إعلام

هآرتس: هكذا يصبح عهد السيسي أشد قتامة من عهد المخلوع مبارك

في مثل هذا الشهر قبل تسع سنوات تم عزل الرئيس المصري حسني مبارك بعد ثلاثين سنة على وجوده في الحكم. السنوات التي بقيت له قضاها في الاعتقال والسجن والمحاكم، إلى أن تمت تبرئته في العام 2017 وعاد إلى بيته وأطبائه. وموته توقعته الاستخبارات الإسرائيلية قبل عقد عندما كشف الرئيس عن أنه يعاني من سرطان البنكرياس. ويبدو أنه كان “مريض البنكرياس” الأطول عمراً في التاريخ، وأحد القلائل الذين ماتوا بسبب الشيخوخة.

الشائعات التي عن موته القريب نشرت بين الفينة والأخرى إلى أن تم اتخاذ قرار رسمي بمنع النشر عن وضعه الصحي في وسائل الإعلام. مراسل من المعارضة قال إن توقف نبضه سبّب له تشوشاً في الرؤية، وفي اليوم نفسه هبطت البورصة في الدولة. الصحافي إبراهيم عيسى حكم عليه بسبب الإضرار باقتصاد الدولة. وفي هذه المرة، حصل التقرير عن موته على المصادقة النهائية من العائلة بعد أن غرد نجل مبارك بأن والده موجود في العناية المكثفة، وطلب من الشعب الدعاء له من أجل سلامته.

فترة حكم مبارك أحسن وصفها الناشط الاجتماعي سعد الدين إبراهيم، حين وصفها بـ “جملوكية”، وهي مزج بين الجمهورية والملكية. الوجه الجمهوري مثلته عدة رموز: البرلمان الذي تم استخدامه مثل خاتم مطاطي على أي قرار ونزوة للرئيس. والانتخابات التي كانت مهزلة مستمرة حظي فيها الرئيس بنسبة تأييد رائعة اقتربت من المئة في المئة. والدستور الذي دافع ظاهرياً عن حقوق الإنسان أخضع هذه الحقوق لإملاءات الرئيس وأجهزته. وفي الوجه الملكي، تعامل مبارك وابناه علاء وجمال مع الدولة كأسياد اقطاعيين، وجمعوا معاً ثروة كبيرة، بقي بعضها مجهولاً. وقد تم بناء طبقة سميكة حولهم من المقربين: رجال أعمال ونشطاء سياسيين أداروا أجهزة الفساد البيروقراطية.

في السنوات الأولى من ولايته، أغرق مبارك الدولة في ديون كبيرة لم تبق أي ميزانيات للتطوير وإعادة تأهيل الاقتصاد. وخلقت طبقات كبيرة من الفقر. وفي سنواته الأولى، كان واحداً من بين خمسة مواطنين يعيشون تحت خط الفقر. الناتج القومي الخام الإجمالي للفرد بلغ 6500 دولار في السنة. وفي نهاية فترة حكمه استقر الاقتصاد في الدولة، ورفع احتياطي العملة الصعبة وطبق برامج خصخصة نجحت في إحداث نمو مثير للانطباع بلغ أكثر من 6 في المئة في السنة. ولكن هذه المعطيات التي جلبت الثناء على مصر من مؤسسات التمويل الدولية، لم تتسرب نحو الطبقة الوسطى والطبقة الدنيا. الفجوة بين طبقة غنية رقيقة وبين باقي السكان بقيت على حالها، ومنها نمت ثورة الربيع العربي التي أزاحت الرئيس عن الحكم.

       رئيس الوضع الراهن

على المستوى السياسي كان مبارك هو رئيس الوضع الراهن، دون مبادرات عاصفة أو حروب. اتفاق السلام مع إسرائيل ورثه من سلفه أنور السادات الذي قتل على أيدي الإسلاميين في العام 1981. وقد حرص مبارك على تطبيق الاتفاق بشكل دقيق، لكنه لم يعمل على تحويله من سلام بارد بين حكومات إلى سلام بين الشعوب. وهو نفسه امتنع عن زيارة إسرائيل (باستثناء المشاركة في جنازة إسحق رابين). وأظهر التفهم أيضاً، إن لم يكن الموافقة، للمقاطعة التي فرضها المفكرون والمثقفون على نظرائهم في إسرائيل.

