انتحار الآباء وقتل الأبناء بمصر.. أزمات اقتصادية وضغوط نفسية
خلال الأيام القليلة الماضية تابع المصريون تفاصيل 3 جرائم أسرية أبطالها الآباء، انتهت جميعها نهايات مأساوية ما بين انتحار الأب أو قتل الأبناء على يد الأب نفسه.
وبينما تنوعت الأسباب بحسب الروايات الحكومية ما بين الأزمات الاقتصادية الحادة وبين المرض النفسي، رأى البعض أن تلك الحوادث تقرع أجراس الإنذار وتدق ناقوس خطر محدق بالمجتمع المصري خاصة في ظل أزمات عديدة تتراوح بين الفقر وانسداد الأفق السياسي.
في الجمعة الماضية أقدم سائق على قتل أطفاله الثلاثة بطريقة بشعة حيث ألقاهم أمام قطار مسرع في مركز ملوي جنوب محافظة المنيا، وفرّ هاربا.
وأوضحت تحريات الأجهزة الأمنية أن “محمد. ع” (50 عاما) تخلص من أطفاله الثلاثة (8 و6 و4 سنوات) بإلقائهم أسفل عجلات القطار وفر هاربا، كما دلت التحريات الأولية أنه “مُختل عقليا” ويتلقى علاجا بأحد المستشفيات منذ أكثر من عام.
وقبل يومين في أسيوط جنوبا، انتحر أب لتدهور الحالة الصحية لأطفاله الثلاثة، وعدم قدرته على تحمل مصاريف علاجهم، حيث يعانون من مرض وراثي نادر، ويحتاج كل منهم علاجا مستمرا يتكلف مبالغ كبيرة.
وقبل أسبوع كشفت تحريات الشرطة أن الحريق الذي شب بإحدى الشقق السكنية بمركز البداري في محافظة أسيوطد، ونتج عنه وفاة 5 أشخاص من بينهم 3 أطفال، كان الزوج وراء ارتكاب الواقعة.
وأوضحت الشرطة أن “حسام. أ .م” يعاني من اضطراب نفسي، حيث أشعل النيران في والدته وزوجته وبناته، وأغلق عليهن باب الشقة بسبب خلافات أسرية على المصروفات.
أسباب نفسية
يرى استشاري الطب النفسي جمال فرويز أن العديد من الجرائم التي ارتكبت بسبب الأمراض النفسية تحدث بسبب اكتئاب نفسي سودوي و”بالتحديد اكتئاب نفسي شديد يجعله يشعر أن الدنيا سوداء، وأن أبناءه ملائكة وخسارة أن يعيشوا في هذه الدنيا السيئة ولذلك يقدم على قتلهم”.
وأوضح أن الأب ربما يعاني من هلوسات سمعية، تأمره بفعل شيء، أو تعلق على تصرفاته أو تمدحه، بحسب الصحف المحلية.
بدوره يؤكد أستاذ علم النفس محمود راضي أن انتشار معدلات الجريمة الأسرية في الآونة الأخيرة يرجع إلى الجانب النفسي، حيث يعاني البعض من مرض الفصام العقلي، الذي يجعل فكرة الخلاص من الدنيا والذهاب إلى الآخرة والجنة هو الحل الأمثل.
وقال راضي في تصريحات نشرها الإعلام المحلي “لا بد من الاعتراف بالمرض النفسي ونشر ثقافة العلاج النفسي وإيجاد حلول للمشكلات بطريقة عقلانية لتحقيق الاستقرار”، ودعا وسائل الإعلام إلى تجنب عرض تفاصيل الجريمة بالكامل وكيف تم ارتكابها، لأن الذي يعاني من الأمراض النفسية يقتبس تلك التفاصيل وتظل الفكرة تراوده لتنفيذ مثلها.
بدوره يقول القاضي جمال القيسوني، رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، إن هناك أسبابا عدة وراء ارتكاب الآباء تلك الجرائم، أهمها الأسباب النفسية، حيث يصل بعضهم إلى خلل نفسي يجعلهم يعتدون على أطفالهم بالضرب المبرح، الذي يصل في النهاية إلى الموت ويصنفها القانون بأنه ضرب أفضى إلى موت.
وفي تصريحات للإعلام المحلي، أوضح القيسوني أن السبب الثاني يعود لسوء الأحوال الاقتصادية وفشل رب الأسرة في تلبية احتياجات أسرته، فيقوم بقتل أبنائه، لافتا إلى أن الإعدام هو الحكم القانوني لتلك الجرائم، لكن بعض القضاة في الجرائم الأسرية يستخدمون المادة 17 من قانون العقوبات والتي تسمى بـ”الرأفة”، حيث يستخدمها القاضي إن وجد هناك ظروفا دفعت الآباء لذلك.
أزمات اقتصادية
رغم الإقرار بالأسباب النفسية وراء انتشار الجرائم الأسرية في مصر، فإن البعض يرى أن هناك حزمة من الأسباب الأخرى على رأسها تردي الأحوال الاقتصادية بسبب الهزات الاقتصادية المتتابعة التي تعرض لها المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة، والتي ألقت بظلالها على المناحي الاجتماعية والأوضاع النفسية المختلفة للشعب المصري.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب الصحفي طه خليفة أن تلك الحوادث الكارثية يشهدها المجتمع منذ فترة بشكل متزايد، معتبرا أنها يجب “ألا تجعل الحاكم يغمض له جفن، أو يهنأ له عيش، حتى يصل إلى أسباب ودوافع هذه المآسي، ويعمل على إصلاحها وعلاجها”.
وأشار خليفة عبر حسابه بموقع فيسبوك إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان يتجول ليلا في المدينة فربما يستمع لشكوى المظلومين، أو أنين المعذبين، أو تضور الجائعين، مضيفا “ليس مطلوبا من الحاكم اليوم أن يلف ويدور على البيوت، لكن مطلوب منه العدل والعدالة الاجتماعية، وتقريب الفوارق بين الطبقات، وألا ينام مواطن جائع أو خائف أو مظلوم”.
وبحسب مؤشر الجريمة العالمي في عام 2019، جاءت مصر في المركز الرابع على مستوى الدول العربية في معدل الجرائم السنوي، واحتلت المرتبة الـ26 عالميا، والثامنة أفريقيا.
وفي يناير/كانون الثاني من العام الماضي، كشف تقرير لقطاع الأمن العام بوزارة الداخلية عن ارتفاع معدلات الجريمة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث زادت الجرائم بنسبة 5% خلال عام 2015، وبنسبة 7% عام 2016، و10% مطلع 2017، وفي عام 2018 زادت المعدلات بنسبة 5%.
من جهته كشفت المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الحكومي، أن جرائم القتل الأسري في مصر تشكل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل، ونسبة 92% من هذه الجرائم تتم بدافع العرض والشرف نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات.