اضطرابات مالية في أسواق لبنان وقرارات المصرف المركزي تواجه انتقادات
تعيش الأسواق المالية اللبنانية حالة من انعدام الاستقرار تظهر تجلياتها في الارتفاع الكبير لسعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية مقابل الليرة اللبنانية.
وبينما لامس سعر صرف الدولار حاجز الأربعة آلاف ليرة لبنانية لدى الصرافين، بقي سعر الصرف الرسمي المعتمد من المصرف المركزي عند حدود 1515 ليرة. ولم تنجح كل المساعي للجم هذا الارتفاع في سعر صرف الدولار.
أمام هذا الواقع وفي ضوء توقف المصارف عن منح المودعين أموالهم بالعملة الأجنبية، وشح الدولار في الأسواق، أصدر حاكم المصرف المركزي رياض سلامة سلسلة تعاميم تنظيمية تسمح للمودعين بإجراء سحوبات شهرية بقيمة خمسة آلاف دولار من ودائعهم بالعملات الأجنبية، على أن تُسدد المصارف التجارية القيمة بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق.
وسبق ذلك تعميم سمح لصغار المودعين بقبض ودائعهم تحت سقف 3000 دولار بالليرة اللبنانية وبسعر صرف السوق.
انتقادات
ولاقت هذه التعاميم استياء في صفوف المواطنين، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر عدد منهم أنها تشكل اقتطاعا من مدخراتهم، وأن هدفها حماية رساميل المصارف وكبار المودعين من أي اقتطاع مباشر من ودائعهم، أو فرض ضريبة تصاعدية على الثروة.
وردا على تعاميم المصرف المركزي وعلى ما آلت إليه الأوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية، شهدت بعض المناطق تحركات احتجاجية وإغلاقا للطرق، كما نُفذت اعتصامات أمام فروع لمصرف لبنان في بيروت والمناطق.
لكن الانتقاد الأعنف ضد حاكم مصرف لبنان المركزي جاء على لسان رئيس الوزراء حسان دياب الذي قال إن تدهور سعر صرف الليرة يتسارع بشكل مريب، معتبرا أن ثمة معضلة تتمثل في غموض مريب بأداء حاكم المصرف إزاء هذا التدهور.
وأضاف دياب أن الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان وصلت إلى 7 مليارات دولار منذ بداية العام الجاري، مشيرا إلى خروج 5.7 مليارات دولار من ودائع المصارف خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، وأكد أن الحكومة لن تتهاون في قمع كل عبث بالاستقرار المالي.
وترى الصحفية المتخصصة في الشأن الاقتصادي محاسن مرسل أن ما يحصل من تفلت في سعر صرف الدولار محاولة ليعتاد الناس على تحرير سعر الصرف، وقالت إن هدف تعاميم حاكم المصرف هي جعل أموال المودعين بالعملة اللبنانية، مما يشكل اقتطاعا من هذه الأموال، بحسب تعبيرها.
وتتوقع محاسن أن تفاقم هذه التعاميم الأضرار، لأنها تمتص الدولارات من الأسواق بشكل مباشر أو غير مباشر، وقالت إن قرارات سلامة غير مدروسة وأثبتت سلبياتها سواء على السوق المحلي أو على المواطنين من خلال ارتفاع نسبة التضخم وانعدام القيمة الشرائية، مطالبة بضرورة وقف عمليات الصيرفة للجم ارتفاع سعر الدولار.
القدرة الشرائية
في المقابل، قال المستشار في أحد المصارف اللبنانية نسيب غبريل إن تعميم المصرف المركزي يسمح للمودعين بالاستفادة من ودائعهم بالعملة الأجنبية وبسعر صرف السوق المتداول.
واعتبر أن هدف التعميم هو الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين في ظل الغلاء المستشري، ولدعم أوضاع الناس في الظروف الحالية الصعبة.
ولفت غبريل إلى أن كل التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي منذ العام الماضي مؤقتة وليست حلا نهائيا، مشيرا إلى أن هدفها تعبئة الفراغ الذي تركته السلطة التنفيذية بسبب تأخرها في إيجاد معالجة جذرية لأزمتي السيولة والثقة اللتين يعانيهما الاقتصاد المحلي.
وقال إن أولى خطوات الحل هي البدء بمفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول التمويل والإصلاحات، معتبرا أن وجود أسعار صرف متعددة للدولار الأميركي مضر بالاقتصاد اللبناني.