في المقابل، عندما طلب زعماء عرب التجند لمعركة ضد إسرائيل، أوضح بأن مصر قد تبنت السلام كخيار استراتيجي. ومن يرد شن حرب ضد إسرائيل “فعليه القيام بذلك من بلاده ولا يورط مصر في حرب”. صحيح أن الجيش المصري لم يتوقف عن رؤية إسرائيل عدوة محتملة، ويستعد في المناورات العسكرية لحرب ضد “العدو”، دون ذكر اسمه، ولكن مبارك أوضح بأن السلام مع إسرائيل يعفي مصر من القلق على الجبهة الشرقية.

هذا إضافة إلى ميزتين مهمتين قدمهما السلام لمصر: المساعدات الخارجية الثابتة التي حصلت عليها مصر من الولايات المتحدة في إطار اتفاقات كامب ديفيد، والعلاقة الوثيقة مع الإدارات الأمريكية التي ساعدتها على التسلح والحصول على قروض من المؤسسات الدولية. الحاجة إلى مواجهة ضغط سياسي، عربي وداخلي، بسبب التوقيع على اتفاق السلام مع إسرائيل الذي أدى إلى عزلة مصر، والحاجة إلى الحفاظ على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل… أجبرت مبارك على توجيه سياسته الخارجية بشكل معتدل ودون انعطافات دراماتيكية.

عندما قامت إسرائيل بغزو لبنان في 1982 كان رد مبارك غير مبال تقريباً. أما مذبحة صبرا وشاتيلا فهي التي جعلت مصر تعيد سفيرها إلى القاهرة. ورداً على ضم هضبة الجولان وعلى فشل محادثات الحكم الذاتي مع الفلسطينيين، قام مبارك بتبريد العلاقة أكثر، لكنه لم يطلق الأمر.

       تغيير الاتجاه

علاقات مبارك مع الإدارة الأمريكية كانت في بعض الأحيان مثل القطار الجبلي، فقد عارض إسقاط الرئيس العراقي صدام حسين في حرب الخليج الثانية. وأوضح وكأنه يتحدث عن نفسه، بأن صدام كان الزعيم الوحيد الذي عرف كيفية إدارة العراق المقسم. وبعد أن اعتاد على زيارة الولايات المتحدة في كل سنة في الأعوام 2004 – 2009، توقف عن ذلك.

لقد اعتقد مبارك أن الرئيس أوباما يحاول العمل على إزاحته من الحكم. وبعد عزله قال له ذلك بشكل صريح. ولكن حتى عندما كانت لديه انتقادات على الإدارة، حافظ على علاقة شخصية مع الرؤساء الأمريكيين، بمن فيهم أوباما، ومع شخصيات رفيعة في إدارة واشنطن في إطار سياسته المتزنة. بسبب ذلك، حظي بمكانة الحليف الحيوي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

في مصر اعتبر مبارك على مدى سنوات رمزاً للقمع والديكتاتورية. ولكن ليس كعادته، بالذات في سنوات حكمه الأخيرة، أطلق القبضة الحديدية التي ضرب بها منتقديه ومعارضيه، ومنهم حركة “الأخوان المسلمين”. وسمح بنشر صحف كثيرة أكثر مما سمح في بداية ولايته، وسمح بفتح وسائل إعلام جديدة. وأدركت الدولة من بعد ليونة مبارك بعد سنوات، عندما تولى عبد الفتاح السيسي الحكم في العام 2013 واتبع سياسة قمع واضطهاد أسوأ بكثير من سياسة سلفه.

الحرب الضروس التي بدأها ضد حركة “الأخوان المسلمين” واعتقال نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين وتقييد حرية التعبير والتنظيم وتغيير بنود في الدستور مكنه من الحكم لعشر سنوات إضافية على الأقل… وكل ذلك يضع السيسي في مصر كشبيه أكثر قتامة للرئيس السابق. بهذا يمكننا أن نجد بقايا إرث حسني مبارك.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى