فلسطين المحتلة

الاعتداءات الاسرائيلية: عزلة مضاعفة للفلسطينيين العالقين بين القدس والضفة الغربية المحتلتين

لا يفرق الاحتلال الإسرائيلي بين الأزمنة في الاضطهاد، فحتى جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وحالة الطوارئ الناجمة عنها، استغلها لزيادة عزلة آلاف الفلسطينيين من حمَلة الهوية الفلسطينية الذين يسكنون ضمن ما يسمى حدود بلدية القدس.

ويوجد هؤلاء الفلسطينيون في قرية النبي صموئيل، وجزء من قريتي قلنديا وحزما، وحي الخلايلة، داخل القدس بتصريح إقامة توقفت صلاحيته إثر تفشي كورونا، حيث مُنع دخول أي فلسطيني من حمَلة الهوية الفلسطينية إلى القدس.

وخلّف هذا المنع آلاف العالقين ممن كانوا يعيشون في الضفة الغربية، وسيُعزلون في منازلهم المعزولة أصلا، فهم إن خرجوا منها لقضاء حوائجهم أو تلقي خدمات طبية مستعجلة، لن يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم عبر الحواجز العسكرية التي مزقت أوصالهم بالتعاون مع جدار الفصل العنصري.

 بيت عائلة الخطيب الملاصق لمستوطنة بيسجات زئيف داخل القدس حيث يمنع سكان البيت من التنقل (الجزيرة)
بيت عائلة الخطيب الملاصق لمستوطنة بيسجات زئيف داخل القدس حيث يمنع سكان البيت من التنقل (الجزيرة)

حاجز انتقائي
من أمام منزلها الذي اقتطعه جدار الفصل من قرية حزما شمال شرق القدس، تنظر زينب الخطيب (49 عاما) إلى حاجز حزما العسكري القريب وقد فُتح للمركبات بالاتجاهين، بينما لا تستطيع هي وأربعون فردا من عائلتها الخروج من الحاجز نحو الضفة ولا الدخول إلى القدس والتنقل فيها.

لا تملك زينب وعائلتها تصاريح إقامة بالقدس، وإنما سُجلّت أسماؤهم على الحاجز، فلا يستطيعون استقبال زائرين ولا أقارب غير مسجلين، وقد سبق أن اعتقلتهم قوات الاحتلال بسبب وجودهم في القدس.

تقول زينب للجزيرة نت، “أمسى بيتنا سجنا لنا، والدتي مسنة مريضة، ولدي ثلاثة إخوة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وحولنا أطفال العائلة، أعلمنا الارتباط الإسرائيلي في 22 من الشهر الماضي بأنهم سيغلقون علينا لشهر كامل، فحاولت شراء كل ما نحتاجه، لكن الوقت لم يكفِ”.

ورغم حصولها على تصريح فلسطيني لمواصلة عملها في مصنع للأدوية برام الله، فإنها انقطعت عنه لأن الاحتلال لم يعترف بهذا التصريح، كما أنها تشعر بالقلق من احتياج والدتها أو إخوتها إلى رعاية طبية عاجلة، واحتياجها إلى تنسيق للمرور يستغرق ساعات طويلة”.

آثار الجدار
عائلة السبعيني شريف عوض الله عالقة اليوم في منزلها بحي المطار شرق قرية قلنديا شمال القدس، والتي اقتطع جدار الفصل جزءا من أراضيها وضمها إلى القدس، ومنها أرض بيت عوض الله الذي يحمل هوية فلسطينية ويتنقل وعائلته بتصاريح عُطّلت أيضا بسبب الإغلاق.

 صورة من داخل القدس لجدار الفصل العنصري الذي يقسم أراضي بلدة قلنديا إلى جزء خارج القدس وجزء داخلها (الجزيرة)

صورة من داخل القدس لجدار الفصل العنصري الذي يقسم أراضي بلدة قلنديا إلى جزء خارج القدس وجزء داخلها (الجزيرة)

يوضح عوض الله للجزيرة نت أنه وعائلته يملكون تأمينا صحيا فلسطينيا، وحين يحتاجون العلاج يذهبون إلى الضفة عبر حاجز قلنديا أو عطروت، لكنه ومع تعطيل تصريحهم لن يستطيعوا الخروج للعلاج الاضطراري لأنهم لن يسمح لهم بالعودة عبر الحاجز، وإن أرادوا العلاج في القدس فليس بحوزتهم تأمين صحي يغطي ذلك.

لا يهوى عوض الله وأمثاله من الفلسطينيين العالقين التنقل في ظل أزمة كورونا، ويفضلون البقاء في البيت، لكنهم متوجسون على الدوام من احتياجهم إلى خدمة صحية طارئة قد تضع حياتهم على المحك أثناء ساعات التنسيق الطويلة الهرمية.

عزلة قديمة جديدة
شمال غرب القدس هناك أيضا خمسمئة فلسطينيّ عالق في قرية النبي صموئيل، التي عزلها الاحتلال قبل كورونا عن محيطها من القرى الفلسطينية وأقام حاجز “الجيب” كمنفذ وحيد إلى تلك القرى باتجاه واحد، حيث لا يستطيع أحد دخول قرية النبي صموئيل إلا إذا كان من سكانها وبشرط أن يكون اسمه مسجلا لدى الجنود على الحاجز.

يؤكد عضو مجلس قروي النبي صموئيل محمد بركات للجزيرة نت، أن سكان قريته يحملون الهوية الفلسطينية ومع أن قريتهم داخل حدود بلدية القدس إلا أنهم ممنوعون من دخولها، ومع إغلاق الحواجز بشكل كامل في وجه فلسطينيي الضفة الغربية، علق أهل القرية، الذين لن يسمح لهم بالرجوع عبر حاجز الجيب إن خرجوا.

ويتابع بركات “تعاوننا مع لجان الطوارئ الفلسطينية في القرى المجاورة الذين يمدوننا بالاحتياجات الأساسية، حيث يسمح لبعض المركبات بالخروج بتنسيق مسبق مطول ولساعات محددة. وسابقا احتاج أحد شبان القرية المصاب بمرض رئوي للطبيب واستغرق التنسيق لنقله خارج القرية وقتا طويلا، وإذا احتجنا حتى لإدخال جرة غاز أو علف حيوانات نحتاج إلى تنسيق”.

شملت العزلة حمَلة الهوية فلسطينية داخل الجدار في منطقة ضاحية البريد شمال القدس وحي الخلايلة شمال غرب القدس، إضافة إلى أفراد تزوجوا من مقدسيات وعاشوا داخل المدينة بتصريح “لم شمل” من نوع (صفر صفر)، حيث أُبطلت تصاريحهم أيضا.

 نافذة الاستقبال في مستشفى المطلع بالقدس الذي يستقبل مجانا كافة الفلسطينيين العالقين من حمَلة الهوية الفلسطينية (الجزيرة)
نافذة الاستقبال في مستشفى المطلع بالقدس الذي يستقبل مجانا كافة الفلسطينيين العالقين من حمَلة الهوية الفلسطينية (الجزيرة)

انتهاز الوباء
ويبيّن الخبير في القانون مدحت ديبة للجزيرة نت، أن العديد من القوانين الوضعية التي تسري على الأفراد لا يتم تطبيقها في حالات الطوارئ الناجمة عن الحروب أو الأوبئة، لكن يفترض أن يُحافظ على الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية، الأمر الذي يتجاهله الاحتلال الإسرائيلي.

ويضيف ديبة “لا توجد أي سلطة رقابية على السلطة التنفيذية في حالة الطوارئ، وفي حالة العالقين من حمَلة الهوية الفلسطينية في القدس فلا يوجد أي ضمان من ناحية قانونية لإلزام الاحتلال بالسماح لهم بالخروج والعودة عبر الحواجز، كما أن الاحتلال يستغل حالة الطوارئ ووباء كورونا للتضييق على هؤلاء الفلسطينيين وتحقيق أهداف سياسية”.

تُبشّر بالحل
في محاولة لإيصال صوت العالقين ولفت النظر لقضيتهم خصوصا في الجانب الصحيّ حيث يتعذر عليهم الخروج لتلقي العلاج في الضفة الغربية بسبب الإغلاق ولا يغطيهم التأمين الصحي داخل القدس إن استطاعوا الوصول إلى مستشفياتها، تواصلت الجزيرة نت مع شبكة مستشفيات القدس والتجمع المقدسي لمواجهة كورونا.

وقال متحدثون باسم التجمع المقدسي للجزيرة نت، إن مستشفيات القدس الفلسطينية الستة لن تغلق أمام أي من حمَلة الهوية الفلسطينية وسيتم معالجتهم مجانا في حالات الإصابة بفيروس كورونا والحالات المرضية الطارئة الأخرى، حتى لو لم يغطهم التأمين الصحي.

كما طمأن أمين سر شبكة مستشفيات شرق القدس وليد نمور هؤلاء الفلسطينيين عبر الجزيرة نت، بأن مستشفى المطلع -الذي يترأسه- لن يرد مريضا يقصده أبدا، وأنه تواصل مع بقية المستشفيات من أجل وضع خطة لمعالجتهم وتخفيف عزلتهم ولو طبيا.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى