدموع التي تستخدم حالياً في لبنان وفرنسا، لفضّ المظاهرات التي اندلعت في عام 2011 في البحرين. وتسببت هذه القنابل في عشرات الوفيات والإصابات البليغة بسبب سوء وكثرة استخدام قوات الأمن البحرينية لها.
وتحدثت الصحف والمواقع العالمية عن “حرب مسيل دموع قاتلة” تستخدمها السلطات البحرينية ضد المتظاهرين.
استدعى هذا بدء النشطاء البحرينيين حملات للضغط على الدول المصدرة لهذه القنابل للتوقف عن بيعها للسلطات البحرينية. وكانت فرنسا من بين أبرز الدول التي استهدفتها الحملة.
ونجحت حملة #StopTheShipment بوقف تصدير القنابل المسيلة للدموع من كوريا الجنوبية إلى البحرين في عام 2014.
ومنذ انطلاق الربيع العربي ومظاهرات “احتلوا وول ستريت” في عام 2011، شهدت الشركات المصنعة للقنابل المسيلة للدموع ارتفاعأً هائلاً في الطلب.
وتعتبر فرنسا والولايات المتحدة ومصر والبحرين وتركيا وكندا من أبرز الدول التي تستخدم مسيل الدموع في مواجهة المدنيين. بينما تستخدم الشرطة في بلدان أخرى رذاذ الفلفل.
استخدام مفرط للقوة
دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى لبنان الاثنين إلى التحقيق فيما وصف بأنه استخدام “مفرط للقوة” ضدّ المتظاهرين، بعد تحول احتجاجات سلمية، في أغلبها، إلى عنف في نهاية الأسبوع الماضي.
وكان خبراء من الأمم المتّحدة ندّدوا نهاية الشهر الماضي باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
ورأى الخبراء أنّ “الإجراءات التي اتّخذتها السلطات تثير الكثير من القلق وعلى مستويات مختلفة”، مشيرين إلى أنّ قوّات الأمن استخدمت “كمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين”.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إنّ “قوات الأمن اللبنانية استخدمت القوة المفرطة وغير الضرورية ضدّ متظاهرين في وسط بيروت”.
وأشارت إلى أن شرطة مكافحة الشغب التابعة لقوى الأمن الداخلي “أطلقت شرطة الغاز المسيل للدموع على آلاف المتظاهرين السلميين إلى حدّ كبير، ومنهم أطفال، وسط بيروت. كما أطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين الفارين”.
وبعد تصريحات المنظمات المذكورة، دعت وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال وفداً من منظمة “هيومن رايتس ووتش”، والمنسق العام للأمم المتحدة في لبنان، والسفير الفرنسي والسفير البريطاني “لتفسير حقيقة ما حصل في الأيام الأخيرة”، بحسب تغريدات نشرتها على حسابها الخاص على تويتر.
وكانت الحسن دعت والتقت أمس وفداً من منظمة “هيومن رايتس ووتش” والمنسق العام للأمم المتحدة في لبنان والسفير الفرنسي والسفير البريطاني “لتفسير حقيقة ما حصل في الأيام الأخيرة” بحسب تغريدات نشرتها على حسابها الخاص على تويتر.
سلاح كيماوي ممنوع في الحروب
يستخدم الغاز المسيل للدموع الذي طوّره الفرنسيون قرابة الحرب العالمية الأولى وسرعان ما نسخته دول أخرى أبرزها الولايات المتحدة وألمانيا، في عدد من البلدان حول العالم لتفريق المظاهرات. إلا أنّه لا يستخدم من قبل جميع البلدان بسبب اشكاليات عديدة حوله.