فورين بوليسي: كورونا يمكن أن يكون قاتلا لكن الذعر منه يفوق بكثير مخاطره الفعلية
علق رئيس تحرير مجلة فورين بوليسي على الخوف الشديد الذي يعيشه العالم من فيروس كورونا قائلا “إن المرض يمكن أن يكون قاتلا لكن هذا الذعر العالمي يفوق بكثير المخاطر الفعلية له”.
وأشار جوناثان تبرمان إلى أن علامات الإنذار في كل مكان ويمكن رؤيتها في وجوه ركاب مترو الأنفاق عندما يسعل أحدهم، كما يمكن رؤيتها في الاستجابات الهائلة وغير المتناسبة والمدمرة للذات التي تناقلتها بعض المجتمعات.
وانتقد الكاتب تردد حكومات الصين والولايات المتحدة وإيران وإيطاليا في الاستجابة، حتى أن بعضها يكذب بشأن تفشي الفيروس ويعاقب المبلغين، وأردف أنه في أوقات كهذه يريد الناس ويتوقعون بفطرتهم أن تحميهم حكوماتهم بكامل موظفيها وبناء على الحقائق وبطريقة معقولة، لكن يبدو أن الأميركيين يفتقرون إلى إحدى تلك المقومات الآن، ولهذا تبدو الأمور بهذا الشكل المخيف.
ومع ذلك يشير تبرمان إلى أن مدى الاستجابة العالمية للفيروس تكشف عن أن شيئا غريبا يحدث وبدأ بحقيقة أننا نجونا من أوبئة حديثة أسوأ بكثير من الذي نعيشه اليوم دون خوف، مثل فيروس الإيدز، الذي كان لسنوات عديدة معدل وفياته 100%، وسارس وإتش1 أن1 والإنفلونزا الموسمية التي أفنت 80 ألف شخص في عامي 2017 و2018 في الولايات المتحدة وحدها، أكثر من الذين ماتوا حتى الآن من فيروس كورونا.
وذكر الكاتب أن بعض الاستجابات غير العقلانية للفيروس بدأت تؤثر على حياتنا واقتصادنا بطرق ضارة رغم أنها قد لا تفعل شيئا لمكافحة الوباء، وأشار إلى ما أوردته واشنطن بوست أن الشعبويين يستغلون المرض لتكثيف هجماتهم على الهجرة وأن أكثر من 10% من سكان العالم أصبحوا الآن في حالة حظر إجباري، حيث ألغت إيطاليا الطقوس الدينية بالكنائس وألغت اليابان مهرجان أزهار الكرز السنوي وفرضت إسرائيل الحجر الصحي لمدة 14 يوما على أي شخص يدخلها من أي مكان.
ورأى أن مثل هذه الإجراءات سوف تخنق جميع أنواع الأنشطة الاقتصادية الهامة على المدى القصير وقد تلحق الخراب بالإمداد العالمية على المدى الطويل. ويعتقد الكاتب أن هناك ثلاثة أسباب أساسية يمكن أن تفسر وتربط كل هذه التجاوزات ببعضها، التي يتحدى الكثير منها العلوم الطبية والمنطق السليم.
السبب الأول هو أن فيروس كورونا جديد وخفي وأحيانا قاتل، ولسنا فقط بعيدين عن إيجاد لقاح لكننا ما زلنا لا نعرف حقيقة ما نواجهه، بمعنى مدى خطورة المرض أو عدد الأشخاص المصابين بالفعل، وترجع هذه المشكلة الأخيرة جزئيا إلى النقص الشديد في معدات الاختبار في الولايات المتحدة وحول العالم.
والثاني أن فيروس كورونا أثبت أنه مخيف بشكل خاص بسبب الطريق التي يجسد ويستغل بها القضايا التي كانت تثير بالفعل قلقا شديدا حول العالم، أي العولمة والهجرة الجماعية والاعتماد المتبادل. وهذه هي بالتحديد القضايا التي ظل ترامب وغيره من الشعبويين يعزفون عليها لسنوات وقد استجاب لها الكثير من الناخبين الذين يشعرون بأنهم يُضربون بقوى لا يفهمونها ولا يمكنهم السيطرة عليها.
والسبب الثالث الذي جعل فيروس كورونا يضرب على هذا الوتر الحساس ينبع من شعور عميق بالذنب يحسه الكثير منا حول الطريقة التي بدأت بها إساءة الإنسان القاسية للطبيعة -من قرون حرق الكربون إلى سنوات الإفراط في استخدام المضادات الحيوية القوية- في تدمير الغلاف الحيوي للأرض بكل مكوناته.
وبعد عرض هذه الأسباب، يرى الكاتب أنه رغم أن كل هذا الخوف الذي يمكن أن يجعل الناس يتصرفون بطرق شاذة بشكل متزايد، فإن ذلك ليس كله أخبارا سيئة.
واعتبر الموقع أن الأزمات الوجودية جيدة لتصفية العقل، وأنها غالبا ما تقنع السياسيين بإجراء إصلاحات عميقة ومؤلمة ولكنها ضرورية، لأنها تجبرهم على قبول أنه لا يوجد خيار آخر، وأنهم إذا فشلوا فلن يكون في ذلك نهاية حياتهم المهنية فحسب، بل سيحكمون على بلدانهم بالفناء أيضا.
وختمت فورين بوليسي بأن فيروس كورونا قد يكون من هذا النوع من الأزمات، وإذا لم يكن كذلك فستكون التالية أو التي تليها، ولكن حتى الآن ليس هناك ما يشير إلى أن قادتنا يستخلصون الاستنتاجات الصحيحة من خلال الاعتراف بالحجم الحقيقي للمشكلة والعمل معا بطريقة منفتحة وفعالة ومنسقة، وهذا هو الجزء الأكثر رعبا.