كتب فلسفية تساعدك على تغيير حياتك مع بداية العام الجديد
هل يمكن أن تساعدك نصائح مفكر لم يقدح زناد فكره منذ 2,000 عام على الأقل على النجاح في حياتك؟ وهل يصلح عالم ألماني أثار جدلا واسعا في القرن التاسع عشر لأن يكون مدرب مهارات حياتية؟ وهل يمكن أن تساعد دراسة جان بول سارتر على تغيير حياتك؟
يجيب الناشرون على هذه الأسئلة بالإيجاب. إذ صدر مؤخرا الكثير من الكتب التي تبرز أقوال وحكم كبار الفلاسفة باعتبارهم خبراء في تطوير الذات والإرشاد النفسي.
وفي الخريف الماضي، صدرت كتب “دروس في الفلسفلة الرواقية” لجون سيلارز، حول كيفية الاستفادة من التفكير كالرواقيين، و”كيف تصبح وجوديا” لغاري كوكس، الذي يقدم نصائح للعيش وفقا لمبادئ الفلسفة الوجودية، التي صاغها نيتشه وسارتر وألبير كامو وغيرهم من الفلاسفة الوجوديين.
وصدر أيضا كتاب “كيف تعلم كلبك الفلسفة”، وهو مدخل غير معهود إلى المسائل الفلسفية الكبرى لأنتوني ماكغوان، وينصح الكاتب في البداية بدراسة الفلسفة “لأنها تساعد على تحسين شخصيتك”، وينتهي بتأملات في معنى الحياة.
أما كتاب “دليل أخلاقي لنهاية العالم”، الذي نشر مؤخرا لبريان هول، فيتخذ من الجثث المتحركة وسيلة لاستعراض بعض الإشكاليات الأخلاقية الكبرى، التي تناولها مفكرون مثل إيمانويل كانت، وجون ستيوارت ميل. وسيصدر الأسبوع القادم كتاب “كيف تفشل وتعيش حياة سعيدة” لبيفرلي كلارك، والذي يستكشف كيف يساعدك الفشل على أن تعيش حياة سعيدة مستشهدا بالمبادئ الفلسفية واللاهوتية.
وامتلأت أرفف الكتب بالكثير من العناوين الأخرى التي تبرز أسماء كبار الفلاسفة، مثل “التفكير على طريقة أرسطو: كيف تساعد الحكم القديمة في تغيير حياتك”، و”دليل الوجوديين للبقاء على قيد الحياة”، و”كيف كان نيتشه سيتصرف؟”، و”تغلب على ذاتيتك: نيتشه لجميع العصور”.
ولعل ستيفن هوكينغ قد جانبه الصواب حين أعلن وفاة الفلسفة.
وكانت الفلسفة في القرن العشرين تعد مجالا معرفيا مهجورا ومعقدا لا يقصده إلا المتخصصون، ويجادل العارفون به في أفكار مبهمة لا علاقة لها بالواقع. فلماذا خرجت الفلسفة من الفضاء الأكاديمي الخاص والمحدود إلى الفضاء العام الرحب ولاقت رواجا بين القراء؟
وتعزو أنجي هوبس، أستاذة الفهم العام للفلسفة بجامعة شيفيلد، رواج الفلسفة إلى الأزمات العالمية الحالية، وتقول إن الفلسفة الأخلاقية والعلاجية ازدهرت أيضا في العصر الهلنستي الذي شهد تحولات كبرى، تزامنا مع انهيار الدويلات اليونانية، وصعود قوى عظمى مثل الإمبراطورية المقدونية والإسكندر الأكبر.
وبالمثل، يشهد العالم الآن تحولات غير مسبوقة، على الصعيد المالي والجيوسياسي، مردها تغير المناخ. وأثيرت تساؤلات عديدة حول مستقبل الديمقراطية ومصير كوكب الأرض. ولهذا لجأ الناس إلى الفلسفة بحثا عن نصائح تساعدهم على مواجهة التحديات في هذه الفترة المحفوفة بالمخاطر.
وعن استخدام حكم الفلاسفة في تطوير الذات والإرشاد النفسي، يقول جون ستيلارز، إذا كانت كتب تطوير الذات أو المساعدة الذاتية تتضمن نصائح للمشاهير وعلماء النفس والرياضيين والمستشارين الإداريين والزعماء الروحانيين، فلم لا تبرز أيضا حكم الفلاسفة؟
ويرى ستيلارز أن القرن العشرين كانت تسوده روح التفاؤل والإنجاز، وزاد الناس ثراءً، ومن ثم زاد الإقبال على المبالغة في الشراء بلا اكتراث. ثم فوجئ العالم بأزمة الائتمان، وتلاشى هذا التفاؤل. وتساءل الناس عن دوافعهم وأهدافهم في الحياة، ومن هنا ظهر الشغف بكتب النصح والإرشاد.
ويقول ستيلارز إن أعلام الفلسفة القديمة دأبوا على تقديم هذا النوع من الحكم والنصائح، بمعنى أن هذه الكتب تركز على جوهر الفلسفة كما كانت في أول عهدها.
ولاقت الفلسفة الرواقية صدى واسعا في الآونة الأخيرة، وتعود جذورها إلى سقراط، أبو الفلسفة الغربية. وارتكزت الفلسفة الرواقية في ما بعد على أعمال المفكرين سينيكا، معلم الإمبراطور نيرون، وأبكتيتوس، الذي وُلد عبدا، والإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس.
وزاد الإقبال على قراءة أعمال الفلاسفة الرواقيين في أوساط العاملين وخبراء التكنولوجيا في وادي السيليكون، كإحدى ضرورات التثقيف الشخصي. ويقال إن جاك دورسي، مؤسس تويتر، أحد أشد المعجبين بأعمالهم. وذكر ستيف جوبز أنه مستعد للتنازل عن جميع خبراته التكنولوجية مقابل قضاء أمسية مع سقراط.
ومن أبرز مبادئ الفلسفة الرواقية ببساطة، الاعتراف بالعجز عن التحكم في مجريات الأمور في حياتك، وأن تتقبل أنك مجرد جزء من كلٍ أعظم منك، وهو الطبيعة.
ويقول ستيلارز، إن الرواقيين يرون أن العوامل الداخلية النفسية، وليست الخارجية، هي الأساس لعيش حياة سعيدة. ويركزون على أهمية التحلي بالسمات الشخصية المناسبة التي تساعدك في الوصول إلى الحالة النفسية المثالية. فليس من المهم ما يملكه المرء ولا ما يواجهه في العالم الخارجي، بل كل ما يهم هو الحفاظ على السلام النفسي والرضا بالأمر الواقع. وهذا هو لب الفلسفة الرواقية.
أما الفلسفة الوجودية، فهي تتعلق بدروس الحياة. وبينما لا يجد الشخص العادي صعوبة في فهم أعمال الرواقيين أو أفلاطون أو أرسطو، فإن أغلب نصوص الوجوديين، مثل مارتن هايدغر وجان بول سارتر، اشتهرت بأنها تستعصي على الفهم، حتى للمتخصصين أحيانا.
وقال الفيلسوف البريطاني البارز غيلبرت رايل ضمن مراجعته لكتاب “الكينونة والزمان” لمارتن هايدغر: “أدرك تماما مدى عجزي عن فهم هذا العمل الصعب”.
وتقول هوبس إن الفلسفة الوجودية أساسها التجارب الحياتية من أفكار ومشاعر وتصرفات، أو كما يقول سارتر، “الوجود يسبق الماهية”. وتركز مبادئ الفلسفة الوجودية على الحرية والأصالة، وتطرح تساؤلات حول كيفية التحلي بالشجاعة والإخلاص والحماس في مواجهة عالم بلا معنى في حد ذاته بخلاف تلك المعاني والأهداف التي يضفيها الفرد عليه، والتي يبدو أكثرها عبثيا.
لكن هوبس تلفت إلى أن الكتب الحديثة التي توجز حكم كبار الفلاسفة مثل أفلاطون ونيتشه، لا تعرض إلا خلاصة مبسطة لأفكار متشابكة وصعبة ومعقدة، ويجدر بناشري هذه الكتب تنبيه القارئ إلى أن هذه المبادئ الفلسفية المبسطة هي مجرد مدخل إلى عالم شاسع ومتشابك. فالفلسفة كالجبل الشامخ يتطلب الصعود إلى قمته بذل مجهود شاق. فضلا عن أن الفلسفة ليست كالعصا السحرية التي ستحل جميع مشاكلك في الحياة.
أما عن القراء المستهدفين، فيقول كولين كولتر، الناشر بدار “بلومزبري” للنشر إن هذه الكتب الفلسفية المبسطة يشتريها القراء من جميع الأعمار، وقد يعكس تنوع القراء خلود الأفكار الفلسفية وأسئلتها التي قد تراود أي شخص في أي مكان وزمان.
ويرى كولتر أنك إذا قرأت الكتاب المناسب في الموضوع المناسب وفي اللحظة الحاسمة، ستضمن إحراز النجاح.
ويأمل سيلارز أن تمهد هذه الكتب الطريق للقراء لسبر أغوار الفلسفة، لكنه يقول: “أرى أنه لا مانع من أن يستنبط القارئ أفكارا من هذه الكتب المبسطة، ما دامت هذه الأفكار تساعده في التعامل مع الضغوط والتحديات في حياته اليومية”.