آلاف القطع هربها مصطفى طلاس لدبي.. تقرير فرنسي يرصد الآثار السورية المنهوبة
صدر حديثاً عن مؤسسة جيردا هنكل الألمانية وجمعية حماية الآثار السورية في فرنسا تقرير -عن أحوال المتاحف الأثرية في سوريا، بين عامي 2011 و2020- أعده الأكاديمي السوري شيخموس علي، وثق فيه الأضرار الفادحة التي تعرض لها التراث المادي السوري والمؤسسات والمتاحف التي يفترض أن تحافظ على هذا التراث.
وأشار التقرير لوجود 55 مؤسسة ثقافية معنية بحفظ وعرض الإرث الثقافي في سوريا، وبينها 49 متحفا بمختلف الاختصاصات، ومستودع ضخم لحفظ القطع الاثرية، و5 دور عبادة تحتوي قطع أثرية وتاريخية، في حين يتم تداول رقم 38 متحفا فقط في سوريا وهو ما يعتبره الباحث غير دقيق.
آثار منهوبة
ويرصد التقرير تعرض 29 متحفاً ودار عبادة لأضرار مختلفة بسبب العمليات العسكرية وعمليات القصف الجوي والأرضي، بينها متاحف معرة النعمان وتدمر والرقة التي تعرضت لأضرار جسيمة.
كما يتناول عمليات النهب الواسعة التي تعرضت لها مواقع أثرية سورية، راصداً سرقة 40635 قطعة أثرية من المتاحف والمستودعات ودور العبادة منذ عام 2011.
وأكد التقرير أن هذا الرقم يشمل فقط المؤسسات الـ 29 التي تعرضت للنهب، في حين لم يتم الأخذ بعين الاعتبار 10 من المتاحف ودور العبادة التي تعرضت للنهب لكن لم يعرف عدد القطع المنهوبة منها.
ولا يشمل هذا الرقم كذلك آلاف القطع غير المسجلة في قوائم ودفاتر 19 متحفا تعرضت لعميات نهب وسرقات، كما لا يشمل عشرات الآلاف من القطع التي نهبت من المواقع الاثرية السورية خلال عمليات الحفر العشوائي منذ 2011، في مناطق مثل أفاميا، دورا أوروبوس، تدمر، إيبلا وغيرها.
ولم تتضمن القطع الأثرية المنهوبة -الذي وثق عددها التقرير- نهب العديد من القطع الأثرية والتراثية والأعمال الفنية التي قال إنه تم شحنها في 405 صناديق من قبل وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس (توفي عام 2017 في باريس) إلى دولة الامارات.
وأفاد التقرير الفرنسي بأن طلاس حصل على القسم الأكبر من هذه القطع بطرق غير شرعية، لكنه -بحسب التقرير- حصل على موافقة رسمية صادرة من وزارة الثقافة السورية تتضمن السماح بشحنها إلى الإمارات.
مواقع الآثار
وبما أن المتاحف السورية لا تملك وسائل الحماية اللازمة لمقتنياتها ومحفوظاتها، فقد كانت عرضة للتخريب والنهب والقصف والتدمير منذ 15 مارس/آذار 2011، بحسب التقرير.
وفي هذا المناخ الذي بات فيه الأمن منعدما في كثير من المدن والبلدات، تعرض الكثير من المتاحف للسرقة أو النهب، والبعض الآخر للقصف، بحسب التقرير الذي اعتبر أن وضع المتاحف السورية كان أكثر خطورة مما عانته المتاحف العراقية التي تعرضت ثرواتها الثقافية والتاريخية لأضرار جسيمة.
ومن المتاحف المنهوبة في سوريا “متحف تدمر” الذي تأسس عام 1961 وتعرض لقصف صاروخي روسي أو سوري في خضم المواجهة مع مسلحين قاموا بالاستيلاء عليه، وتعرض لتدمير جزئي، وقام عناصر تنظيم الدولة الإسلامية لاحقاً بتدمير عدد من محتوياته بينها مومياوات وتماثيل.
وكان المتحف يحتوي على 12 ألف قطعة أثرية لكن لا يعرف حالياً عدد الآثار المنهوبة وطبيعتها، ورغم قلة المعلومات يفيد التقرير بأن 3450 قطعة أثرية تعرضت للنهب من متحف تدمر.
وإلى الشمال الغربي من تدمر، تناول التقرير واقع “المتحف الأركيولوجي” بإدلب الذي ضم عند افتتاحه عام 1987 مجموعات فنية مهمة تمتد إلى مرحلة ما قبل التاريخ والفترة العثمانية.
وتعرض المتحف لعدة هجمات صاروخية عامي 2015 و2016 وقد تم نهب الكثير من محتوياته أو إتلافها جزئياً وخاصة الأرشيف، وكان هذا المتحف يضم 15 ألف قطعة فنية تعرضت منها 5844 قطة أركيولوجية للنهب، بحسب التقرير.
وإلى الجنوب من إدلب تناول التقرير واقع متحف معرض النعمان، معتبراً أنه كان الأكثر شهرة في البلاد حيث يضم أهم مجموعة من الفسيفساء في الشرق الأدنى، ويقع في خان مراد باشا (الذي يعود تاريخه إلى القرن 16) في معرة النعمان ويوجد وسطه مسجد وتكية.
عام 2011، تم تحويل هذا المتحف إلى ثكنة عسكرية من قبل جيش النظام السوري. وفي وقت لاحق، سيطر الجيش السوري الحر على هذا المبنى واستقر لواء شهداء معرة النعمان في المتحف، وبين عامي 2012 و2018 تعرض متحف معرة النعمان لدمار هائل بعد قصف جوي متتال من قبل جيش النظام السوري.
وتناول التقرير أيضأً “متحف حلب الوطني” الذي تأسس عام 1931 ويضم آثارا قديمة محلية وأخرى قادمة من مدن دير الزور وإدلب واللاذقية والحسكة، وتعرض المتحف لسلسلة من الهجمات والتفجيرات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2012 ودمرت الكثير من منشآته ومحتوياته التي يعود تاريخها إلى حقبة ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام.
كما تعرضت متاحف أخرى في مدينة حلب بينها متحف الفنون والتقاليد الشعبية ومتحف قلعة حلب ومتحف الطب والعلوم في حلب (البيمارستان الأرغواني) لسلسلة من أعمال النهب في أعقاب الهجمات والتفجيرات التي طالتها عندما كانت المدينة مسرحا لمواجهات طويلة بين قوات النظام السوري وقوات الجيش الحر وتنظيمات سورية معارضة.
توصيات
ودعا التقرير الإدارة العامة للآثار والمتاحف السورية إلى عمل تقرير مفصل عن الوضع الحالي لكل متحف ومحتوياته، وبناء قاعدة بيانات رقمية بحيث يخضع كل جزء لقائمة جرد مفصلة علميا وفقا للمعايير التي وضعتها المتاحف العالمية.
وإضافة إلى ذلك دعا التقرير لعمل بحث مفصل يتضمن جميع المعلومات الممكنة لمعرفة العدد الدقيق للقطع الأثرية والإثنوغرافيا المنهوبة في كل متحف، معتبراً أن مثل هذا البحث سيكون حاسماً بالنسبة للإنتربول والمؤسسات الدولية الأخرى لتوثيق القطع المسروقة إذا ظهرت في أسواق الفن وتهريب الآثار.
ودعا التقرير للتحقيق في نقل مئات الصناديق الأثرية إلى دبي بواسطة وزير الدفاع السابق اللواء مصطفى طلاس عندما غادر سوريا عام 2011، مؤكداً احتواء هذه الصناديق على آلاف القطع الأثرية المنهوبة التي جرى تهريبها من موطنها الأصلي.