كتاب وآراء

لماذا يقتلون كبار السن والمرضى بدم بارد؟ إيطاليا نموذجا

د. احمد دياب

بالتأكيد حياة كل شخص ثمينة، ولكن للأسف عند البعض قد يكون موته أثمن.
هل تعلم أنه من بين أكثر من 20 ألف متوفى بسبب الكورونا في إيطاليا كان هناك فقط 9 أشخاص تحت سن الثلاثين، و50 شخص فقط تحت سن الأربعين؟ وهل تعلم أن كل هؤلاء كانوا يعانون من أمراض مزمنة وأوضاعهم الصحية حرجة جدا قبل إصابتهم بكورونا؟

هل تعلم أن نسبة المتوفين بكورونا في إيطاليا ممن هم تحت سن الخمسين كانت حوالي 1% فقط؟ وهل تعلم أن حوالي 95% من وفيات كورونا كانوا فوق سن السبعين؟ وهل تعلم أن جميع وفيات كورونا كانوا يعانون من مرض أو أكثر من الأمراض المزمنة؟

هل تعلم أنه أجريت دراسة عن وفاة الإيطاليين في موسم الشتاء 2016/2017 وكان عدد المتوفين بفيروس الإنفلونزا الموسمية في تلك الأشهر حوالي 25 ألف إيطالي وكان أغلبهم أيضا هم من كبار السن ومن يعانون من الأمراض المزمنة؟

على الرغم من وجود أمصال ولقاحات وعلاجات مختلفة للإنفلونزا الموسمية إلا أنها كانت قادرة على قتل هذا العدد من البشر خلال أشهر الشتاء في إيطاليا، فما العدد المتوقع لو لم يكن لها أي أمصال أو علاجات؟ ولماذا لم يتم التعامل معها على أنها وباء؟ إذن، لماذا تم نشر الرعب من فيروس لا يقتل في أسوأ الأحوال، حيث لا يوجد له علاج مثل الأعداد التي تقتلها الإنفلونزا الموسمية في أفضل الأحوال، حيث الأمصال واللقاحات متوافرة لها؟

إذا كنت في بلد يقدم رعاية طبية متميزة لجميع سكانه والمقيمين فيه، كيف تستطيع أن تغلق عيادات المستشفيات العامة في بلدك، بحيث يقتصر عملها على حالات الطوارئ فقط، بل وحتى توقف عمل خمس أو حتى ربع أفراد الطاقم الطبي لديك، وتحث المرضى على عدم الذهاب إلى المستشفيات، وبالتالي يتطور المرض لديهم وتستفحل حالاتهم المرضية بحيث يموتون في منازلهم أو في دور رعاية المسنين بدون تلقي أي رعاية طبية؟ وكيف تصل بك الجرأة لتصرح بأنك أقرب ما تكون لحالة الحرب التي سيتوجب عليك فيها إسعاف من هم أصغر سنا وأليق بدنيا في مقابل ترك كبار السن والمرضى يموتون؟ كيف تهيئ الناس لأن يستقبلوا تلك الأخبار ويتقبلوا تلك الجرائم بلا مبالاة؟

الحل أصبح موجودا الآن.. إنه كوفيد 19..

تنفق إيطاليا بالفعل أكثر من 16% (أي حوالي 320 مليار دولار) من ناتجها المحلي الإجمالي (البالغ حوالي 2 ترليون دولار) على معاشات التقاعد. ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى أعلى من 20% بحلول عام 2040. وتكتسب هذه المسألة مزيدًا من الإلحاح عند النظر إلى الوضع الاقتصادي العام في إيطاليا، وهو اقتصاد منخفض النمو مثقل بالديون العامة التي تجاوزت بالفعل 130% من الناتج المحلي الإجمالي.

يوجد حاليا حوالي 14 مليون إيطالي أي 23% من الشعب الإيطالي فوق سن 65 عاما، وهناك 5 مليون إيطالي فوق سن الثمانين، وحوالي مليون فوق سن التسعين، وتلك النسب والأرقام لكبار السن آخذة في الزيادة. وقد ورد في تقرير المفوضية الأوروبية ولجنة السياسة الأوروبية الإنفاق العام (الحكومي) على الرعاية الصحية طويلة الأجل لمن هم فوق سن ال65 عام في إيطاليا سوف يصل في عام 2060 إلى 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي فإن “تقديم الخدمات الصحية لكبار السن يشكل تهديدا للاستدامة المالية”.

متوسط المعاش السنوي للفرد المتقاعد حوالي 20 ألف دولار، يعني 100 ألف مسن معاشهم 2 مليار دولار في السنة. ولو عاشوا 10 سنوات سيتوجب على الدولة دفع 20 مليار دولار. الرعاية الصحية لمن فوق 65 حوالي 2% من الناتج القومي، أي 40 مليار دولار. والتخلص من 100 ألف يعني للحكومة عدم دفع حوالي 3 مليار دولار سنويا، وهذا المبلغ يعني التخلص من دفع حوالي 30 مليار دولار خلال ال10 سنوات القادمة على أقل تقدير، فالكثير من كبار السن في إيطاليا يعيشون لأكثر من 20 سنة بعد بلوغهم سن الخامسة والستين.

لو تمكنت الحكومة الإيطالية من التخلص من 200 ألف مسن خلال الأشهر القادمة سيصبح المبلغ الذي وفرته هو 100 مليار دولار على أقل تقدير. كما يمكن إضافة عدد كبير من مرضى الأمراض المزمنة ومن يعانون من حالات حرجة وغير مصابين بكورونا، ولكن تركهم أطباؤهم يموتون لأن الأطقم الطبية إما أصبحت مشغولة في مكافحة الفيروس القاتل، وإما أصابهم الفيروس ويحتاجون لقضاء أسابيع طويلة في الحجر الصحي حتى يتعافوا، وبالتالي يتم غلق أبواب المستشفيات والعيادات العامة في وجوه المرضى، ويتم تأجيل الكشف الدوري على الذين يعانون من أمراض مزمنة لشهور طويلة، وبالتالي تتدهور حالاتهم الصحية حتى الموت.

ما يحدث في إيطاليا يحدث الآن في معظم دول العالم بأشكال متفاوتة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت كورونا.

*المصادر في التعليقات

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى