الأبعاد الكارثية لآفة الاستيراد في سوريا
صالح الفتيح*
هدف الاقتصاد هو خدمة المجتمع وليس العكس. الإصرار على الاستيراد – حتى لأبسط المواد الغذائية التي يمكن إنتاجها محلياً – يزيد من الأعباء الاقتصادية وبالتالي يزيد من الأعباء على أفراد المجتمع، في الوقت الراهن وفي المستقبل. استيراد المواد الغذائية الحيوية في سورية يتم بطريقة غريبة للغاية: الحكومة تسدد النقد الأجنبي اللازم ثمناً المواد المستوردة، والتي تشحن بحراً إلى الموانئ الحكومية، وتنقل عبر شبكات النقل الحكومية وصولاً إلى المؤسسات الحكومية التي تقوم بتوزيعها، إلا أن من يقوم بعقد الصفقة مع المصدر الأجنبي هو من القطاع الخاص. وبالرغم من أن أسعار المنتجات الغذائية الحيوية معروفة في الأسواق العالمية إلا أن مقارنة هذه الأسعار بسعرها في المؤسسات الحكومية – ناهيك عن الأسواق الحرة – يظهر فرقاً هائلاً (فعلى سبيل المثال، سعر طن السكر اليوم حوالي 270 دولاراً أي أن سعر الكيلوغرام يجب أن يكون 337 ليرة في سورية بافتراض أنه يستورد بالسعر الرسمي للدولار الذي يبلغ سعره 1250 – أما في حال كان الاستيراد بسعر 700 ليرة للدولار، فيجب أن يكون سعر الكيلوغرام 190 ليرة، و120 ليرة فقط في حال كان السعر القديم لدولار المستورادت، 434 ليرة، لايزال قائماً).
ومع هذا الإصرار على الاستيراد – والإصرار على اعتماد شخصيات معينة من القطاع الخاص – يجب أيضاً التساؤل عن مصدر تمويل المستوردات. ما هو مصدر تمويل هذه المستورادت في ظل عدم توفر صادرات حكومية تؤمن نقد أجنبي؟ الأرجح أن مصدر التمويل هو أموال روسية وإيرانية. وكما رأينا خلال الأعوام الأخيرة فهذه الأموال هي ديون وليست منح، وتتم المطالبة بقيمة هذه الديون، تصريحاً وتلميحاً، ويتم سدادها عبر تقديم أملاك حكومية للاستثمار الأجنبي، ومنح امتيازات لثروات طبيعية (فوسفات وغاز ونفط). بمعنى آخر، من يصر على الاستيراد إنما يخدم مجموعة كبار محتكري الاستيراد “المعروفين”، بأموال سيسددها السوريون لاحقاً من ثروات بلادهم الطبيعية وبناها التحتية.